المسلمون والنظام العالمي الجديد (الجزء الثاني)
إن الأهمية الإستراتيجية للعالم الإسلامي, كما ذكرت في وثيقة كامبل في الجزء الأول من البحث, جعلت الولايات المتحدة الامريكية تركّز قواعدها العسكرية الثابتة والمتحركة وتعقد التحالفات العسكرية ( الباكستان، الكويت، البحرين، تونس) وتعتبر الولايات المتحدة البلاد الإسلامية خاصة العربية منها خطّا أماميا للدفاع عن أمنها أمام روسيا وأوروبا لذلك أعدت مشروع ” الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”
أما فيما يخص كيان يهود فقد ورد في الوثيقة ما يلي ” لدرء الخطر توصي اللجنة بضرورة العمل على فصل الجزء الإفريقي من هذه المنطقة عن جزءها الأسيوي وتقترح لذلك إقامة حاجز بشري قوي وغريب بحيث يشكل في هذه المنطقة _وعلى مقربة من قناة السويس_ قوة صديقة للاستعمار عدوة لسكان المنطقة”. وهذا ما حصل بعد 10 سنوات عندما قدم بلفور وزير خارجية بريطانيا وعده لليهود بإقامة كيان لهم على أراضي المسلمين في فلسطين ونفّذ رسميا في 1948.
أما فيما يخص الاستعمار ورد في الوثيقة ” أن المتوسط هو الشريان الحيوي للإستعمار”. تكمن هذه الأهمية في الثروات الطبيعية الهامة جدا, سواء محروقات او مواد خام جعلت الدول الغربية تتزاحم من أجل بسط هيمنتها على هذه المنطقة.
هذه المصالح الحيوية جعلت الغرب الاستعماري يسعى جاهدا لتبقى هذه المنطقة ” متأخرة ومجزأة وإبقاء شعوبها مضللة جاهلة متناحرة” كما ورد في الوثيقة والسعي لإحكام القبضة عليها لمنع أي محاولات للنهضة والرقي والعودة إلى الساحة الدولية من جديد.
لا بد من التذكير أن الاستعمار هو طريقة الغرب في نشر فكرته وبسط هيمنته السياسية والاقتصادية على العالم, وقد تبع في ذلك مجموعة من الطرق والأساليب أهمها:
- الصراع الفكري: خاض الغرب ومازال يخوض حربا فكرية على المسلمين بضرب أفكار الإسلام والهجوم عليها نقدا وتزييفا وتشويها والغريب في الأمر أنّ المسلمين هزموا أمام الفكر الغربي هزيمة شنعاء تبعتها الهزيمة السياسية المدمرة مثال ذلك – أي هجوم الفكر الرأسمالي على الفكر الإسلامي- الهجوم على فكرة الوحدة الإسلامية وتمرير أفكار مسمومة من قبيل التحرر من “الهيمنة التركية” و”الوحدة العربية”, و التركيز على تشويه مسألة تعدد الزوجات واعتبار ذلك همجية, وهاجم نظام الحكم في الإسلام واعتبروه ديكتاتورية واستبدادا وزعموا أن للحاكم قداسة دينية وهاجم القضاء والقدر واعتبروه استسلاما, ومن أساليبهم في ذلك السيطرة على وسائل الأعلام وتوجيهها بما يخدم الغرب الاستعماري ورعاية الأحزاب التي تتبنى الأفكار المستوردة من الحضارة الغربية, بل وتمويلها ومحاربة اللغة العربية باعتبارها لغة القرآن والسنة ومحمل أفكاره.
إن هذ الصراع الفكري الذي يخوضه الغرب ضد المسلمين يؤكّده قول الرئيس الأمريكي الأسبق “ريتشارد نيكسون” (1913-1994) في كتابه ” الفرصة السانحة” عام 1988م, ” و الإسلام ليس مجرد دين بل هو أساس لحضارة كبرى” و يقول أيضا:” هم مصمّمون على استرجاع الحضارة الإسلامية السابقة عن طريق بعث الماضي ويهدفون إلى تطبيق الشريعة الإسلامية وينادون بأن الإسلام دين ودولة”.
ويقول في نفس الكتاب: ” إلا أن حضارتنا ليست أعرق من حضارتهم، لقد قاوم العالم الإسلامي الشيوعية بأقوى مما قاومها العالم الغربي ورفضهم للماديات والتجاوزات الأخلاقية في العالم الغربي يحسب لهم لا عليهم”
- الصراع الاقتصادي وله عدة اوجه:
- السيطرة على مصادر الطاقة والمواد المنجمية.
- جعل البلاد الإسلامية مجرد أسواق استهلاكية بمنعها من التصنيع الثقيل.
- اغرقا الدول بالقروض الربوية المضاعفة عن طريق صندوق النقد الدولي والبنك الدولي..
- استيعاب الخبرات والعقول المهاجرة التي لا تجد مكانا لها في بلدانها الأصلية لتضطر للهجرة إلى الغرب.
- وضع سياسات يفرضها غالبا صندوق النقد الدولي وتؤدي إلى انعدام الأمن الغذائي بحيث تصبح البلاد تحت رحمة المعونات والقروض.
–الإرهاب: بما أن الإسلام قد رشحته أمريكا لتتخذه عدوا لها بعد زوال الشيوعية فان البلاد الإسلامية من أهم المناطق التي سيُستعمل فيها قانون الإرهاب لإحكام قبضتها على هذه المنطقة وإبقائها تحت السيطرة خاصة أن هذه المنطقة فيها قابلية للتمرد على السياسة الأمريكية وبالتالي يعتبر الإرهاب احد الأسلحة الإستراتيجية للتدخل وفرض الهيمنة خاصة عند الولايات المتحدة الأمريكية, والجاري في سوريا وليبيا اليوم يُمثل خير دليل على ذلك.
لم يكن الغرب الاستعماري ليتمكن من إحكام قبضته على بلاد المسلمين لو أن المسلمين أدركوا صلتهم بالله, أي لو أنهم التزموا بالحلال والحرام عند مباشرتهم للأعمال, وعلى رأسها الحكم. فإدراك الصلة بالله عند مباشرة الحكم تقتضي عدم تجزئة الدولة الإسلامية إلى دويلات, وتقتضي أيضا عدم الحكم بغير الأوامر والنواهي الشرعية وأن يكون السلطان بيد الأمة.
- إن إدراك الصلة بالله توجب على المسلمين خاصة الحكام منهم ان يتدبروا قول الله تعالى : ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا”
- ان ادراك الصلة بالله توجب على المسلمين ان يكونوا هم الأقوياء ” ولله العزة و لرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون”
- إن إدراك الصلة بالله توجب علينا ان نكون خير الأمم: ” كذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا”
- إدراك الصلة بالله توجب أيضا أن يكون المسلمون هم الأعزاء: ” أعزة على المؤمنين”
- توجب حرمة دم المسلم وعرضه وماله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه.”
- توجب أن تكون قوة المسلمين ترهب أعداء الله: “ترهبون به عدو الله وعدوكم”
- توجب على المسلمين أن لا يكون في الحكم أو في أي أجهزته إلا من المسلمين : ” يا ايها الذين امنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا”
- توجب أن يكون أمان المسلمين بأيديهم : قال رسول الله : ” نحن لا نستضيء بنار المشركين”
- توجب أن تكون الثروات الطبيعية ملكية عامة ودور الدولة هو اقدار الناس على الانتفاع بهذه الملكية: يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : “الناس شركاء في ثلاث الماء والكلأ والنار”.
هذا خطاب الله للعباد وبالتحديد إلى المسلمين, وهو خطاب موجه إلى الأمة بوصفها جماعة وليس خطابا موجه لأفراد فيها دون آخرين, وبالتالي فالمسؤولية في إيجاد هذه الأحكام في واقع الحياة هي مسؤولية المسلمين جميعا دون استثناء, ولا يكون ذلك إلا بإيجاد كيان سياسي يطبق هذه الأحكام وغيرها داخليا وخارجيا.
معز بن ابراهيم