زيارة ترامب للسعودية تكريس للوصاية الأمريكية على الأنظمة العميلة المفروضة على المسلمين
جُمِع للرئيس الأمريكي دونالد ترامب في زيارته للسعودية يومي 20 و21 من أيار/مايو الجاري 37 طاغية من ملوك ورؤساء البلاد الإسلامية، إضافة إلى ستة من رؤساء الحكوماتللاتفاق على ما وُصِف بـــــ(صياغة رؤية مشتركة بين أمريكا وشركائها)، وقُسّمت الاجتماعات إلى ثلاث قمم: سعودية-أمريكية، وخليجية-أمريكية، و(إسلامية)-أمريكية.
وأوضح البيت الأبيض أنّ لزيارة ترامب هذه ثلاثة أهداف تتمثل في:
1- عرض قوة أمريكا في الخارج، 2- بناء علاقات وصداقات مع قادة وزعماء العالم، 3- بث رسالة وحدة لليهود والنصارى والمسلمين حول العالم.
وقال مستشار ترامب لشؤون الأمن القومي ماكماستر: “لم يقم أي رئيس أمريكي في السابق بزيارة مواطن ومقدسات لليهود والنصارى والمسلمين في رحلة واحدة”، وأكّد على أنّ الرئيس ترامب “يسعى لتوحيد الناس من كل الديانات وجعلهم يلتفون حول رؤية السلام والتقدم والازدهار” على حدّ قوله.
لقد وضعت إدارة ترامب مُقاربة جديدة تختلف عمّا كانت عليه إدارة سلفه، فأوباما كان قد اختار مصر، وخاطب من خلالها الطلاب وجماهير المسلمين من منبر جامعي شعبي فيها، مبتعدا عن الحكام شيئاً ما، ومُروّجاً للقيم الديمقراطية، بينما اختار ترامب السعودية، وفضّل الاجتماع بالحكام، ولم يلتفت إلى الشعوب، ولم يسْعَ إلى نشر الديمقراطية كما فعل أوباما، بل عمد إلى سوْق عشرات الحكام العملاء كالخراف إلى السعودية للاجتماع بهم، وإلقاء الأوامر و(المواعظ) عليهم، وهو ما يدل على أنّ أمريكا تحت قيادة ترامب قد اعتمدت التعامل مع الحكام الطغاة مباشرةً، ولم تأبه بتطلّعات الشعوب، واختارت السعودية دون غيرها، لتكون مركز الثقل الجيوسياسي للعالم العربي والإسلامي، ولتكون قاعدةً تُهيمن أمريكا من خلالها على أتباعها وأتباع غيرها إن استطاعت.
في القمّة الأولى الثنائية بين ترامب والملك سلمان حصدت أمريكا 460 مليار دولار، حيث وقّع سلمان وترامب على ما سُمّي بـــــ(اتفاقية الرؤية الاستراتيجية المشتركة) والتي وصفها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بأنها “تاريخية وغير مسبوقة” تناولت التعاون بين الدولتين في مجالات التجارة والاستثمار والتعليم ومجالات أخرى مختلفة، منها توقيع اتفاقيات وصفقات مُذهلة بين الرياض وواشنطن على مدى العشر سنوات المقبلة تجاوزت قيمتها 380 مليار دولار، شملت قطاعات التجارة والطاقة والبُنية التحتية والتكنولوجيا وغيرها، إضافةً إلى صفقة عسكرية بقيمة 110 مليارات دولار اشتركت فيها شركات لوكهيد مارتن ورايثيون وجنرال دايناميكس وجنرال إلكتريك وداو كيميكال، كما وقّعت شركة أرامكو السعودية 16 اتفاقية مع شركة بلاكستون وشركة إكسون موبيل بالإضافة إلى 11 شركة أمريكية أخرى تحت شعار “شراكة للأجيال”.
يقول ديفيد هيرست مدير تحرير صحيفة الجارديان البريطانية: “كم هي مُرتفعة تكلفة الجلوس في حضرة دونالد ترامب، فبحسب تقديرات وول ستريت فهي قد ترتفع إلى ما يقرب من تريليون دولار من الاستثمار في الاقتصاد الأمريكي، وستوجد مليون فرصة عمل جديدة في الولايات المتحدة الأمريكية في الحال، والتمهيد لملايين أخرى من الوظائف فيما بعد”، ويضيف: “والسؤال الذي يتردّد على ألسنة السعوديين هو: كيف يتم إغداق كل هذا المال على الأمريكان بينما لا يُنفَق على الشعب الذي يبلغ معدل البطالة الرسمي في السعودية ما نسبته 12 بالمائة”، ويفسّر هيرست ذلك بسببين: “أمّا الأول فهو بسبب شخصي، فمحمد بن سلمان يدفع فدية الملك، وأمّا الثاني بسبب جمعي وهو أنّ السعودية تدفع فدية مُقابل الحماية، حتى وإن كانت الأسلحة التي تشتريها لن تجد يوماً طريقها إلى الاستخدام”.
في الحقيقة لا يوجد تفسير مُقنع لكل هذه الحفاوة والسخاء اللذين قوبل بهما ترامب في السعودية، بالرغم من مواقفه الواضحة ضد الإسلام، وضد السعودية نفسها، سوى العمالة والخيانة والحماقة التي يتسم بها حكام آل سعود، حتى إنّ الأمريكيين أنفسهم استهجنوا مواقف حكام السعودية من استقبال ترامب بهذه الطريقة، فأعرب عدد من المحلّلين الأمريكيين البارزين في حلقة تلفزيونية بثّتها قناة (سي إن إن) الأمريكية يوم الجمعة عن استغرابهم من كل هذه: “الحفاوة والاهتمام والاستعداد المبالغ فيه من قبل المملكة لاستقبال الرجل الذي كان العام الماضي يُهاجم الإسلام، واتخذ قراراً فور وصوله إلى الحكم يمنع دخول رعايا سبعة بلاد إسلامية إلى الأراضي الأمريكية”، واعتبر أكثر من طرف أمريكي أنّ ترامب يرغب في أن تكون الزيارة سبباً في التغطية على فضائحه الداخلية وأزماته.
فالأمريكيون والغربيون يُدركون تماماً أنّ زيارة ترامب للسعودية لا تعني بالنسبة إليهم شيئا سوى نهب ثرواتها وغزو أسواقها بوصفها “بقرة حلوباً إذا جفّ ضرعها نحرناها” كما نعتها ترامب عندما كان مُرشحا للرئاسة.
أمّا القمتان الأخريان التي عقدهما ترامب في السعودية مع حكام مشيخات الخليج ومع مختلف حكام البلاد الإسلامية فلم تزيدا عن كونهما حلبتين استعرض ترامب فيهما البلطجة الأمريكية، وفرض أسلوب عمل مُشترك عليهم لمحاربة الإسلام.
واستعرض ترامب قدراته الخطابية أمام الحكام الرويبضات فشوّه أبسط معاني الإسلام، وفرّغه من مفاهيمه العقائدية، وركّز في خطابه على محاربة الإسلام تحت اسم (الإرهاب)، وزعم أنّ “المعركة ليست بين الديانات أو بين الحضارات وإنّما هي بين الخير والشر، ولا يمكن أنْ تنتظر شعوبُ الشرق الأوسط أمريكا لسحق (الإرهاب)، بل عليكم تحمل مسؤولية محاربة (الإرهابيين) وطردهم، وأمريكا ستدعمكم، وستكون شريكة معكم لنهزم (الإرهاب)، وعدم منح ملاذٍ (للإرهابيين)”.
لقد خلا جدول أعمال الزيارة من أي شيء مهم سوى محاربة (الإرهاب) أي الإسلام، بأيدي المسلمين أنفسهم، وإبعاد المسلمين عن دينهم، ومساواة الإسلام العظيم بالديانتين النصرانية واليهودية المحرفتين، وإثارة النعرات الطائفية بين المسلمين، واعتبار إيران هي العدو الأول للسعودية بدلاً من كيان يهود، وغاب عنها بحث جميع القضايا السياسية المهمة من مثل فلسطين وبورما وكشمير، كما غاب عنها بحث أحوال المسلمين البائسة في مختلف أرجاء العالم وسائر القضايا الحسّاسة والاستراتيجية.
فأيّ صنف من الحكام هؤلاء الذين يزدريهم أعداؤهم ويحتقرونهم ويفرضون عليهم الإتاوات ويُلقون عليهم التعليمات، بينما هم يُهرولون تحت أقدام أسيادهم طائعين خانعين أذلاء مُستسلمين؟!
ومن أي جنسٍ هؤلاء الحكام العبيد الجبناء المنبطحون تحت أقدام أسيادهم بينما يرفعون عقيرتهم أمام شعوبهم، فيصبحون طغاةً مجرمين سفّاحين، ينتهكون الحُرُمات والمُحرّمات، فلا يرعوون ولا ينزجرون ولا يسمعون ولا يعقلون؟!
لقد آن أوان الثورة الشاملة عليهم والخروج الجماعي على أنظمة حكمهم الطاغوتية، وقلب عروشهم المُصطنعة، وإقامة دولة الإسلام، الخلافة الراشدة على منهاج النبوة على أنقاض كياناتهم المُهلهلة، والله غالبٌ على أمرِه ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون.