التلوث في قابس: هل تنتهي المعاناة؟
من المعلوم أن الوضع البيئي في قابس اكثر من متردي و ينذر بكارثة على كل المستويات وهذه حقيقة يعيشها اهالي قابس في جو من الترقب و الفزع رغم لا مبالات الحكومات المتعاقبة و التعتيم على هذا الملف و محاولة دفن الموضوع في دهاليز الساسة و اصحاب القرار يبقى الاهل هنا قابس يحدوهم امل الخلاص من هذا الكابوس الذي يتهدد حياتهم و الاجيال القادمة ، وكلما اعلن عن مشروع تجدد الامل لينتهي بسراب و قد علمنا من خلال مواكبتنا لهذه القضية ان مشروعا جديدا سينجز للغرض بكلفة 11مليون دينار يهدف الى القضاء على التلوث فأردنا آن نقف على حقيقته ومدى نجاعته وخاصة ان الجهة الممولة الاتحاد الأوربي فهل هي صحوة ضمير للنظام الغربي الذي يترنح ونحن نرى أزمته في اليونان و في اسبانيا ام انها مجرد مسكنات للامة لضمان تواصل مسلسل نهب خيرات البلاد فكان لنا هذا القاء مع مدير المشروع السيد أحمد العش المهندس المتخرج من المدرسة الهندسية في ألمانيا في ميدان البيئة.
بلغنا أنّ هناك مشروع ضخم لإنهاء التلوث في جهة قابس التي تعاني من هذه المعضلة منذ عقود خاصة مع نشأة المركب الكيميائي و معمل الاسمنت، لو تقدم لنا بسطة عن المشروع؟
مشروع متوسطي ذو صبغة عالمية (ليس مشروع تونسي بحت) مموّل من المفوضية الأوروبية وقد وقع دراسة المشروع مع وزارة التنمية الدولية و الاستثمار ، بدأ المشروع منذ جانفي 2015 تحت اسم دعم الحوكمة البيئية المحلية للأنشطة الصناعية في قابس. هو ليس مشروعا لإنهاء التلوث ، فإمكانياته محدودة تبلغ 5 ملايين أورو ومدة انجازه 4 سنوات ليتطرق للحوكمة البيئية المحلية و سيقع تسييره من قابس و ليس من الوزارة. و يتفرّع عن هذا المشروع مشاريع صغرى و متوسطة للحد من التلوث في قابس تتولى الجمعيات البيئية و التنموية الاشراف عليها و تسييرها تحت مراقبة المفوضية الأوروبية التي تشترط على هذه المشاريع أن تبرهن على قدرتها على الحد من التلوث في جهة قابس.
لتقريب الصورة للأهالي هل المشروع، مجرد دراسات لإيجاد حلول و تصورات أم أنه مشروع عملي مادي يحُدُّ من التلوث و يخفض من آثاره؟
يرتكز المشروع على أربع محاور:
المحور الأول: تحسين فهم تأثيرات التلوث الصناعي في الجهة أي تشخيص للحالة البيئية في قابس. رغم القيام بالعديد من الدراسات من الجامعيين، المجتمع المدني أو المجمع الكيميائي لكنها لم تكن معلنة أو محايدة. الخبير العالمي سيُمكّن من القيام بدراسات معمقة و مكملة للدراسات المنجزة لإعطاء المفهوم الصحيح للتلوث بقابس.
المحور الثاني: تحسين تكوين الصناعيين في مجال الحوكمة البيئة و الصلة بالمواطن: مسؤولية مجتمعية أي اعطاء أكثر مواطنة للصناعة .أي مراقبة الصناعة التي تقوم بها المؤسسة في ما يخص التلوث و تأثيرها على المحيط.
المحور الثالث: اللامركزية و التواصل: محور هام وهو الحلقة الناقصة في الدراسات السابقة التي تمثل التواصل بين المجتمع المدني و الصناعيين.
المحور الرابع: دعم مشاريع تنموية و بيئية لتحسين الوضع البيئي في قابس و ستقوم به جمعيات بإعانات ممولة ب 70% من الميزانية المقدمة من المفوضية الأوروبية حسب معايير محددة في كراس شروط لتقديم المشاريع.
نريد التعرف على الجهة الممولة و حجم الأموال المرصودة للمشروع و هل هناك مشاريع مماثلة في مناطق أخرى؟
الجهة الممولة هي المفوضية الأوروبية و الميزانية المخصصة ب 5 ملايين أورو. يمثّل أول تجربة في تونس و هناك مشاريع مماثلة في أوروبا.
عندما نسمع عن الأرصدة و مدة الإنجاز يُخيّل للوهلة الأولى أنّ قابس ستعود جنة الدنيا كما كانت و كما تحدّث عنها المؤرخون، ما مدى صحة هذا التفاؤل على أرض الواقع؟
لا ليس صحيح ان تعود كما كانت فحسب دراسة لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة ، اعتُبر خليج قابس من أكثر المناطق تلوثا في البحر الأبيض المتوسط مما ساعد على المصادقة على هذا المشروع.. هذا المشروع هو نمط جديد من المشاريع التي تعتمد على التسيير التشاركي و الانتظارات كبيرة.
ذكرت انكم قمتم بملتقيات بالإطارات الجهوية للتعريف بالمشروع و ذلك في إطار المقاربة التشاركية كيف كان التفاعل و هل لمستم حماسة لدى الحضور لهذا المشروع خاصة و أنّ الجهة قد مرت بتجارب سابقة لم تجني منها غير الوعود؟
في11/02/2015 كان هناك ملتقى مع كافة الإدارات الجهوية المختصة ، كان الملتقى قيم و قد وقع تبادل للمعلومات و تقديم لأهداف المشروع.. في18/02/2015 في المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية، كان هناك ملتقى بالجمعيات الثقافية، البيئية و الصحية وقد وقع التعريف بالمشروع وقد حصلت بعض الصعوبات لإقناع المشاركين بضرورة المشروع.
قسمتم الانجاز إلى مراحل، لو قمنا بزيارة مستقبلا متى يمكن أن تكون ، لنرى تقدم فعلي في المشروع؟
منذ جانفي 2015، وقع التحضير لقدوم خبيرين في ميادين مختلفة لمهمة دعم بداية المشروع الممتدة من جانفي إلى جوان تحت إشرافي مع زملاء من التعاونية الفنية الدولية الفرنسية(منفذة المشروع). و في هذه الأثناء يقع دراسة ملفات المترشحين لخطة خبير اول لتحيين تشخيص التلوث و تأثيراته على جهة قابس و خبير ثان في المنظومة الأوروبية .
سيقع الاعلان الرسمي لبداية المشروع ستكون للعموم في مارس بحضور شخصيات رسمية وطنية و أجنبية.
بعد نهاية مهمة دعم بداية المشروع في شهر جوان، ستتضح الرؤى بالنسبة لسير المشروع.
أين الدولة التونسية من هذا المشروع؟
أعطت الدولة أو الوزارة الضوء الأخضر لنا للعمل و قد قامت بتسهيلات ذلك على غرار وزارة الصحة التي ستمدنا بأهم المشاكل الصحية في قابس المتأتية من تلوث الهواء والمشروع سيقع تسييره من قابس و ليس من الوزارة.
نشكر السيد أحمد العش على رحابة صدره ونقول بخصوص ملف البيئة المرعب بقابس إن المشكل في عدم وجود إرادة سياسية للقضاء على التلوث من جذوره لأنها طبيعة النظام الرأسمالي المطبق فهو يبحث عن الربح وتحقيق المكاسب الاقتصادية و لو على حساب البشر والشجر و الحجر فلا يمكن إن تقف البيئة عائق أمام تغوّل هذه الشركات الرأسمالية العملاقة التي سلبت دول الضرار أي سيادة و أي قرار.
حاوره الأستاذ الهاشمي طاهر ومكرم المؤدب