الإستشارة حول مشروع قانون تنظيم الأحزاب السياسية في تونس “دموع في عيون وقحة”
دعت وزارة لعلاقة مع الهيئات الدستورية و حقوق الإنسان لحضور إستشارة وطنية حول الإعداد لإطار قانوني جديد لتنظيم الأحزاب السياسية, وذلك يوم الثلاثاء 12سبتمبر الجاري بهدف مراجعة المرسوم عدد 87 لسنة 2011 المتعلق بتنظيم الأحزاب السياسية وتحويل هذا المرسوم الى مشروع قانون أساسي جديد، وعن أسباب هذه المراجعة، فمن أجل ملاءمة التشريع المتعلق بالأحزاب السياسية مع الأحكام الدستورية الجديدة وخصوصا الفصل 65 من الدستور ومزيد من ضبط لأعمال الأحزاب من ناحية التمويل العمومي والتصرف المالي و الإداري .
وبناء على ما سبق كان ضروريا التنبيه على الأمور التّالية :
أوّلا :هذه الإستشارة وهذا الإستفتاء على قانون الأحزاب يذكّرنا بإستفتاء آخر وقع في وقت لاحق وهو الإستفتاء على الدستور، وهنا قد يتساءل البعض قائلا : مرسوم الأحزاب هذا ألم تقع صياغته من طرف الهيئة العليا لتحقيق أهدف الثورة بعد إستشارات واسعة لمعظم القوى السياسية أنذاك؟ فما الذي تغيّر ليصبح هذا التغيير ضروريا وملحّا الآن ؟ أم انّ الأمر كما وقع التصريح به من وجوب ملائمته مع المعايير الدولية و متطلّبات المرحلة، وهذا يعني أنّ القوى الدولية هي التّي تريد بالدرجة الأولى هذه المراجعة وعلينا أن نقوم بهذا الواجب وفق خططها هي وحساباتها هي لا نحن، فعندما أرادت هاته القوى إعادة كتابة الدستور وأعطت مهلة أخيرة للإنتهاء من صياغته إلتزم الجميع بالبنود في آجالها ، واليوم تريد إعادة كتابة القانون المنظّم للأحزاب في إطار إعادة ضبط البلاد ومؤسساتها وقواها الفاعلة خدمة لها وإستحقاقا لمصالحها وليس بناء على رغبة من أهل البلاد وتحقيقا لتطلّعاتهم، فكما أنّ الدستور كان لترسيخ وتركيز سيطرة الغرب بقواه السياسية والإقتصادية على الحياة السياسية في بلادنا من ناحية عملية وتنفيذية، فكذلك الشّأن بالنّسبة لمشروع القانون الأساسي المنظّم للعمل الحزبي فلا بدّ أن يضبط وفق هذه الخطّة ، لا لشئ إلاّ لأنّ النفوذ الغربي قويّ داخل الوسط السياسي سواء الذّي في الحكم أم الذي في المعارضة. ولذلك فليس عليه إلاّ أن يتدخل في الصغيرة قبل الكبيرة، ويعطي التعليمات والإملاءات بشكل مباشر تارة ومن وراء حجاب تارة أخرى من أجل إعادة ضبط الحياة السياسية والحزبية ضبطا دقيقا تخوّفا من حصول أي إنفلات غير محسوب يمكن أن يؤثر على مصالحه، وليس الأمر كما يُشاع أنّ مشروع القانون الجديد سيحافظ على الروح التحرريّة التي ميّزت المرسوم الحالي المنظم للأحزاب لأنّ التدخّل الأجنبي المباشر في شؤون الأحزاب كان ولا يزال واضحا غير مخفي على أحد عن طريق التنسيق المباشر مع السّفارات أو بواسطة التشاور مع البعثات الديبلوماسية دون أن ننسى التمويل الخارجي.
ثانيا : من أسباب هذه المراجعة، كما أشرنا، ملائمة التشريع مع الدستور .
والآن بعد مرور ستّ سنوات على صدور المرسوم عدد87 الصادر في سبتمبر 2011 الذي ألغى القانون الأساسي الصادر في ماي 1988 والمتعلق بتنظيم الأحزاب السياسية في تونس، بعد تلك السنوات الستّ، تقول الحكومة اليوم لدينا دستور جديد ولابد أن يكون تأسيس الأحزاب وقوانينها الداخلية وطرق تكوينها محترما لهذا الدستور”. وتضيف “يمكننا أن نقبل أحزابا تخالفنا في الرأي ولكنها مطالبة باحترام نص الدستور واحترام علم البلاد وحدودها ووحدتها وهذه هي ضروريات العمل السياسي “، حسب تعبير الوزير المهدي بن غربية وقال كذلك “حتى من لا يؤمن من الأحزاب بالدستور فإنها مطالبة بالعمل في أطره وبالوسائل الديمقراطية التي أتى بها هذا الدستور”.
ولكن من هو المقصود من وراء هذه المراجعة …؟ أليس هذا المشروع يأتي على مقاس حزب التحرير لإلغاء إعلامه بالوجود …؟ أوليس هذا إستهدافا له دون غيره منعا له من العمل لأنّه يتصدّى بكلّ كفاحية لمشاريع الغرب الإستعماري الذي يسيطر على مقوّمات البلاد وينهب خيراتها، ولطالما إستأثر حزب التحرير منذ 2012 بصدارة المواجهة مع الدولة إذ تولت مصالح المكلف العام بنزاعات الدولة القيام بالحق الشخصي للدولة في قضايا رفعتها عدة وزارات على غرار الثقافة والشؤون الدينية ورئاسة الحكومة ضدّه كحزب أو ضد قياديين فيه وكذلك فإنّ المكلف العام بنزاعات الدولة مثّل الدولة في البحث التحقيقي الذي تم فتحه أمام القضاء العسكري على خلفية بيان سابق لحزب التحرير صدر في 27 ماي 2016 على خلفية الاحتفال الديني اليهودي (الغريبة)، وغير ذلك من التضييقات وإجراءات المنع التي طالت أعمال الحزب الجماهيرية والإلغاء القسري والتعسفي لمؤتمره السنوي أو لندوات محلية بجهات مختلفة.
وبهذا نفهم ويتبيّن من هو المقصود من هذه المراجعة، ومن هو الحزب الذّي شكّل ولا يزال يشكّل خطرا على الإستعمار وممثّليه.
ثالثا : فإنّ هذه الإستشارة المزمع القيام بها حول تنظيم الأحزاب في تونس، إنّما تقع في بلد مسلم، صاحب حضارة إسلامية عريقة وجزء من أمّة إسلامية عريقة صاحبة حضارة أشرق العالم بضيائها وسطع نورها فأخرجت النّاس من الظلمات إلى النّور، فالأصل في بلدنا هذا تونس أن تكون تشريعاته كما هي حال عقيدته إسلامية خالصة، مستنبطة من كتاب الله تعالى وسنّة رسوله الأكرم عليه الصّلاة والسّلام . ففي كتاب ربّنا يقول الله تعالى : وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ .
و لذلك نقول إنّ للمسلمين الحقّ في إقامة أحزاب إسلامية لمحاسبة الحكام، أو الوصول إلى الحكم عن طريق الأمّة على شرط أن يكون أساسها العقيدة الإسلامية، وأن تكون الأحكام التي تتبنّاها أحكاما شرعية. علما أنّه لا يحتاج إنشاء الأحزاب في دولة الخلافة الإسلامية لا يحتاج إلى ترخيص. ويمنع أي تكتّل يقوم على غير أساس الإسلام .
ولذلك كانت وقاحة لا تدانيها وقاحة, إجبار قوم مؤمنين على التعاطي مع شأنهم العام بمفاهيم غريبة عنهم، مفروضة عليهم، ودينهم وإسلامهم قد تركهم على المحجّة البيضاء ليلها كنهارها، وقرآنهم بين أيديهم يتلونه صباحا ومساء يفرض عليهم الإلتزام به ونبذ ما دونه، وأمّا في خصوص مشروع قانون الأحزاب هذا، فالواجب ليس مراجعته فقط بل إلغائه هو وشقيقه الأكبر دستور التأسيسي, وتطبيق ما يرضي الله تعالى عنّا ونرفع الأيادي المتحكمة فينا، ونعود كما كنّا خير أمّة أخرجت للنّاس.
محمّد زرّوق