حيتان الفساد تبتلع العراق بمساعدة المحتل
لقد أثبتت مسيرة الأحداث الدامية في العراق منذ سقوط بغداد في 9/4/2003 وحتى الآن أن العراق بكل مكوناته الاجتماعية والحضارية والسياسية والاقتصادية مستهدفة. وكل ما خطط له من خارج الحدود أصبح اليوم واقعاً على الأرض؛ فقد رافقت ظاهرة الفساد الجيش الأمريكي منذ يوم حطت أقدامه أرض العراق، فكانت أولى عملياته بعد احتلال البلد هي الاستيلاء على البنوك العراقية في بغداد، ونهب مليارات الدولارات منها بدون أي توثيق لقيمة المبالغ التي كانت موجودة فيها، كما سمحوا بالاستيلاء على بقية البنوك، وعلى محتويات الدوائر الحكومية ما عدا وزارة النفط وقسم الذهب والعملة الأجنبية في البنك المركزي، بل حتى أسلحة الجيش العراقي السابق الموجودة في الوحدات العسكرية، لم تسلم من النهب. لقد كان الاحتلال يبتغي من ذلك، جعل النهب والفساد المالي ظاهرة متعارفاً عليها في المجتمع العراقي، ومألوفة له، كخطوة أولى لتدمير قيم المجتمع، وبالتالي تسهيل عملية السيطرة على مجتمع فاسد مثل هذا المجتمع…
إن ملف الفساد كان العنوان الرئيسي لهذه المسيرة البائسة، فالفساد الذي حصل في بلاد الرافدين بعد الاحتلال لم يحصل في أي بلد آخر، فلم يسبق أن تسلطت على رقاب شعب ما هكذا عصابات متمرسة ومتعطشة للقتل والسرقة والدمار، أنهكت البلد ودمرت كل شيء جميل فيه، وأهلكت الحرث والنسل؛ فالفساد السياسي في العراق هو أبو الفسادات جميعا، وهو اختصاص حصري للطبقة السياسية التي جاء بها المحتل الأمريكي. فقد أكد عضو لجنة النزاهة النيابية النائب ريبوار طه مصطفى ما جاءت به منظمة الشفافية الدولية بأن العراق من الدول العشر الأولى الأكثر فساداً، فيما أشار إلى أنه لا يمكن محاسبة أي مسؤول بسبب انتمائه الحزبي. وذكر في حديث لـلسومرية نيوز، إن “ما ورد في تقرير منظمة الشفافية الدولية بشأن إدراج العراق من الأكثر فسادا كلام صحيح”، مبينا أن “الفساد ليس من المواطن البسيط، وإنما من المسؤولين بالحكومات السابقة والحالية، فالفساد موجود بمؤسسات الدولة العراقية والحكومات التي جاءت بعد تغيير النظام بالعراق، يوماً بعد يوم وحكومة بعد الأخرى يزداد الفساد بمؤسساتها”، مشيراً إلى “أننا في النزاهة النيابية لدينا ملفات فساد عن مختلف القطاعات مثل تهريب الأموال وصفقات العقود الحكومية والمشاريع الوهمية وغيرها”. فقد احتل العراق ضمن تقرير منظمة “الشفافية الدولية” الذي صدر يوم الأربعاء (27 كانون الثاني 2016) المرتبة الرابعة بأكثر البلدان العربية فسادا بعد الصومال والسودان وليبيا.
في عهد حكومة نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي الأسبق ازدهرت عمليات الفساد وبلغت أوجها، ففي صفقة الأسلحة الروسية وحدها عام 2012 قدرت الرِّشى بأكثر من 200 مليون دولار، وانطوت الصفقة على قضايا فساد لاحقت كبار المسؤولين في الحكومة، وكان من المقرر أن يدفعها وسطاء على شكل عمولات إلى المسؤولين العراقيين عن إبرام صفقة السلاح الروسية التي تفوق قيمتها 4 مليارات و200 مليون دولار. وبحسب تقارير ومعلومات رسمية وإعلامية صدرت خلال العام الماضي فقد تم سرقة أكثر من نصف ترليون دولار من أموال الدولة العراقية خلال فترة حكم المالكي، وتقدر قيمة هذه الأموال بأكثر من نصف الريع النفطي بين 2003 و2015 المقدر بـ 800 مليار دولار.
لم يقف الأمر عند هذا الحد بل حرصت تلك الحكومة العميلة على إخفاء الحسابات الختامية للموازنات العامة للدولة، للتغطية على حجم السرقات والفساد الذي تتعرض له الموازنة في سنواتها المالية المتلاحقة، لقد مارس كبار المسؤولين في الدولة عمليات الفساد ونهب المال العام دون أن يتعرضوا للمساءلة القانونية، وغض القضاء العراقي النظر عن محاسبتهم وملاحقتهم بل تم تهريبهم خارج العراق مع الأموال التي نهبوها، وهناك العديد من الأمثلة لعدد من الوزراء وكبار المسؤولين من القوى المتنفذة. ﻓﺎﻟﻔﺴﺎﺩ ﺑﺤﺴﺐ اللجنة ﺍﻟﻤﺎﻟﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺮﻟﻤﺎﻥ ﺍﻟﻌﺮﺍﻗﻲ ﻛﺒّﺪ ﺍﻟﻌﺮﺍﻕ ﺧﺴﺎﺭﺓ ﻗﻴﻤﺘﻬﺎ ﺛﻼﺛﻤﺌﺔ ﻭﺳﺘﻮﻥ ﻣﻠﻴﺎﺭ ﺩﻭﻻﺭ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﻔﺘﺮﺓ ﺑﻴﻦ ﻋﺎﻣﻲْ 2006 ﻭ2014. ﺭﺋﻴﺲ ﻫﻴﺌﺔ ﺍﻟﻨﺰﺍﻫﺔ ﺍﻷﺳﺒﻖ ﻓﻲ ﺑﻐﺪﺍﺩ ﺍﻟﻘﺎﺿﻲ ﺭﺣﻴﻢ ﺍﻟﻌﻜﻴﻠﻲ ذكر أﻥ ﺍﻟﻔﺴﺎﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺮﺍﻕ ﻟﻪ ﺃﺳﺒﺎﺏ ﻛﺜﻴﺮﺓ، وﺃﻥ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﺍﻟﻌﺮﺍﻗﻲ ﻣﻨﻬﻚ ﻭﺿﻌﻴﻒ ﻭﻳﺘﺤﻜﻢ ﺑﻪ ﺍﻟﻔﺴﺎﺩ، ﺇﺿﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﺠﻬﺎﺕ ﺍﻟﺮﻗﺎﺑﻴﺔ ﻟﻢ ﺗﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻤﻞ، ﻷﻧﻪ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﻘﻴﺎﺩﺍﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﻨﻔﻴﺬﻳﺔ ﻭﺍﻟﻘﻀﺎﺋﻴﺔ ﻣﺸﺎﺭﻛﺔ ﻭﻣﺘﻮﺭﻃﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﺴﺎﺩ ﻓﻜﻴﻒ ﺗﻌﻤﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺠﻬﺎﺕ؟ ﻭﻛﺸﻒ ﺍﻟﻌﻜﻴﻠﻲ ﻋﻦ ﻭﺟﻮﺩ ﺁﻻﻑ ﺍﻟﻤﺸﺮﻭﻋﺎﺕ ﺍﻟﻮﻫﻤﻴﺔ ﻭﺍﻟﻔﺎﺷﻠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﺪﺭ ﻗﻴﻤﺘﻬﺎ ﺑﻨﺤﻮ 228 ﻣﻠﻴﺎﺭ ﺩﻭﻻﺭ، ﺗﺨﺼﻢ ﻣﻦ ﻣﻴﺰﺍﻧﻴﺔ ﺍﻟﻌﺮﺍﻕ. ﻭﺃﻗﺮ ﺑﺄﻥ ﺃﻏﻠﺒﻴﺔ ﺍﻟﻄﺒﻘﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻣﺘﻮﺭﻃﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﺴﺎﺩ ﺑﺸﻜﻞ ﺃﻭ ﺑآﺧﺮ، وأن بعض ﺍﻹﺻﻼﺣﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﻢ ﺍﻵﻥ ﻣﺪﻓﻮﻋﺔ ﺑﻀﻐﻂ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺎﺭﻉ ﻭﺍﻟﻤﺮﺟﻌﻴﺔ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺧﺮﺟﺖ ﻋﻦ ﺻﻤﺘﻬﺎ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﻔﺘﺮﺓ ﺍﻟﻤﺎﺿﻴﺔ.
وحتى رئاسة مجلس النواب ورئاسة الوزراء ورئاسة الجمهورية طالهم الفساد، إذ لا رقيب له قدرة المحاسبة الحقيقية لإيقاف، أو على أقل تقدير تحجيم ومتابعة ومراقبة الصفقات التي تعقدها أي هيئة!
أما أسطورة فساد وزارة النفط والتي يرى مراقبون وناشطون في مراقبة الفساد أن ما سرق من عائداتها يكفي لسداد ديون العراق البالغة 120 مليار دولار بنهاية 2017، ومتوقعاً أن ترتفع إلى أكثر من 130 مليار دولار بنهاية 2018 ووضعه على طريق النهوض الاقتصادي، حيث يكشف تقرير “هيئة النزاهة” عن شكاوى صفقات النفط، والبالغ مجموعها (37 ألفاً و890 شكوى) تسلمها المفتش العام للتحقيق، بينما ما جرى التحقيق فيه من قبل المفتش العام لهذا العدد هو (3526) شكوى فقط، بنسبة تقل عن الـ10% من تعداد الشكاوى. أين ذهبت التحقيقات في آلاف الشكاوى، وهذا في “النفط” فقط؟ ناهيك عن الصفقات الفاسدة باسم الخصخصة والتي تم بموجبها بيع الشركات العامة والمصانع والمنشآت إلى فاسدين وشركات وهمية ومنها قطاع الكهرباء التي لم ير منها أهل البلد سوى العتمة والحر الشديد في جو لاهب شديد الحرارة والتي كلفت البلاد منذ الاحتلال حتى عام 2014، 120 مليار دولار، استناداً إلى ما ذكره وزير المالية السابق رافع العيساوي، هذه المبالغ بحسب المختصين، تكفي لـ”شراء أصول شركة جنرال إلكتريك بكل فروعها، وخطوطها الإنتاجية تغطي تكاليف نقلها إلى بادية السماوة، أو إلى هور العمارة، أما الباقي من المبلغ فيكفي لشراء شركتي سيمنز إلكترونك وميتسوبيشي باور“.
الحقيقة باتت واضحة أمام العراقيين، كوضوح الشمس لحظة الشروق، إذ إنه ومنذ العام 2003 لم يحاسب مسؤول عن فساده، ومن الذي يحاسبه أصلاً إذا كان الكل فاسداً و النظام الذي يتحاكون إليه فاسداً؟!
إن ما حلّ بالعراق وما يحلّ في أي بلدٍ من بلاد المسلمين من احتلال وسيطرة وتحكّم للكفار ونهب للمال العام لا يمكن أن يكون لولا رضا الحكام وسكوتهم وتآمرهم معهم على المسلمين. فلا ينبغي أن يتوقع أحد من الناس أن يأتيه خيرٌ من هؤلاء الحكام، ولا من أسيادهم الكفار، أعداء الله ورسوله، بل يجب علينا جميعاً دفع هذا الكافر المحتل، وإخراجه من بلادنا وكافة بلاد المسلمين.
فإلى العمل جميعاً معنا ندعوكم أيها المسلمون لإفشال هذه المخططات اللئيمة، وغيرها كثير، ولن يكون ذلك إلا بالعمل لإقامة الخلافة على منهاج النبوة التي ترعى شؤون الناس كل الناس بالعدل والحق والخير؛ بنظام من رب العالمين.
بقلم: علي البدري – العراق