بعد تسريبات قناة “نسمة”    الإعلام في النظام الديمقراطي….  تزييف للوعي وخداع للشعوب

بعد تسريبات قناة “نسمة” الإعلام في النظام الديمقراطي…. تزييف للوعي وخداع للشعوب

الإعلام في النظام الديمقراطي….  تزييف للوعي وخداع للشعوب

       منذ أن ظهرت التسريبات الأخيرة  لمالك قناة “نسمة” وهو بصدد توجيه الصحفيين للقيام بحملة  إعلامية مصطنعة لتشويه منظمة “أنا يقظ” واتهام أعضائها بالخيانة والعمالة حتى تتالت التصريحات المستنكرة والمنددة بهذه الحادثة , ومستغربين مستوى السقوط الأخلاقي الذي وصل إليه صاحب القناة.

      لقد كان التسريب فاضحا وكان بمثابة خطة متكاملة تتقاسم فيها الأدوار بين مختلف الصحفيين  الهدف منها النيل من مصداقية المنظمة التي بدأت بكشف ملفات فساد تخص مالك القناة, باتهام أعضائها بالعمالة لأمريكا, والنيل من أعراضهم وأعراض عائلاتهم.

هذه الحادثة التي شغلت الرأي العام في الأسبوع الفارط كشفت عن واقع قطاع الإعلام في بلد مثل تونس يطبق فيه النظام الديمقراطي, وهي ليست حالة شاذة بل هي نموذج من المشهد الإعلامي في كل البلدان الديمقراطية حيث تكون وسائل الإعلام إما تحت هيمنة الحزب الحاكم و الوسط السياسي التابع له أو مملوكة لرجال الأعمال المتنفذين. وخلافا لما يتم الترويج له فإن المهمة الأولى لوسائل الإعلام ليست إظهار الحقيقة التي تخدم عامة الشعب, أو تلك التي تعبر عن مشاغله, بل مهمتها الأولى هي صياغة الرأي العام وتشكيله على النحو الذي يخدم المتحكمين فيها من أحزاب سياسية ولوبيات مالية واقتصادية  بالترويج لبرامجهم وخططهم,  وإيصال مرشحيهم إلى الحكم في المناسبات الانتخابية.

الإعلام في خدمة الثورة المضادّة

لقد كان لهذه القناة , محل التسريبات, دور كبير في إعادة رسكلة رجالات الحرس القديم من التجمع الدستوري الديمقراطي رغم  تاريخهم المعروف , وإظهارهم بأنهم أصحاب التجربة والخبرة في إدارة الشأن العام, كما كان لها دور كبير في شيطنة خصومهم وتعقب زلاتهم, وكان لهذه السياسة الإعلامية الاثر الكبير في الثورة المضادة التي أوصلت  “حزب النداء” الذي ينتمي إليه صاحب القناة إلى الحكم.

ولا يقتصر هذا السلوك على القناة المذكورة في التسريب  فقط , بل إن  أغلب  وسائل الإعلام انخرطت في نفس السياسة , سواء كانت تلك الوسائل عمومية أم خاصة, وأن كان  بنسب متفاوتة. لذلك لم يكن مستغربا منها أن تقف ضد حملة “وينو البترول “, وأن تسخر من المشاركين فيها, وتقف مع شركة “بيتروفاك” ضد أهالي قرقنة وتصفهم بالعصابات, وضد الحراك الاجتماعي في جمنة, وان تشارك هذه الوسائل الإعلامية في الترويج لاتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي, ولمؤتمرات الاستثمار الأجنبي, وتستدعي “الخبراء” للدفاع عن صوابية التعامل مع صندوق النقد الدولي والقبول بكل شروطه التي يرونها معقولة,  وتحميل مسئولية الوضع الاقتصادي المتدهور على الحراك الثوري وعدم رغبة الناس  في العمل , وعلى تضخم كتلة أجور الوظيفة العمومية التي يأمر خبراء صندوق النقد بتقليصها ضمن حزمة “الإصلاحات” المطلوبة للموافقة على القروض.

الإعلام ذراع الرأسمالية المتوحشة

         إن السيطرة التي تفرضها الأقلية المتنفذة من أحزاب سياسية ولوبيات المال والأعمال على الحياة الاقتصادية والسياسية  في البلدان الديمقراطية تتطلب إخضاع المشهد الإعلامي كاملا لهذه اللوبيات وهذا ما يحدث في كل البلدان الديمقراطية دون استثناء.

    ففي فرنسا مثلا, مهد الديمقراطية وحرية الرأي والصحافة وحيث توجد أهم الصحف والقنوات التلفرية الأوروبية, فان المدقق والباحث في الجهات التي تملك  وسائل الإعلام لا يجد إلا  المجمّعات المالية والاقتصادية الكبرى التي لا علاقة لها بالإنتاج الإعلامي.  ولسائل أن يتساءل :

  • ما الهدف من امتلاك شركة EADS لأسهم في جريدة   LE MONDE  , وجريدة  LE JOURNAL DU DIMAMCHE  , وقناة  EUROPE 1, وهي الشركة العملاقة المتخصصة في صناعة الطائرات المدنية AIRBUS والحربية؟
  • ما الذي يدفع شركة DASSAULT المتخصصة في صناعة المعدات العسكرية وخصوصا الدبابات إلى امتلاك صحيفة  LE FIGARO ؟
  • ماذا وراء امتلاك كبير أباطرة المال والبنوك EDOUARD DE ROTCHILD  لصحيفة  LIBERATION؟

       هذه  أمثلة وغيرها كثير تبين بما لا يدع مجالا للشك أن القطاع الإعلامي في البلدان الديمقراطية يقع بمجمله  تحت سلطة ونفوذ كبار المجمّعات الاقتصادية والمالية, وهو ما يمكنهم من التحكم في الرأي العام  وتوجيه  الناخبين نحو اختيار مرشحيهم من الأحزاب السياسية  التي يساهمون في تمويل حملاتها الانتخابية بالأموال وبالمعطيات والأرقام ,  حتى يُساق الناخبون إلى مراكز الانتخاب لاختيار المرشح  المفضل لبارونات المال والأعمال العالمية وهم يضنون انه مرشحهم.

إعلام ” لا في العير ولا في النفير”

      هذا هو واقع الإعلام في البلدان الديمقراطية , وما يقع في تونس مع بعض القنوات التلفزية هو نسخة مشوهة ورديئة الإخراج لما يحصل تلك البلدان وذلك لسببين:

 أولا أن وسائل في تونس ليس لها الخبرة والحرفية الكافية في تنفيذ ما يطلب منها والتأثير في الرأي العام  دون الوقوع في الرداءة والتحيّز الواضح والتحامل غير المبرّر الذي تقع فيه القنوات التونسية.

 ثانيا إن الجهات التي تمتلك وسائل الإعلام في البلدان الأوروبية تحرص على التخفي وعدم الظهور  للحفاظ على الحد الأدنى من المصداقية, ولتبرز المواقف التي تروجها على أنها تمثل الحقيقة التي يسعى العامة لمعرفتها, أما  أصحاب القنوات التلفزية والصحف في تونس فإنهم لا يمتنعون عن التفاخر بممتلكاتهم و يسرهم ذكر أسمائهم في برامجها , غير مدركين أنهم يكونون بذلك فاقدين لأية مصداقية  وأنهم يزيدون في نفور الناس منهم ومن صنائعهم, وأن وعي الناس السياسي تجاوز مستواهم وأنهم سيكونون أول ضحايا الموجة الثورية القادمة التي بدأت إرهاصاتها تتضح يوما بعد يوم.

محمد مقيديش

CATEGORIES
TAGS
Share This