زيارة وفد صندوق النقد الدولي لتونس حين يتفقَّد “السيد” مُوَظّفيه وخَدَمَه

زيارة وفد صندوق النقد الدولي لتونس حين يتفقَّد “السيد” مُوَظّفيه وخَدَمَه

تؤدي بعثة عن صندوق النقد الدولي، بداية من يوم الأربعاء 26 جويلية، زيارة إلى تونس، بهدف الوقوف على التطورات الاقتصادية المسجلة خلال النصف الأول من 2017 والاطلاع على الأولويات فيما يتعلق بالإصلاح الاقتصادي.

ويناقش أعضاء البعثة مع السلطات التونسية، خلال هذه المهمة التي تستمر حتى الخميس 3 أوت المقبل، التطور على مستوى التوازنات المالية الكبرى (نسب النمو وميزانية الدولة والحساب الجاري والتضخم) فضلا عن الإصلاحات لفائدة إنعاش الاقتصاد التونسي، وفق ما أكده الصندوق.

هذا ما تناقلته عديد الوسائل الإعلامية التونسية وما هو مُعلن للعموم, أما واقع الزيارة وحقيقة غاياتها فلا يخرجُ عن القواعد المعمول بها عند السّواعد الإستعمارية التابعة للغرب ولا يَشذّ عن طريق السيطرة على البلدان والشعوب, هي زيارة تَفَقُّد “للشركة التونسية الكبرى” (كما يراها المستعمرون)التي ارتهنت كل مفاصلها وفروعها لدى مسكّن الآلام الإقتصادي بوصفة (اصلاحات) مالية معدّلة بجرعات متفاوتة من المصل المشل للحركة, حتى يتمكن من فرض حركته الذاتية على كل جزء أراد التّحَكّم فيه وفق ما يريد.

هذا هو واقع زيارات الوفود المبعوثة من قبل صناديق النقد العالمية, ترى في تونس مؤسسة كبرى ترزح تحت أزمة مالية واقتصادية والحقيقة أن أهم أسبابها التدايُن من عند تلك الصناديق, فتستغل الوضع وتنظم الزيارات التفقدية للوقوف على مدى تقدم سير المخطط الموضوع مسبقا للسيطرة على الوضع, وأي وضع؟ لا يغرنّكم زخرف قولهم وظاهره, فالوضع المقصود هنا ليس وضع التونسيين الذين يعانون البطالة والفاقة وغلاء الأسعار وضعف المقدرة الشرائية.., وإنما مدى اكتمال وضعية ارتهان البلاد لدى صندوق النقد ومستوى التبعية فيه وإلى أي حد وصلت, وبشهادة عديد الخبراء المتابعين لعلاقة تونس بصندوق النقد الدولي, ونرى اليوم أن مرحلة جديدة قد انضافت إلى مراحل تعامل الصندوق مع تونس, هي مرحلة قد نوفيها وصفها لو عبرنا عنها بمرحلة “الزيارات الإستكشافية”, كتلك الزيارات التي تقوم بها شركات النفط لإستكشاف المناطق التي تحوي مقدرات لا تزال لم تستغل من قبلها بعد, تكون الزيارات التي تمكن بعثة صندوق النقد من اكتشاف ما تبقى من آثار السيادة التي قد تكون بقيت في بعض أركان البلاد جراء غفلة ممن سبقهم أو ربما لكَونهم تركوها عمدا للنظر فيه ضمن مخطط قروض سنة 2017.

وللتذكير فإنّ الصندوق يتّخذ ثلاث أشكال من الرقابة على إقتصاديات الدول:

اولها ما يسمى بالرقابة القطرية، _وهي ما يتخذه إزاء تونس_ وهي عبارة عن مشاورات ثنائية بين صندوق النقد والدولة المعنية، حيث يقوم فريق من الخبراء الدوليين بإستعراض سياسات البلد الإقتصادية الكلية والخاصة بالمالية العامة، والشؤون النقدية، كما يقيّم مدى توافق النظام المالي لتلك البلد مع السياسات الكبرى لاقتصاد العالمي المُسَيَّر من طرف الدول الالكبرى, وفي غيرها من المجالات التي تؤثر على الأداء الإقتصادي في البلد المستهدف. وهذا الدور يعتمد بشكل أساسي على التقارير والمعلومات التي تقدمها الدولة الهدف لفريق الخبراء وهذا الأخير يعمد إلى تحليل ماورد في تلك التقارير، وتحال آراء المجلس إلى حكومة البلد المعني لإجراء ما يراه الصندوق مناسباً تكون في البداية في شكل توصيات, ومن ثمة في شكل شروط وإملاءات إلزامية وإلا يكون الإبتزاز بالمال.

ومن أبرز الشروط التي يفرضها صندوق النقد الدولي:

– تخفيض النفقات الحكومية، وتتضمن على سبيل المثال: تقليص التقديمات الإجتماعية للمواطنين، رفع الدعم عن المواد الأساسية والغذائية، زيادة الضرائب على المواطنين،…

– تحرير العلاقات التجارية لا سيما إلغاء الرسوم الجمركية، وتحرير حركة رؤوس الأموال.

– خصخصة مؤسسات القطاع العام.

– تخفيض سعر العملة الوطنية، وتعويمها.

– إلغاء الدعم عن سعر المحروقات.

– تشجيع الإستثمار الأجنبي.

هذه السياسات التي يفرضها الصندوق على الدول، لا سيما النامية منها، في كثير من الأحيان تؤدي إلى إرتفاع في معدل البطالة، وإنخفاض في القدرة الشرائية، وتبعية غذائية، ويضاف إليها تفكّك للأنظمة الإنتاجية في الدول المستهدفة.

حتى أن المسؤولة السابقة في برنامج الأمم المتحدة للتنمية “إيزابيل غرامبرغ” وصفت هذه الأعمال بالجريمة، وأن صندوق النقد الدولي ليس مشاركاً فيها فقط، بل هو المايسترو الذي يدير نظاماً شاملاً، يسحب الأموال من الفقراء ليُموّل إنفاق أقلية غنية من الناس، فتكون النتيجة إنخفاض الدخل المحلي في البلدان النامية إلى حده الأدنى جراء تطبيق سياسات الصندوق، وبالمقابل يزداد الدخل في البلدان الصناعية إلى حده الأقصى.

والأنكا أن مسؤولي بلادنا يعتبرون صندوق النهب هذا طوق نجاة من الأزمة التي تسببوا فيها ببيع البلاد للمتربصين المتناحرين بينهم, المتوافقين علينا وعلى ضربنا في المقتل إن وجدوا الى ذلك سبيلا.

فلن يقف سيلان التدايُن هذا ولن يرشُد رأيُ موظف أمريكا السابق ورأيُ من معه في الحكومة إلا متى استفاقت الجموع من الناس وهبت هبة رجُل واحد لتُسمعه تلك الكلمة التي أسمعتها للهارب بن علي بعد أن استمات في رهن البلاد للمحتل الأوروبي لعقود مرير. حينها قد يخرج الشاهد طالبا العفو عما يقترفه من جرم في حق هذا البلد وأهله وأغلب الظنّ أن لن يجد صَفحا من شعب حَليم مُلتاع, ولا بابا لصعود الطائرة.

أحمد بنفتيته

CATEGORIES
TAGS
Share This