نقض مشروع القضاء على العنف ضدّ المرأة (3)
التناقض مع الإسلام
البحث في موضوع الذكر والأنثى أو الرجل والمرأة والعلاقة بينهما يتناول من زاويتين: زاوية فلسفية وزاوية تشريعية.
– الزاوية الفلسفية:
ونعني بالزاوية الفلسفية، فلسفة النظر أو الفكرة الأساسية التي تقوم عليه النظرة إلى كل من الذكر والأنثى أو الرجل والمرأة؛ فللإسلام فلسفته وللغرب فلسفته.
فلسفة الغرب:
مرّ معنا فيما سبق بيان فلسفة الغرب [الحديثة]، وهي تقوم على المفهوم الجندري/النوع الاجتماعي أو الحتمية الثقافية كردّ فعل على الحتمية البيولوجية التي كانت سائدة في زمن ما، وملخّصها: أنّ التكوين الثقافي والاجتماعي هو الذي يجعل من الذكور رجالا والإناث نساء، ولكل منهما أدوار ووظائف محددة (ينظر: مسرد مفاهيم ومصطلحات النوع الاجتماعي، ص6). فالهوية الجندرية هي إحساس المرء بنفسه ووعيه على ذاته كحامل لصفات الذكورة أو الأنوثة المحدّدة وفق الثقافة السائدة في المجتمع. وعادة ما تتوافق الهوية الجندرية مع الجنس الطبيعي/البيولوجي فيميل الأشخاص إلى الجنس البيولوجي المغاير تماما (Hetrosexual)، ولكن هناك حالات لا يحصل فيها التوافق، فتكون للشخص ميولات جنسانية مختلفة عن العلاقة التقليدية التي هي بين الذكر والأنثى، فيكون ثنائي الميول (Bisexual) أو مثلي الميول (Homosexual) أو غير ذلك. والهوية الجنسانية للشخص مرتبطة بحريته وإرادته ولا ضرر أو ضير فيها؛ وعليه يجب على المجتمع أن يغيّر ثقافته وعاداته وتقاليده فتحلّ المفاهيم الصحيحة – من وجهة نظرهم – لتعويض “نظام البديهيات المعيارية والمراتبيات الاجتماعية التي تحكم المجتمع باعتباره مجتمعا مقاما على ثنوية جنسية صارمة وعلى مركزية الذكورة والتغاير الجنسي” (بنيان الفحولة، لرجاء بن سلامة ص14)، وليوجد الوضع الملائم والمناخ الطبيعي لكل شخص ليشكّل هويته كما يشاء ويعيشها بدون ضغط أو عنف، فيخرج “من وضع الانقياد إلى الأوامر إلى وضع يختار فيه بمنتهى الحرية مظهره وسلوكه وصنيعه” (الاختلاف في الثقافة العربية الإسلامية: دراسة جندرية، لآمال قرامي، ص467) وعلينا تقبّل كل شخص كما هو واحترام حقّه في التعريف بنفسه وذاته كما يحبّ هو ويرضاه ويلائم طبعه وهواه؛ لأنّ “تصدي مؤسسة الضبط لهذه الأصناف… يبرهن على اتصافها بصفة القهر. فهي تتمسّك بجنسانية قائمة على تصوّر آحادي ولا تقرّ بنظام جنسي ثنوي، كما أنّها لا تقرّ بالمزاوجة الجنسية وتصرّ على تجاهل وجود نماذج متعددة” (الاختلاف في الثقافة العربية الإسلامية: دراسة جندرية، لآمال قرامي، ص467).
فلسفة الإسلام:
قال تعالى: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ}، وقال: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى}، وقال: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى}، وقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ}. فالله عزّ وجلّ خلق الذكر والأنثى كجنسين مختلفين، وهذا الفرق الطبيعي/ البيولوجي بين الجنسين أي جنس الذكر والأنثى لا خلاف فيه بين أحد من الناس، مؤمنهم وكافرهم، أبيضهم وأسودهم، ذكورهم وإناثهم. ورغم إقرار الإسلام بهذا الفرق الطبيعي/البيولوجي إلّا أنّه – على النقيض من كل الفلسفات السابقة واللاحقة – لم يراعه في نظرته إلى الجنسين بل راعى النوع ككل أي نظر إلى الذكر والأنثى باعتبار الإنسانية لا غير. فالله عزّ وجلّ خلق الأنثى والذكر بنفس الخصائص والمواصفات الإنسانية بلا فرق؛ فالحاجات العضوية لديهما، والغرائز فيهما، واحدة بلا فرق، والعقل عندهما واحد بلا فرق؛ ولهذا كلّف الله الإنسان الذكر أو الأنثى كإنسان، فلم يخصّ الذكر مثلا بعقيدة وشريعة مختلفة عن الأنثى، إنما جاء التكليف لهما بوصف الإنسانية التي يشتركان فيها بلا اختلاف.
وأما الميل الجنسي فهو غريزة في الإنسان، تدفعه تلقائيا للإشباع، ولكنه قبل إشباعها يحتاج إلى مفهومين: مفهوم يتعلّق بمحلّ الإشباع، ومفهوم يتعلّق بكيفية الإشباع.
أمّا محلّ الإشباع، ونعني به الموضوع أو الذات الجنسية المشتهاة التي يمكن للإنسان أن يحقّق إشباعه منها أو فيها أو معها، فقد يكون أيّ شيء؛ فقد يكون رجلا، وقد يكون امرأة، وقد يكون حيوانا، وقد يكون دمية، وقد يكون حائطا، وقد يكون غير ذلك. وهذا يعني أنّ الغريزة في الذكر أو الأنثى يمكن أن تشبع بالميل المغاير تماما أو الثنائي أو المثلي – كما يقولون -، وبعبارة أخرى فإنّ الميل الجنسي في الذكر يمكن أن يشبعه من ذكر أو أنثى أو كليهما أو غيرهما، والميل الجنسي في الأنثى يمكن أن تشبعه من ذكر أو أنثى أو كليهما أو غيرهما، فهذه مسألة لا نقاش فيها، ولم يأت الغرب فيها بجديد بل وصف الواقع وما عليه بعض الناس. ولكن السؤال هو: من يحدد محلّ الإشباع؟ والجواب يختلف باختلاف الحضارات والثقافات. فالحضارة الغربية مثلا التي تقوم على فكرة فصل الدين عن الحياة بجعل التشريع والنظام بيد العقل البشري، جعلت للإنسان الحرّية في تحديد محل إشباعه، فله أن يختار الذكر وله أن يختار الأنثى وله أن يختار الدمية، ولكنّها قيّدت هذه الحرّية بقيود، فاستثنت ما رأته أو ما رآه العقل البشري غير صالح، كالحيوان والطفل. وأما الإسلام فلم يجعل تحديد محلّ الإشباع للإنسان، وإنما جعله بيد خالق الإنسان؛ فالله تعالى هو المحدّد لمحلّ الإشباع. وقد جعل الله تعالى الذكر محل إشباع الأنثى، والأنثى محلّ إشباع الذكر من أجل غاية وهي التناسل لبقاء النوع. فإن ابتغى الإنسان غير محلّ الإشباع الذي عيّنه له الله تعالى خلقا وأمرا، فإنّه يكون من العادين الذي انحرفوا عن الفطرة والشرع.
وأمّا كيفية الإشباع، ونعني بها الطريقة التي يشبع بها الإنسان غريزته بعد تحديد المحل، فتختلف باختلاف الحضارات والثقافات. فالحضارة الغربية لا يعنيها الكيف، فيمكن للإنسان أن يشبع ميله كيف شاء بشرط الرضا أي لا يشترط الزواج ويمكن أن يحصل الإشباع بعقد أو دون عقد، لساعة أو سنة، فالمهم عندهم هو تحقّق الرضا والقبول بين الطرفين.
وأمّا الإسلام، فقد اشترط الزواج لتحقيق الإشباع. فلا يتم إشباع الميل الجنسي عند الرجل أو المرأة إلا بعد عقد شرعي له أركانه وشروطه. فإن تمّ هذا الإشباع بدون تحقّق شروطه الشرعية، فإنه يعدّ محرّما يعاقب فاعله.
والحاصل، فإنّ نظرة الإسلام إلى الذكر والأنثى مسلطة على انسانيتهما لا على جنسهما أو نوعهما الاجتماعي، ونظرة الإسلام إلى الصلة بين الرجل والمرأة مسلطة على الغرض الذي من أجله وجدت الغريزة في الإنسان، وهو بقاء النوع. وأما المتعة التي تنتج عن إشباع الغريزة فهي أمر طبيعي وحتمي، وهي نتيجة وليست غاية. ولهذا فإنّ الإسلام لا يكبت الميل الجنسي، ولا ينكر المتعة ويلغيها بل ينظمها في إطار صلة التعاون بين الرجل والمرأة من أجل بقاء النوع الإنساني، ويرفض حصر هذه الصلة في إطار اللذة والنشوة، ويجعلها نظرة تستهدف مصلحة الإنسان ككل، لا نظرة الذكورة والأنوثة؛ وهي نظرة لا تنكر على الإنسان استمتاعه باللذة الجنسية، ولكنها تجعله استمتاعا منظما، محقّقا غاية نبيلة هي بقاء النوع. ولهذا جاءت نصوص القرآن منصبة على الناحية الزوجية، وليس الناحية الجنسية، مشيرة بذلك إلى المقصد من صلة المرأة بالرجل. قال تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً}، وقال: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آَتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ{.
ياسين بن علي