تونس: بين الماضي والحاضر
قال الإمام الأبّي (في إكمال إكمال المعلم ج5 ص32): “ولم يزل الشيوخ يحكون عن كثرة ما كان بتونس من الخير أنه بقي دينار ملقى بأحد حوالي الجامع الأعظم وغالب ظني أنه بطريق العطارين مدة لم يرفعه أحد ثم بعد ذلك لم يوجد فقال الناس اليوم دخل بلدنا غريب. وحين كانت قاعدة مملكة الموحدين بمراكش وكان القضاة إنما يأتون لتونس منها فاتفق أن قدم لها قاض من مراكش فجلس للحكم فبقي أياما لا يأتيه أحد من الخصوم فظن أن الناس لم يرضوا به ثم تقدم إليه يوما خصمان من أهل سوق الجبة فقال أحدهما أصلحك الله إن هذا شريكي وقد باع جبة من العرب وأنا لا استحلّ دراهم العرب فعلم القاضي حينئذ أن عدم إتيان الخصوم إليه إنما هو لتناصفهم وإتباعهم الحقّ”.
وقال ابن ابي دينار (في المؤنس في أخبار إفريقية وتونس ص26=27): “وبالجملة فإن مدينة تونس لها حظ وافر، وحسن باهر، حازت قصبات السبق في البلاد الغربية، وعظم شأنها بين جيرانها وحبائبها الإفريقية… وأهلها ولله الحمد لهم أخلاق رضية ونفوس أبية، وعقل ثاقب، ورأي صايب، وعلو شأن، وحدة أذهان، وعلماؤها مميزون عمن سواهم بالذكاء والنباهة حتى إن الواحد منهم إذا لازم الاشتغال يحصل له في سنة ما لا يحصل لغيره في عدة سنين. رزقها الله تعالى سرا تميزت به بين البلدان، وأعظم سرها جامعها الأعظم كأنه بين المساجد مسجد سليمان… ولقد غالى بعض العلماء في مدح تونس وحريمها حتى قال من لم يتزوج بتونسية ليس بمحصن…”.
وقال العلامة المقّري (في أزهار الرياض في أخبار عياض ج3 ص24=28) متحدّثا عن تفوق الطريقة التونسية في التعليم والتأليف: “والعلة في ذلك كون صناعة التعليم، وملكة التلقي، لم تبلغ فاسا كما هي بمدينة تونس، اتصلت إليهم من الإمام المازري، كما تلقاه عن الشيخ اللخمي، وتلقاها اللخمي عن حذّاق القرويين، وانتقلت ملكة هذا التعليم إلى الشيخ ابن عبد سلام، مفتي البلاد الإفريقية وأصقاعها، المشهود له برتب التبريز والإمامة، واستقرت تلك الملكة في تلميذه ابن عرفة رحمه الله، وفي الشيخ ابن الإمام التلمساني… وعكس هذا وقع لفقهاء فاس في أواسط المائة الثامنة، لمّا شرّق السلطان أبو الحسن رحمه الله، وانتهت به درجة الاستبداد والاستقلال ببلاد إفريقية، فظهر فقهاء المغرب ممن صحبه، على فقهاء تونس، لحفظهم كتاب التهذيب عن ظهر قلب، وزعيم فقهاء المغرب يومئذ الرجل الصالح، أبو عبد الله السّطّي رحمه الله ونفع به، إلى أن جاءت نوبة الشيخ ابن عبد السلام، وعقد مجلسه بمحضر السلطان المذكور، ومن معه من الفقهاء والنحات والكتّاب والرؤساء، وتوجهت مطالبة فقهاء المغرب له، فكان رحمه الله على ما وصفه به من أرّخ الواقع، كأنه بحر تلاطمت أمواجه، فكان يقطعهم واحدا بعد آخر، وتلميذه ابن عرفة كذلك، إلى أن قال ولي الله المنصف، أبو عبد الله السّطّي للسلطان: يا علي، كذا يكون التحصيل، وكذا يقرأ الفقه، ولو لم يكن بتونس إلاّ هذا الإمام لكان بها كل خير! فلا بد من ملازمة هذا لهذا المجلس، حتى ينتفع به أصحابنا، وننتفع بطريقه. وذلك هو السبب في التنويه بالشيخ ابن السلام رحمه الله، على أنه كانت رغبته فيما عند الله أن مات”.
وقال حسن حسني عبد الوهاب (في خلاصة تاريخ تونس ص92=93): “بلغ القطر التونسي على عهد أمراء صنهاجة شأوا عظيما في التمدن الإسلامي لتوفر الأسباب المساعدة على الرقي المادي. فقد وصلت فلاحة البلاد من زراعة وغراسة إلى مرتبة عليا بفضل الري العام الذي أحيا موات الأرض، فأخرجت الأرض خيراتها المكنونة حتى صارت إفريقية كطمر للمشرق والمغرب. وترقت الصناعة الأهلية في عموم حواضر القطر، فأنتجت بضائع فاخرة كالزرابي الرفيعة والمنسوجات الصوفية والحريرية والقطنية وأواني الزجاج اللطيفة… وبذلك نمت الثروة العمومية وساد الغنى وبسطت الرفاهية على السكان فاستقل كثير منهم بالعلوم والتدوين، وازدهر سوق الأدب وظهرت عندئذ حركة فكرية لم تر إفريقية مثلها قبل ولا بعد”.
هذه النقول تتحدّث عن واقع البلاد التونسية في حقب وفترات زمنية مختلفة وتصف حالة البلاد في جوانب متعدّدة، منها ما يتعلّق بالنهضة المدنية والعمران، ومنها ما يتعلّق بالتعليم، ومنها ما يتعلّق بالأخلاق، ومنها ما يتعلّق بالمعاملات، ومنها ما يتعلّق بالأسرة وغير ذلك. ولم تكن تونس في كل ذلك مقلّدة بل رائدة متميّزة. ونلاحظ من خلال بعض النقول كيف بلغت تونس في حقبات زمنية معيّنة أوجه الكمال، وكانت مضرب الأمثال في تحلي أهلها بالأخلاق الحميدة والصفات النبيلة. فلماذا تغيّر الحال وأصبحت تونس الخضراء مضرب الأمثال في كل قبيح وسوء؟
إنّ النماذج المذكورة من التاريخ التي تصف نهضة البلاد مرتبطة كلّها بالتاريخ الإسلامي، فالإسلام أثّر في تونس تأثيرا إيجابيا وارتقى بأهلها وصبغ مجتمعها بصبغة تكاد تكون مثالية من رفاهية في العيش وأمن وأمان وحسن معاملة وأخلاق؛ فبالإسلام حقّقت تونس نهضة علمية وأخلاقية ومدنية. فليحدّثنا التيار اللائكي واليساري عن الحداثة المزعومة، وماذا حقّقت للبلاد والعباد؟ هل حقّقت الرقي المعرفي والعلمي كما حقّقه أهل البلاد من قبل بالإسلام؟ هل ترفّهت الناس واطمأنت كما كانت من قبل حين حكمت بالإسلام؟ كيف أخلاق الناس اليوم، ومعاملاتهم؟ كيف واقع الأسرة اليوم؟ وكيف واقع المرأة اليوم؟ وكيف واقع المجتمع اليوم؟ وكيف حال العمران والبنية التحتية اليوم؟ وكيف حال الاقتصاد والسياسة اليوم؟ وكيف حال الجيش اليوم؟ وباختصار: ماذا حقّقت الحداثة (المأخوذة عن الغرب) اليوم؟
تلك آثارنا تدل علينا … فانظروا بعدنا إلى الآثار.
“لا شكّ أنّ ازدياد حجم الضبطيات يعكس من جهة الجهود الكبيرة والمستمرّة التي تبذلها وحدات الأمن والحرس والديوانة في مجال مكافحة المخدّرات وارتفاع درجة اليــقظة لديها ويدلّ من جهة أخرى على اتساع رقعة تجارة المخدّرات وتنامي استهلاكها” (عن ليدرز العربية: تونس: أيّ علاقة بين تجارة المخدّرات والإرهاب؟ لعبد الحفيظ الهرقام).
(مؤشرات الاقتصاد التونسي)
الدين الخارجي | 23.2 مليار دولار |
الدين الإجمالي | 28.7 مليار دولار |
احتياطي النقد الأجنبي | 6 مليار دولار |
يغطي الاستيراد | 3 أشهر |
نسبة الدين العام للناتج المحلي | 54% |
معدل النمو | 2.3% |
عجز الموازنة إلى الناتج المحلي | 5.4% |
التضخم | 4.8% |
(المصدر: العربي الجديد بتصرف، بتاريخ 04/08/2017)
ياسين بن علي