قبلي: اعتصام العرقوب بولحبال قصة الأمل المغدور
بدأت القصة من دوز الشرقية بعد أن حجز بعض الشباب شاحنات تابعة للشركات البترولية احتجاجا على ضنك العيش الذي يتجرعونه والبطالة التي جعلت الشابّ منهم لا يجرؤ على رفع رأسه أمام أبيه، فالصحة جيدة لكنه لا يستطيع أن يرتاد المقهى أو يحتسي فنجان شاي إلا بعد أن يأخذ مصروفه من أبيه وهو يرى شاحنات الشركات البترولية تمر عبر طرقات البلدة تملأ بطنها بخيرات البلاد لتصبها في جيب الغريب يتنعم بها ويوفر لأولاده كل كماليات الحياة.
توالت الأحداث واتسع زخم الرفض ليصل إلى ما لم يتخيل سكان الجهة أن يحصل البتة، فقبائل قبلي التي كانت في خصومات لا تنتهي تجاوزت كل خلافاتها وتوحّدت لأول مرة في تاريخها: عشر قبائل كانت تتقاتل و تتناحر فيما بينها وهاهي اليوم تتحلق ليأكل الجميع من قصعة واحدة ويشربوا من إناء واحد وإن لم يكن لهذا الاعتصام إلا هذه المزية لكفى أهل دوز وقبلي ما جنوه من اعتصامهم.
جمعتهم مطالب لطالما حلم بها كل فرد منهم: العدالة في توزيع الثروات الباطنية من نفط وغاز وحق الجهة من هذا المال العام وعلم الجميع أن ذلك لن يكون إلا باسترداد السيادة على البلاد ومن ثمّ على الثروات المنهوبة من الشركات متعددة الجنسيات.
إنها لملحمة وتاريخ يكتب أنهم استطاعوا أن يحققوا لهذه البلاد هذا المكسب الذي فرط فيه من اعتلى المناصب وتقلد المسؤوليات بعقود ظالمة جائرة لا تترك لأصحاب الثروة إلا الفتات. إنه الصراع المباشر مع الاستعمار و أذنابه في البلاد لقد وحدهم النضال الذي وحد آباءهم من قبل حين وقفوا للاحتلال الفرنسي وأذاقوه الويلات إنها المرحلة الثانية للتحرر الكامل من الاستعمار الذي خرج بدبابته وجنوده وترك منّا عملاء وخونة ليضمن مواصلة استغلال موارد البلاد وخيراتها.
نعم إنّ مواجهة المستعمر لطريق طويلة وشاقة ولكنها تستحق عناءها وتضحياتها إنه طريق التحرر من المستعمر.
استقر الاعتصام بمنطقة بولحبال حيث يوجد الصمام الرئيس الذي يضخ خيراتنا للغرب التي حرم منها أهل البلد. وتعاظمت الضغوطات على المعتصمين وقياداتهم من الدولة والمنتفعين من الشركات الأجنبية وصلت إلى حد التهديدات بالسجن.
لقد انطلقوا في نضالهم وهم يتصورون أن عدالة قضيتهم و الخير الذي سيعود على البلاد سيجعل التفاف المخلصين حولهم، فمكافحة الاستعمار وصده فخر وشرف لكل من ينتسب إليها و لكل من تلبس بالنضال من أجله، ولكن يبدو أن هذا الفعل أصبح جريمة يحاسب عليها كل متلبس بها. حقا إنه زمن الرداءة الفكرية و السياسية و القانونية.
نتساءل أحيانا ماذا وكيف عساه يكون شعور المحقق وهو يبحث عن تخريجات قانونية ترمي في غيابات السجن من يدافع عنه وعن مستقبل أولاده؟
تلك هي الديمقراطية وحكم الأغلبية الذي تجعل من مسؤولي الدولة ” صبايحية ” يدافعون عن نهب الشركات الأجنبية لخيراتنا بقوة القانون الذي وضعه من باع و سلم للمستعمر
لقد كان خطأ المعتصمين في كونهم لم يعوا جيدا أن قضيتهم سياسية بامتياز لأن من فرط في الثروات سياسيون و من أساء رعاية شؤونهم سياسيون حكومات متعاقبة إلا أنهم أصروا على حصرها في زاوية المطالب الاجتماعية و كأن السياسة جرم و لا حق لهم في ممارستها
لعلهم معذورون لأن لصوص السياسة من الانتهازيين كانوا يتربصون بحراكهم ويسعون إلى ركوبه وتجييره لصالحهم و جني مكاسب حزبية على حساب عذاباتهم وتضحياتهم فكان أن منعوا تحزيب حراكهم.
الحكومة مارست معهم دور السمسار “المتواطئ” مع الشركات، فكانت بالفعل حكومة وكالة عن الشركات لا حكومة رعاية، وإلّا كيف يفاوض الأب ابنه؟؟؟ جاءتهم حكومة السمسرة بعد أن عزلتهم إعلاميّا بفتات مكتوب بصيغ الكسب والنصر، واستغلت تعبهم وإرهاقهم وعدم قدرتهم على مواصلة المكوث في الصحراء (قضوا في الصحراء 5 أشهر).
فاوضتهم الحكومة وهم تحت الضغط العالي وبعد أن أحاطتهم الشركات الاستعمارية بكل أنواع المكر.
لقد تفردوا بهم لأن الشعارات التي رفعوها كانت جامعة ولم تكن مبلورة ولا مفصلة في أذهان قادة الحراك ما أدخل الارتباك في صفوفهم في جلسة المفاوضات الأخيرة فأمضوا على اتفاق مبدئي بانتظار قدوم وزير عن الحكومة ليمضي الاتفاق.
رغم أن الاعتصام لم يصل إلى تحقيق كل أهدافه إلا أن المنصف لا يسعه إلا إرسال تحية لأبطال اعتصام العرقوب بولحبال على نضالاتهم و سلميتهم ووحدتهم وصبرهم وصمودهم خمسة أشهر بأيامها ولياليها بحرّها وقرّها في قلب الصحراء. وتعسا لحكومة ووسط سياسي لا همّ لهم إلا إعادة البلاد إلى حظيرة الشركات الأجنبية الاستعمارية بعد أن كسر الناس حاجز الخوف والذل والاستكانة للتبعية في ثورة جماهيرية استنشق بها الأحرار لزمن محدود رائحة التحرر ولمحوا أمل الخلاص من هيمنة الاستعمار ولكن للردّة جيوب تمكر مكرها فتدفع سماسرتها يبيعو البلاد ثمنا بخسا إشباعا لشهوة أو تحقيقا لرغبة ذاتية لبعض ” صبايحية ” دولة الحداثة الذين دأبوا على حفظ مصالح أسيادهم في بلادنا.
ونقول لأهلنا في دوز وقبلي لقد صرحتم سابقا بأن معركتكم كتابة للتاريخ بإعادة المسلوب من خيرات البلاد المنهوبة فسيكتب التاريخ أسماء المثبطين والمتآمرين قبل أن يكتب أسماء المناضلين الحقيقيين وإنها لمحطة من محطات ولجولة من جولات لها ما بعدها ولن يهنأ الاستعمار وأذنابه بخيرات البلاد ما دام فيها رجال وما دام وعي الناس يتبلور وما دامت الصفوف تتمايز
تحية لكم و إن كنتم لم تتمكنوا من أن تنجزوا المطلوب إلا أنكم قدمتم ما استطعتم وخذلكم وسط سياسي ما وصل إلى المناصب التي يشغلها إلا بمال الغرب ودعم شركاته الناهبة.
لقد تمّ تدوين قصة اعتصام العرقوب بولحبال قصة أمل مغدور ولكنّ القصّة لم تبلغ النّهاية بعد
وللقصّة بقيّة …