ليبيا… ماذا لو كان اتّفاقا بالإسلام بعد فشل التوافق بلا إسلام؟
بقلم أ. محمد علي بن حسين
ليبيا ليس كما يظنّ “المتفيقهون” في السياسة والتحليل عالما مستقلاّ يتصارع فيه أهل البلد ذاتيا، وإنّما هي تعبير عن ثورة الأمّة المنطلقة من تونس، تنتظر ولادة بين ظلمات ثلاث:
ظلمة أولى:
تدخل غربي مكشوف مفضوح
صراع دولي أطرافه تنطق بها الألسنة صراحة لا تلميحا، وتكشفها الوقائع بل حتى النقاشات الجزئية.
إذ قالت مبعوثة الاتحاد الأوروبي صراحة بداية الأسبوع الفارط أنّ “الثنائي الأمريكي البريطاني يعرقلان الجهود في ليبيا”. كما كشف رئيس حكومة الإنقاذ الحاسي خلال لقاء تلفزيوني بداية السنة الجارية عن علاقة حكومته ببريطانيا وعن زيارة وفد بريطاني عسكري لمناطق مختلفة في طرابلس، ولكن السفير هناك حاول النفي بتغريدة على حسابه الشخصي في تويتر!!وأمّا أمريكا فهي لا تُخفي دعمها لحفتر–الذي رعته منذ حادثة التشاد-كلّما سنحت لها الفرصة لذلك وتضغط وفق المتاح لها لتجعل منه شريكا سياسيّا لا عسكريا فقط. وأوروبا وخاصة بريطانيا تحاول البقاء بلا منافس على خيرات ليبيا ولم لا على سياسة بلد عمر المختار.
أما صراع النفط فيظل الأبرز، لتكون الخيرات وبالا لا خيرا على أهل ليبيا وعلى المنطقة والأمّة في ظلّ غياب ثمرة ثورة الأمة نظاما عادلا ودولة مهيبة. فها هي إيطاليا تحرّك بوارجها بالقرب من السواحل بداية الأسبوع الماضي، ونقلت صحفها عن مصادر عسكرية، أن المهمة هي “حماية الحقل النفطي، مهما كان الثمن، نظراً لدوره الحيوي في إمداد الخط البحري الناقل للنفط إلى صقلية الإيطالية”.
ظلمة ثانية:
تخندق إقليمي بلا أجندة ذاتية
فمصر كقيادة رسمية بعد أن اصطدمت مع شعبها هاهي تصطدم مع الأمّة في بديهيات القضايا من فلسطين إلى الشام إلى ليبيا. فـ”اختارت” أن تواصل في تسليم أجندتها السياسية لتكتب فيها واشنطن ما شاءت وتوقعها متى شاءت. فها هي تستقبل حفتر وتتوسط لتسلحيه من روسيا، ثمّ تصنع الأحداث أو تستثمرها قصفا لا يستثني أحدا لترجّح كفّ حليفها في ليبيا ثم تدعو لتكوين حلف دولي يُعرض على تصويت الجامعة العربية هذا الشهر. والموقف الرسمي في السودان يقارب موقف مصر على الأقل اعترافا ودعما. أمّا الأردن فتستثمر فويرقات المواقف بين حكومة طبرق وجيش حفتر لتتسلّم ولو بشكل محتشم إعادة هيكلة الجيش الليبي. وتونس والجزائر والمغرب في انسجام تتأرجح المواقف الرسمية بين رفض واضح للتدخّل العسكري الأجنبي والترحيب بوساطة الحوار الذي ترعاه الأمم المتحدة، وبين محاولة تجنّب التواصل ما أمكن مع الأطراف المدعومة من أمريكا ومصر.
وهكذا تتناقض التصريحات الرسميّة في وصف الواقع الواحد إذا اختلفت أطراف الصراع الداخليّ: فتوصف أعمال بالإرهاب إذا كانت من أعداء الحلفاء وتوصف بعملية شجاعة ولمصلحة ليبيا إذا كانت من الأطراف في نفس “الخندق السياسي للأطراف الدولية”، وتُستثمر التحرّكات الذاتية في ليبيا لتوضع في السياق المطلوب.
وهكذا يُصبح حكم المحكمة العليا في ليبيا مُلزما ويجبُ احترامه لأطراف، ويكون قرارا لاغيا أُخذ تحت إكراه السلاح لأطراف إقليمية أخرى… وتكون مجموعات مسلحة إرهابية لأطراف وثوارا لآخرين… لتضيع الحقائق في “خنادق” السياسة والولاءات الدولية…
ظلمة ثالثة:
صراع في ليبيا مع الصراع على ليبيا
أما القوى المسلحة في ليبيا فهي موزعة بين حفتر وبين المؤتمر الوطني، فكتائب الزنتان “الصواعق والقعقاع” معحفتر، وأما درع المنطقة الوسطى “مصراتة” فأقرب إلى المؤتمر الوطني ضد حفتر… وهكذا بالنسبة للقوى العسكرية من فصائل ووحدات عسكرية، فهي مختلفة التوجه إلى هنا وهناك ويظل رافدها الأساسي القبائل والكتائب القريبة منها…
ظلمات ثلاث:
فكيف السبيل للخروج من الظلمات بولادة دولة من أمّة وثورة؟
فماذا لو….؟
أجندة سياسية إقليمية ذاتية شعارها “ثورة تحرّر من الاستعمار”:
ماذا لو تبنّت تونس والجزائر والمغرب أساسا لأجندة سياسية ذاتية مبدأ عدم التدخّل الأجنبي امتثالا لقوله تعالى: {وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا}. فيتمّ أخذ الأمور بأيدي أهل المنطقة، لجمع الأطراف المتنازعة دون تدخّل أجنبي في المنطقة لا سياسة ولا سلاحا. وتُجعل الأجندة السياسية أساسا لرفع الظلم وأوّلها حدود فُرضت من الستعمار فرُسّخت وحدود فُرضت من ربّ العباد فضُيّعت.
فهل تختلف حينها المواقف تجاه الأحداث والوقائع؟ وهل تكون الأعمال بطولة لدى أطراف وإرهابا لدى أطراف أخرى؟ وهل تنتظر الجهات الرسمية تصريحات أوباما أو هولاند أو كامرون حتى تصرّح هي؟ أم هل نبقى حينها دولا ضعيفة تبحث عن الحلول الجاهزة التي لا تزيدنا إلا رهقا؟
اتّفاق القبائل والمتصارعين على أساس متين “تعالوا إلى كلمة سواء ألاّ نعبد إلاّ الله”:
ماذا لو وضعت القبائل والقوى الفاعلة السلاح واتّحد المخلصون فتضع الحرب أوزارها، ويوقّعون ميثاقا “ثورة تحرّر من الأحقاد وسفك الدماء الحرام ووحدة سياسية على أساس الإسلام” أساسه قوله تعالى: {تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ۚ} , ويُتّخذ الإسلام أساسا للحكم والوحدة الإقليمية, وأساسا لتشكيل جيش رسمي يُعلن فقط حالات الطوارئ على أعداء الأمّة لا على الأمّة, فتوضع الحرب أوزارها, كما توضع سياسة العمالة أوزارها…
متى هذا….؟
وهذا فقط إذا آمنّا بأنّنا قادرون وأنّ الاستعمار ليس قدرنا…
هذا فقط إذا انحزنا لثورة أمّة لا تنتهي إلاّ بتحريرها وعزّها ومجدها…
هذا فقط إذا صدقنا ببشرى الرسول وأنّ التجزئة ليست قضاء مفروضا…
هذا فقط إذا توكّلنا على الله وعزمنا بأن نكون خير أمّة أخرجت للنّاس…
هذا فقط إذا لم نر التخلف والتجزئة والارتهان للأجنبي وتلقي الأوامر لتنفيذها…قدرا محتوما وقضاء سياسيا لازما
وإلاّ فإنّ “إذا” تصبح “لو” التي تجعل عمل “الشيطان” مستمرا مفتوحا والعبودية قدرا للعازفين عن نسائم التحرير…
{وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا}.
CATEGORIES اقليمي ودولي