العمق الأسود في دعوة “السّبسي” إلى المساواة
[foogallery id=”2238″]
بالرغم من إدراكنا أن حديث “السبسي” عن المساواة في الميراث كان هروبا إلى الأمام من أزمة سياسية خانقة يجمع فيها الجميع على الفشل والعجز عن إدارة الشأن العام وعن مسئوليته السياسية عن الفضائح المالية التي تحوم حول حزبه “نداء تونس”, إلى افتعال أزمة إيديولوجية قانونية حول قانون الميراث يعلم “السيبسي” بحكم مكره ودهائه أنها ستحدث انقساما بين النخبة العلمانية المتحكمة في المشهد السياسي والوسط الشعبي العام الرافض للعلمانية ونخبها السياسية والإعلامية وأثرها المدمر على المجتمع. فهذا السجال المفتعل, لا يعدوا أن يكون سيرا عمليا في سياسة الإلهاء التي تحدث عنها “نعوم تشومسكي”, وإشغال للمجتمع بقضية الميراث لتشتيت انتباهه عن قضايا الفساد وسوء الحوكمة.
وما دام الأمر على هذا النحو, وقد تمّ استفزاز مشاعر المسلمين في تونس والعالم بهذه الوقاحة السياسية, ولأجل إبطال كيد وكلاء الاستعمار كان لزاما كشف الإطار العام لهذه الدعوة, وكشف الأساس الفكري الذي استند إليه مفهوم المساواة عند “السبسي”.
ارتهان القرار السّيادي للاستعمار
لابد من الإشارة بداية إلى أن موضوع المساواة الفعلية بين الرجل والمرأة في الميراث هو احد الشروط التي نص عليها الاتحاد الأوروبي منذ سبتمبر 2016 حتى تستمر علاقاته مع حكام تونس من اجل استمرار علاقة التبعية الاقتصادية والسياسية مع أوروبا, وإضافة إلى موضوع الميراث, فقد اشترط الاتحاد الأوروبي أيضا عدم تجريم الشذوذ الجنسي وإلغاء عقوبة الإعدام, والتساهل مع مستهلكي المواد المخدرة…..فالموضوع إذا متعلق بقرار غير سيادي أملته جهات خارجية أوروبية, وهي نفس الشروط التي يتولى كبار المسئولون في الإدارة الأمريكية والأمم المتحدة الترويج لها عبر الابتزاز السياسي مقابل القروض والمساعدات. فوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة “هيلاري كلينتون” أعلنت أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 07/12/2011 أن حقوق الشواذ جنسيا تعتبر جزأ من حقوق الإنسان, والرئيس الأمريكي “باراك اوباما” أعطى تعليماته كي يتولى الدبلوماسيون عبر المساعدات الترويج لحماية حقوق الشواذ جنسيا من الرجال والنساء مع توفير الدعم المالي لمنظماتهم, وفي نوفمبر 2011 أعلن الوزير الأول البريطاني “ديفيد كاميرون” أمام رؤساء “مجموعة الكومنولث” أن المساعدات البريطانية لبلدان أفريقيا ستكون مشروطة بالاعتراف بحقوق الشواذ, أما الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون فقد أثنى في جويلية 2012 أثناء مهرجان أفلام حقوق الإنسان على الجهود التي تقوم بها المنظمات الداعية إلى حقوق الشواذ والمتحولين جنسيا ومذكرا الدول بضرورة إلغاء كافة أنواع التمييز بسبب الهوية الجنسية.
مفهوم المساواة في الديمقراطية الليبرالية
هذه الأفكار التي يدعو إليها قادة الدول الرأسمالية والمنظمات الدولية تجد جذورها في “مفهوم المساواة” بحسب وجهة النظر الليبرالية التي ترى الإنسان مجرد كتلة مادية قابلة للتبادل, وذات مردود اقتصادي. فالدعوة إلى المساواة من المنظور الليبرالي هي في حقيقتها دعوة إلى إلغاء كل المُميزات التي تميز البعض عن الآخر, وهي تُستخدم لتجريد الإنسان من حقوقه بدلا من اكتساب واسترجاع المفقود منها. فالمساواة بين الأديان والحضارات والثقافات تكون مقدمة لإلغاء دورها في المجتمع, بعد اعتبارها نوعا من التمييز, لتصبح قاعدة فصل الدين عن الحياة والحرية بمعناها المطلق هي القاعدة الرئيسية المعتمدة في العلاقات الاجتماعية. وبذلك يُصبح الإنسان مجرد كائن بشري بلا جذور , بلا نوع, ولا قومية ولا دين, ولا ولاء لأي جهة سوى حبه لذاته, فيصبح كائنا انعزاليا يتميز بسهولة التأثير فيه وباستعداده لاستهلاك كل المواد المعروضة على السوق. هذه الشخصية النموذجية يُحرص على تعليمها برنامجا تقنيا وعمليا خالصا دون ثقافة عامة حتى تصبح بذلك كائنا طيّعا يسهل التحكم فيه عبر وسائل الإعلام. مفهوم المساواة حسب مبدأ فصل الدين عن الحياة يجعل الإنسان مجرد فرد في قطيع من البشر يشبه كل واحد منهم الآخر. وبانتفاء أي دور للمميزات الطبيعية والفكرية والحضارة والدينية في تحديد العلاقات في المجتمع تصبح القيمة المادية بمعناها المالي هي القيمة الوحيدة المعتبرة في التمييز بين الناس والمجتمعات وعلى أساسها تسير العلاقات في النظام الراسمالي.
لذلك كانت الدعوة للمساواة الفعلية بين الرجل والمرأة وسياسة التناصف في القائمات الانتخابية والحديث عن المساواة بين الأديان والثقافات والأعراق وحقوق الإنسان و حماية المرأة من العنف الأسري والتمييز ضدها من أكثر الأفكار التي يحرص على إثارتها السياسيون على حساب الكثير من القضايا الرئيسية الأخرى.هذه الشعارات تكون مقدمة لنشر الانفلات الفكري والاجتماعي وانتشار أفكار حرية اختيار الهوية الجنسية والحق في زواج الشواذ وحقهم في تبني الأطفال والحق في تغيير الجنس والحق في الإجهاض بدون حدود.
هكذا تستخدم أفكار المساواة و ثقافة حقوق الإنسان لتدمير المميزات الإنسانية الفكرية والعاطفية والدينية للمسلمين, وهو العمل الذي تقوم به العديد من منظمات المجتمع المدني العاملة في تونس والتي تحضي بالدعم المالي السخي من الغرب والتي ابتهجت بخطاب “السبسي” الأخير. لكن واقع الأمة اليوم غير واقعها قبل عشرات السنين, ولن يتكرر مع “السبسي” ما حصل مع “بورقيبة” قبل سنين وستتحطم أحلام “السبسي” وأحلام وكلائه على صخرة وعي الأمة الإسلامية وشوقها إلى تحطيم قيودها واستعادة دولتها.
محمد مقيديش