ومازال الإرتهان للأجنبي : تونس و المنظمة الدولية للفرنكفونية

ومازال الإرتهان للأجنبي : تونس و المنظمة الدولية للفرنكفونية

الخبر: تحادث رئيس الحكومة يوسف الشاهد صباح يوم 29 جوان 2017 بدار الضيافة بقرطاج مع الأمينة العامّة للمنظمة الدوليّة للفرنكوفونيّة “ميكيلجان”.وتعرض اللقاء الى أهمية الإعداد المحكم لقمّة الفرنكوفونيّة التي ستحتضنها تونس سنة 2020 والتي ستمثل فرصة هامة لفتح آفاق جديدة للتعامل مع هذه المنظمة الهامة والتي كانت تونس من مؤسسيها.

التعليق

مازال الإرتهان للكافر المستعمر أساس السياسة التي راهنت عليها الدولة التونسية, ومن بين مظاهر هذا الإرتهان الاندماج في ما يسمّى بالمنظمة الدولية للفرنكفونيّة. هذه المنظمة الفرنسية التي يُسَوَّق التعامل معها على أنه يدخل ضمن نطاق الدبلوماسية الفرنسية, هي منظمة دولية للدول الناطقة باللغة الفرنسية (كلغة رسمية أو لغة منتشرة), تضم إلى غاية ديسمبر 2014 ثمانين بلدا وحكومة, 57 عضوا و23 مراقبا.

ويعود وضع مصطلح الفرنكفونية إلى الجغرافي الفرنسي “أونسيمروكولو، وقد حدده عام 1880 بأنه مجموع الأشخاص والبلدان التي تستعمل اللغة الفرنسية في مواضيع عديدة.

وحسب الموقع الرسمي لها, تمثل المنظمة مجالا من أكبر المجالات اللّغوية العالمية, فهي ليست مجرّد تقاسم لغة لأنها تعتمد أيضا على أساس الاشتراك في القيم الإنسانية التي تنقلها اللغة الفرنسية. ويمثل هذان العنصران الدّعائم التي ترتكز عليها المنظمة الدّولية للفرنكوفونية.

من هنا يتبيّن القصد الأساسي من هذه المنظمة, إذ تلعب دورا محوريا في نشر اللغة الفرنسية في العالم, وبما تحمله اللغة من أفكار ومدلولات ومشاعر ومقاييس أعمال فهي المحمل الأساسي للثقافة الفرنسية بما تحمله من وجهة نظر حول الكون و الانسان و الحياة, فالثقافة الفرنسية مرتكزة أساسا على مبدأ قوامه فصل الدين عن الحياة, وكل الأفكار منبثقة عن هذه الفكرة الكليّة من حرية و مساواة و حقوق انسان وتحرر المرأة ومواطنة… وهذه الأفكار هي التي لعبت عليها فرنسا الإستعمارية عندما استعمرت البلدان و من ضمنها تونس.

ففرنسا كانت تتمترس وراء هاته الأفكار وبها تحتل عقول الشعوب ومن ثمة تعطي تبريرا لنهبها و تدميرهم و العبث بمقدراتهم, وحتى تعطي لاقتصادها الرأسمالي المجال الذي يلعب فيه بكل حرية, وقد ساهمت هذه الأفكار في التغلغل الفرنسي في تونس, ورغم كل ما اقترفته من جرائم ومجازر بقيت إلى اليوم تتشدّق بهذه الأفكار, رغم أنها خيالية ومتى طُبّقَت تركت خلفت إلا ظلما للناس وضنك العيش, وقد ارتكزت السياسة الفرنسية الإستعمارية على هذا الواجب الذي وضعته لنفسها للتبرير, فقد قام وزير المستعمرات “جول فيري ” بتبرير استعمار فرنسا لتونس أمام مجلس الشيوخ الفرنسي قبيل الإستعمار, بذكر أنّ من واجب فرنسا الحضاري تمدين الشعوب المتخلفة حتى ترتقي بها, وكان هذا ديدن فرنسا الإستعمارية بعد الحرب العالمية الثانية حتى تراجع مكانتها الدولية, وجدت لنفسها متنفسا وهو مواصلة نفس الدور الذي أخذته على عاتقها لعقود, وهو نشر العلمانية في العالم بما أنها تحمل المشعل ,وانها الرائدة في ما يسمى بفكر التنوير.

وقد بدأت الفكرة باقتراح السيادة المزدوجة بينها وبين مستعمراتها حتى لا ينفرط العقد,وحتى تجد لنفسها مخرجا مع إزدياد الضغوطات الأمريكية و البريطانية لتحلّ محلّها. ولكن سياسة السيادة المزدوجة تحطمت مع رفض المستعمرات لها, وانسحبت فرنسا من مستعمراتها, لتحلّ محلها القوى الجديدة. لكنها عوضت هذه الخسارة بفكرة ضم مستعمراتها إلى منظمة الفرنكفونيّة.

ولتحمل مشعل نشر الثقافة العلمانية في العالم عن طريق ادعاء نشر اللغة الفرنسية, وبهذه المنظمة استطاعت التحكم في مناهج التعليم, والضغط على الدول المنضوية تحت المنظمة حتى تتبنى مناهجها التعليميّة وتُنشئ المدرسة الفرنكفونيّة المختلطة حسب كل بلد.

ووفق اللقاء الذي جمع رئيس الحكومة وأمين عام المنظمة فإنّ ” المنظمة حريصة على تعزيز شراكتها مع تونس على جميع المستويات، من ذلك إحياء اقتصادها والنهوض بالتنمية فيها، وهي تعمل على تكثيف البرامج التكوينيّة للنهوض بالطاقات والرّفع من المهارات لدى الشباب بما يمكّنهم من تطوير قدراتهم وجعلها تستجيب للمعايير المطلوبة في سوق الشغل.

وهنا يتبين الهدف المُعلَن صراحة من هذه المنظمة وبعيدا عن الترهات اللفظية الفارغة, فإن عملية إدماج مخرجات المدرسة التونسية لا يجب أن يخرج عن طَوق المنظومة الرأسمالية.

فهذه المنظومة لها حرص شديد على توفير يد عاملة تستجيب لنهمها المتواصل للربح على حساب الإنسان, فهي تطلب يدا عاملة بخصوصيات معينة, وفق ما يخدمها بأقل تكاليف.

إذ ساعدت هذه المنظمة بشكل كبير في توفير ما تحتاجه سوق الشغل الأوروبية.

ومن المعلوم اليوم أن سوق الشغل  الفرنسي الذي يمرّ بأزمة خانقة بسبب المنافسة الشديدة التي تشهدها شركاته, وتراجع مكانتها العالمية أمام الشركات اليابانية والصينية, ما يجعل تونس تعتبر الملاذ لحلّ المشاكل الإقتصادية لفرنسا.

التدخل الفرنسي في وضع المنهج التعليمي في تونس يعود إبتداء إلى فترة الاستعمار, حيث عملت فرنسا آنذاك على وضع اللّبنة الأولى للتعليم الفرنسي العربي المزدوج, وهذا منذ سنة 1906 ,حيث ركّز مدير إدارة التعليم ” لوي ماشويل” أسس المدرسة الفرنسية العربية التي عملت على تحقيق هدفين أساسيين : تكوين مترجمين بين سلطة الإستعمار والأهالي و تكوين يد عاملة فلاحية تستجيب لمتطلّبات المحتل الفرنسي, وقد تواصلت هذه المدرسة بعد خروج فرنسا ,عندما تمّ إلغاء بقية أنواع المدارس و توحيد المدرسة التونسية حسب اصلاح “جون دوبياس” آخر مدير إدارة تعليم فرنسي و قد وضعه على ذمّة محمود المسعدي في 69 صفحة ترتكز على نفس الأهداف التربوية, مع تغيير في الألفاظ : فمن تكوين مترجمين ,إلى تكوين نخبة تونسية تعوض النخبة الفرنسية في الإدارة.

وتكوين يد عاملة مهنية تستجيب لمتطلبات المرحلة وفق التجارب التنموية المطبّقة. وتواصل العمل على هذه الأهداف مع بقية مراحل الاصلاح التربوي 1992 و 2002, وقد تمّ التركيز في المرحلة الأخيرة والمتواصلة الى الآن على عملية الإندماج في ما يسمّى بالعولمة, والقبول بوضعية البلاد ضمن تقسيم المجال العالمي, والذي ركزه المنظرون للشركات الاستعمارية الناهبة.

وبذلك تصبح مخرجات المدرسة التونسية : يد عاملة طيعة ومطيعة, أو يد عاملة تستجيب لمتطلبات السوق العالمي, وليست فئة مبدعة أو منتجة أو تصنع العمل.

المشكلة ما نراه الآن من صناعة الجهل المطبق بصناعة ناشئة مُنبتّة لا تعرف كيف تفكر و لا فيما تفك, ولا تملك فكرا أساسيّا ولا نظرة خاصة عن الحياة, تنبثق عنها أفكارها ومشاعرها و مقاييس أعمالها. فترى الإضطراب في أفعالهم وتصرفاتهم.. يتغيرون في اليوم ألف مرة.. ناشئة جعل منها آلات تنتظر فرصة العمل مع من يريد استعمالها كوقود في بؤر التوتّر, أو وقودا للمصانع الأوروبية بعد عمليات هجرة للبحث عن الإنسانية المفقودة في موطنهم المُباع بثمن بخس.

هذا ما تريده المنظمة الدولية للفرنكفونية بنشر اللغة الفرنسية بما تحمله من وجهة نظر وطريقة عيش مغايرة لما يحمله أهل تونس من عقيدة اسلامية, والمعلوم أنّ محاولة إدماج وجهتي نظر مع بعض يصنع الشخصية المضطربة غير واعية ولا متزنة, وهي نفس الشخصية المراد إخراجها من المدرسة التونسية : شخصية بلا هوية ولا خصوصية, تقبل كلّ شيئ و متفتحة على كلّ شيئ, كحاوية بلا جهاز مناعي أو بالأحرى آلة تكون قابلة للبرمجة لمن يريد أن يبرمج .والمشكلة عندما يُنتج المراد انتاجه و يفزع النّاس ممّا يلاحظونه من أبناءهم من جهل و من سلوك لا يعكس ما يريدونه وما يرغبون به, ترجع مرّة أخرى المنظمة في صفة أمينها العام و يتفق مع الحكّام حول إرجاع نفس أسباب الظاهرة وكأنّها حلول للمشاكل المتعلّقة.

لن يهدأ بال الكافر المستعمر في طمس كلّ ملامح الشخصية التونسية المسلمة, وتدخله في الشأن التعليمي و التربوي لم ينقطع من القرن التاسع عشر ولن ينقطع حتى تنقطع به السبل إما بأهل البلد أو بحاكم يخاف الله, فالتعليم ركيزة بناء المجتمع و هو الموصل لشخصية الأمّة, كما أرادها ربّها, شخصية ترتكز على عقيدة لا إلاه الا الله, وهي الشخصية التي حكمت العالم و كانت على وعي رفع شأن الإنسان وقدره لأكثر من عشرة قرون, إلى أن صرنا اليوم مقادين في ذلّة ومهانة ارتضاها لنا حكام لا يقضون لنا إلّا بالسوء والمساومة على رقابنا في أسواق الغرب مقابل كراسي معوجة لم تدم لفرعون وجبابرة الأرض السابقين.

حاتم الخياري

CATEGORIES
TAGS
Share This