عندما يحكم رجل الاستخبارات
بلغ التدخل الأوروبي في توجيه الشأن العام في تونس مستوى فاضحا من الصعب إخفاؤه, فنشاط سفير الاتحاد الأوروبي في تونس أو المقيم العام الجديد يطغى أحيانا على النشاط رئيس الحكومة, أو حتى رئيس الدولة. والمتتبع لنشاط هذا السفير من خلال ما هو معلن بصفة رسمية يسجل تدخله في الأنشطة السياسية والاقتصادية والثقافية, كما انه يشرف على هيكلة أعمال مجلس النواب و على نشاط منظمات المجتمع المدني. كل هذا يتمّ وسط تعتيم وصمت مريب من مختلف مكونات الدولة المدنية الديمقراطية وكأنه إقرار بدور هذا السفير في أدارة الشأن في البلاد.
رجل استخبارات في منصب سفير
ينبغي الإشارة إلى أن سفير الاتحاد الأوروبي في تونس “باتريس برغاميني” هو رجل استخبارات فرنسي, عرف في أوروبا بخبرته في مجال الأمن والدفاع, وقد اختارته “كاترين أشتون” الممثل الأوروبي لشؤون الخارجية والأمن في 2010 لمنصب رئيس الوكالة الأوروبية للاستخبارات المعروفة باسم ” SitCen ” أي ما يعادل “CIA” الأمريكية في أوروبا. وقد عُين في منصب سفير الاتحاد الأوروبي بتونس أواخر 2016 خلفا للاسبانية “لورا بيزا” .هذا الاختيار الأوروبي لرجل استخبارات في منصب سفير والمشابه للاختيار الأمريكي في شخص “دانيال روبينشتاين” يظهر بوضوح طبيعة المهمة المسندة لكلا الرجلين, وهي مهمة تتمثل أساسا في الاختراق والتحكم وكسب العملاء الذين يُسمون أصدقاء لخدمة المصالح الأوروبية والأمريكية.
أهداف السياسة الأوروبية في تونس
منذ أن تولى سفير الاتحاد الأوروبي منصبه شرع في تنفيذ سياسة الاتحاد الأوروبي في تونس القائمة على اختراق جميع مفاصل الدولة المدنية وإعادة هيكلتها على نحو يضمن للاتحاد الأوروبي التدخل في تسيير الأعمال التشريعية للبرلمان, وأعمال الحكومة في المجال الاقتصادي والأمني والتعليم والتحكم في نشاط منظمات المجتمع المدني الممولة من ميزانية الاتحاد لتكون القوة المطالبة بالقيم الغربية الديمقراطية في مجال الحقوق والحريات. هذه السياسة الأوروبية فصلتها الوثيقة الصادرة عن البرلمان الأوروبي في 14 سبتمبر 2016 والتي كشفنا سابقا عن أهم محاورها على أعمدة جريدتنا.
إن ما يقوم به السفير الأوروبي في تونس هو التنفيذ العملي لما جاء في الوثيقة المذكورة, فهو الذي يقوم بنفسه بالاتصال بالجهات الرسمية حاملا معه الأوامر الأوروبية الواجب تنفيذها, بعد أن تتم صياغتها على شكل برنامج إصلاح أو إعادة هيكلة للمؤسسة المعنية, ثم يتم تنفيذه على نفقة الاتحاد وبإشرافه. هذه الرشوة السياسية مالية التي يسيل لها لعاب السياسيين تمكّن الأوروبيين من استدراج السياسيين في تونس لاعتماد ما يطرحه الأوروبيون من برامج على النحو الذي يُأبّد التبعية السياسية والتشريعية والاقتصادية لتونس نحو أوروبا الاستعمارية.
أعمال السيطرة والاختراق
يكفي أن ننظر إلى ما قام به السفير الأوروبي خلال الأسابيع القليلة الماضية من أعمال لنتبيّن خطر الاختراق الحاصل على جميع مستويات الدولة, وحجم القرارات والأموال التي تمّ تخصيصها لهذا الغرض.
ففي ما يخص المسائل الأمنية فقد اتفق السفير الأوروبي مع وزير الداخلية في 23/02/2017 على الشروع في هيكلة الجهاز الأمني بمساهمة من الاتحاد الأوروبي بمبلغ 23 مليون أورو, وفي ما يخص أعمال مجلس النواب ترأس السفير الأوروبي مع “محمد الناصر” رئيس مجلس نواب الشعب لجنة لدعم القدرات التشريعية لمجلس النواب بتمويل أوروبي قدره 1,630 مليون أورو يشارك في تنفيذها برلمانيون من فرنسا وايطاليا والمانيا وغيرهم, وهو سعي مكشوف لفرض التشريعات والقيم الحضارية الأوروبية على أبناء الشعب التونسي المسلم, وفي مجال اختراق منظمات المجتمع المدني ونشر القيم الغربية الديمقراطية المناقضة للعقيدة الإسلامية, أعلن السفير الأوروبي في 08/02/2017 عن نية الاتحاد عن رفع قيمة المبلغ المخصص لتمويل منظمات المجتمع المدني في تونس إلى ثلاث أضعاف, منها 7 مليون أورو لتمويل منظمة “مساواة” وهي منظمة معنية بالدعوة للمساواة الفعلية بين الرجل والمرأة , ومبلغ 2 مليون أورو للمنظمات المعنية بحقوق الإنسان خصوصا تلك التي تقاوم التمييز القائم علة أساس الدين أو الهوية الجنسية أي حماية الشذوذ الجنسي, وفي مجال استقطاب الخبرات والعقول المتميزة من أبنائنا تم تخصيص 1500 منحة للبحوث والدراسات في أوروبا رغم علم الأوروبيين والسلطات التونسية أن الكثير منهم لن يعودوا إلى تونس, وفي مجال تمويل ما يسمى بالأعمال الفنية حسب الرؤية الأوروبية أعلن السفير الأوروبي في 18/02/2017 عن تمويل 100 مشروع فني بمبلغ قيمته 2,4 مليون أورو……
هذه نبذة عن الأعمال التي قام بها سفير الاتحاد الأوروبي في الفترة الأخيرة, وهي أعمال يظهر فيها بوضوح عزم الاتحاد الأوروبي على الإمساك بقبضة من حديد على جميع مفاصل القرار السيادي في تونس, و السيطرة على الوسط السياسي من خلال اختراق منظمات المجتمع المدني بالتمويل الأجنبي المشروط بالولاء الفكري والحضاري مستغلا التواطؤ الواضح للنخبة السياسية العلمانية الحاكمة التي شرّعت القوانين التي تسمح بهذا التمويل, وعضّت النظر عن كل نشاطاتها المنافية للعقيدة والمفاهيم الإسلامية. وإن ما شهدته الساحة الساسية والفكرية من سجال حول تنقيح القانون عدد 52 المتعلق باستهلاك المواد المخدرة “الزطلة”, وحول حماية الشذوذ الجنسي هو من ثمار السياسة الأوروبية المعلنة في الوثيقة الصادرة عن البرلمان الأوروبي في 14 سبتمبر 2016 , حيث يُثار الحوار ثم المطالبة “بالحقوق الشاذّة” من بعض الناشطين في منظمات المجتمع المدني, ثم يأتي الدعم الإعلامي ثم السياسي على أعلى المستويات في خطة محكمة لنشر المفاهيم الغربية التي تنشر الفساد والرذيلة في المجتمع.
ومهما حاولت أوروبا أخفاء سياستها الاستعمارية ورغبتها في تأبيد ربط تونس بأوروبا على المستوى الثقافي والسياسي والاقتصادي, فان هذه السياسة سوف تبوء بالفشل لان الأمة الإسلامية أيقنت حقيقة عداء أوروبا للإسلام والمسلمين و بدأت تلفظ عملائها بكل عنف, وتطالب بحقوقها السياسية والاقتصادية. ولن تتوقف عن هذا المسيرة حتى تحقق تحررها من كافة أشكال التبعية للدول الغربية, وتقيم دينها الذي ارتضاه الله لها بخلافة على منهاج النبوة.
محمد مقيديش