الحزب الحاكم ونشر الغسيل الوسخ… متى يستقيم الظل والعود أعوج
يشهد “الحزب الحاكم” في تونس حالة غير مسبوقة من الانكشاف ونشر للغسيل الوسخ الذي لم يعهد ممكنا التستر عليه, فقد اتسع الخرق على الرّاقع وتعددت الشقوق وتناثرت الشظايا, وأصبحت تصريحات أعضائه اشبه باعترافات أفراد عصابة يشهد صغارها على كبارها.فقد كشفت النائبة بمجلس النواب عن حزب “نداء تونس” “ليلى الشتاوي” في تصريح إذاعي أن الهيئة الإدارية للحزب تدار بمنطق العصابات, وأن البعض منها يعمل لفائدة جهات أجنبية. هذه التصريحات تضاف إلى أخرى أدلى بها “لزهر العكرمي” احد القياديين في الحزب عن تلقي أموال ورواتب من جهات مشبوهة, و إلى تسريبات عديدة كشفت عن سيطرة هذا الحزب على مفاصل الدولة وتسخير مختلف السّلط و الأجهزة لمصلحة أفراد الحزب الحاكم ولوبيات الفساد المحيطة بهم.
وفي الوقت الذي يشاهد فيه العالم نزول الملايين في كوريا الجنوبية والبرازيل احتجاجا على شبهات الفساد التي تحوم حول كبار المسئولين بالدولة للمطالبة بعزلهم ومحاكمتهم رغم النجاح الاقتصادي الذي حققوه في كل من كوريا والبرازيل فإننا نشهد في تونس صمتا مريبا ومخزيا من الأحزاب المكونة لحكومة “الوحدة الوطنية” و”منظمات المجتمع المدني” يصل إلى درجة التواطؤ بالرغم من الفشل الذريع لهذه الحكومة على كل المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية, وقد تبين أن التذرع بكون القضاء هو المخول الوحيد في بحث هذه القضايا هو تهرب من المسؤولية السياسية والأخلاقية التي توجب الدعوة إلى تغير كل المشهد السياسي في البلاد بعد أن أصبحت الدولة رمزا للفساد, وأصبح حكامها وبرلمانيها شهود مجرد أدوات للعصابات المتنفذة.
إن ما حصل في تونس من الكشف عن الفضائح السياسية للحزب الحاكم سواء كانوا وزراء في الحكومة أو نواب في البرلمان يكشف بوضوح عن طبيعة القيم النفعية المادية التي تربط أعضاء هذا الحزب في ما بينهم وتحدد علاقتهم مع الدولة التي يعتبرونها مجرد قطعة من الكعك يتقاسمون منافعها مع وكلائهم المحليين والدوليين, دون أي اهتمام بمشاغل الناس أو بالحالة المتردية التي عليها اقتصاد البلاد, كما يكشف أيضا أن الحديث عن الوطنية وحب تونس والخوف على مستقبل الأجيال القادمة من طرف الطبقة السياسية الحاكمة عند كل عمل إرهابي لا يعدو أن يكون مجرد ستار لإخفاء حقيقتهم الانتهازية والوصولية ولصرف الأنظار عن تمددهم المافيوزي في مفاصل الدولة.
على انه ينبغي التأكيد أن فساد الأشخاص هو أحد وجوه الأزمة التي تعيشها تونس, أما أساس الأزمة وسبب التخلف الشامل الذي تعانيه فهو فساد النظام السياسي والاقتصادي المطبق في تونس والذي هو ناتج عن فساد الأساس العلماني الديمقراطي الذي فرضته فرنسا عن طريق وكيلها الأول بورقيبة وسار عليه بقية الوكلاء إلى اليوم, والذي يجعل من عقول وأهواء البشر تشريعا يُصاغ منه الدستور وسائر القوانين, ويستبعد كل التراث التشريعي الإسلامي عملا بقاعدة فصل الدين عن الحياة, ولتبقى بلادنا وسائر البلاد الإسلامية تحت نير التبعية السياسية والاقتصادية للغرب الرأسمالي الكافر.
محمد مقيديش