إرهاب التعليم في دولة الحداثة

إرهاب التعليم في دولة الحداثة

إن الوضع الكارثي الذي تعيشه مؤسستنا التربوية بعد ستين عاما من الاستقلال المزعوم وبعد سبع سنوات من ثورة حَلُم التونسيون أن تكون بداية الجنة، لكنّ الوضع يؤذن باطلاق صيحة فزع لما وصلنا إليه.. فالتعليم الذي يُعد المصعد الذي يغير وجهة الأمم, يعيش اليوم أسوء حالاته على كل الأصعدة، وهذا ما أكّدته العودة المدرسية لهاته السنة، وككلّ سنة، نشهد حالة كارثية بأتمّ معنى الكلمة للمؤسسة التربوية في تونس.

**شغورات:

حسب مصادر نقابية يصل النقص في الإطار التربوي في مستوى المدارس الأساسية إلى حوالي خمسة عشر ألف شغور, بما يعني أن آلاف التلاميذ مهددون بأن يقضوا جزءا كبيرا من العام الدراسي دون معلمين، ففي أول أيام العودة تؤمّ مدرسة بالقصرين قرابة 250 تلميذا بإطار تربوي واحد يقوم بدور المدير والمعلم والحارس، إلى جانب التضخم الرهيب الذي تشهده كل المدارس التونسية ( بمعدل 35 تلميذ في القسم الواحد مع منظومة تعليم “منظومة الكفايات” يعتبر فيها الحد الاقصى للتلاميذ 12 تلميذ في القسم الواحد). كل هذا مقابل 300 ألف عاطل عن العمل من اصحاب الشهائد, منهم مئات المعلمين النواب الذين استغلتهم الوزارة السنوات الماضية ووعدتهم بالانتداب دون جدوى, ومنهم 6818 ناجح في دورة” الكاباس” في انتظار انتدابهم من طرف دولة تعلن طاعتها لصندوق وبنك النقد الدوليين بإيقاف الانتدابات في الوظيفة العمومية.

**بنية أساسية ومسالك:

ليس نقص الاطار التربوي فقط هو ما يهدد ابناءنا, بل تعاني آلاف المؤسسات التربوبة من مشاكل البنية الاساسية في حدها الأدنى, فمئات المعاهد والمدارس لا تتوفر فيها دورات مياه ولا طاولات كافية ولا كراسي لائقة ولا سور يحميهم من العناصر الضالة أو الكائنات السامّة، فبالأمس القريب تم العثور على  ثعبان يفوق طوله المتر و نصف المتر في قاعة الدرس في مدرسة المنجم بالمظيلة. إلى جانب القاعات الآيلة للسقوط, أو النقص الفادح في إعدادها, فمنهم من التجاء إلى تدريس التلاميذ في الأروقة, ومنهم من اكترى مستودعات خاصة, وفي مدارس اخرى نصب الأولياء خياما في الساحة لعلها تكون أأمن لأبناءهم من الجدران المهترءة.

فهل تستفيق السلط من سباتها بعد انهيار مبنى سوسة و ما خلفه من ضحايا, وفضيحة دولة أما المدارس الأساسية ليس لها حظ في ميزانية الدولة؟ وهل يمكن مساءلتها فيما استرعته؟؟!!

إضافة إلى ما ينهك كاهل التلميذ قبل وصوله لقاعة الدرس وهو الكيلومترات الطويلة وصعود الجبال والهضاب وعبور الأودية والحفر والغابات، فهاهم اولياء ابناء سيدي بوزيد مثلا يغلقون مدرستين لانعدام المسالك المؤمنة لذهاب وإياب ابناؤهم اليها، لا لشيء إلا لأن هذه الطرقات لم تكن يوما معبرا لوالي او وزير أو رئيس.

فأين يوسف الشاهد أو السبسي من سياسة عمر بن الخطاب رضي الله عنه و أرضاه الذي قال:” والله لو عثرت بغلة في العراق لسألني ربي : لما لم تعبد لها الطريق يا عمر؟”

هذه سياسة القرون الماضية فماهو قولكم عن سياسة القرن الحادي و العشرين؟

**أوبئة: مرض “البوصفير” مثلا

مئآت المدارس لا تتوفر فيها دورات مياه و مصارف صحية وإن وجدت فهي غير صحية.

بعد ستين عاما من المشاريع الاصلاحية التي يطلقونها كل سنة, يشرب أبناؤنا من مياه الصهاريج غير الصحية لعدم ربطها بمصالح الشركة الوطنية لتوزيع المياه او لإنقطاعها الوقتي لأن المندوبية الجهوية أو الجمعية الخيرية التي تولت توفير البئر لم تسدد فاتورة الاستهلاك.!!

نعم مؤسسات تربوية عمومية يقطع عنها الماء الصالح للشراب لعدم سداد الفاتورة كمدرسة جزة في تاجروين، مدرسة سيدي حماد بالحمامات و غيرها كثير ..

أزمة تفاقمت إلى أن تمكّن وانتشر إتهاب الكبد الفيروسي” البوصفير” في صفوف ابناءنا خاصة في العامين الأخيرين 2015-2016 و لقد ودعنا في اول يوم من العودة المدرسية التلميذة حليمة العلوي من القصرين من الصف الخامس بعد معاناة طويلة من المرض، رحمها الله وشفانا من المرض الأعظم وباء هذا النظام.

فقد أكد قمودي المستوري كاتب عام نقابة التعليم الاساسي أنه في بداية السنة الدراسية الحالية سجلت بصفوف التلاميذ حالات اصابة بالالتهاب الكبدي الفيروسي في كل من مدرسة بوحجلة ( ولاية القيروان) والرقاب ( ولاية سيدي بوزيد)، وفي مختلف مدارس ولاية نابل (120 حالة) وماجل بالعباس ( ولاية القصرين) وفي هذه الاخيرة سجل في السنة الماضية 164 اصابة وحالة وفاة دون ان تتخذ الوزارة التدابير الوقائية اللازمة, والتي لا تقارن بقيمة الادوية المستوردة باهضة الثمن.

**العنف:

سجلت السنة الدراسية الفارطة 3000 اعتداء بالعنف بالوسط المدرسي وبتوقع ارتفاع العدد هذه السنة لبلوغ ذروته في اول اسابيع العودة فقد تكررت الاعتداءات بعدد من مناطق البلاد الحضرية منها وغيرها من قبل مجموعات من ذوي السوابق العدلية والمنحرفين, منها حادثة العنف المسلح التي تعرض لها تلميذ بمحيط المعهد بدوار هيشر, أو حادثة الطعن داخل ساحة معهد منوبة, الى حوادث الحرق والسلب والنهب والتخريب, إلى ضرب الإطارات التربوية من قبل الأولياء والتلاميذ مما خلف حالات من الهلع والاحتقان في صفوف التلاميذ والأولياء والإطارات التربوية وتوقف الدروس, وهو وضع أجبر جل الأولياء على التفكير والسعي إلى المدارس الخاصة رغم صعوبة الوضع المادي  ضيق المعيشة.

 وهي غاية السلطة، ان يعم الخراب في المؤسسات العمومية فتجد مبررا لخوصصة التعليم, ويومها لن يكون التعليم الخاص بهذه التسهيلات وسنرى الوجه الحقيقي للراسمالية الجشعة.

ولا ننسى العنف اللفظي الذي بلغ ذروته في شوارعنا ليدخل ساحات المدارس والاقسام مما تسبب في تزايد عدد الاساتذة والمعلمين بالعيادات النفسية بسبب التلاميذ. حيث أشار الخبراء إلى أن حوالي 78% من المعلمين والاساتذة يعانون من اضطرابات في النوم ومن الصداع.

**إدمان ودعارة:

بعد رفع الحضرعن قانون 52 لتعاطي المخدرات يعلن اليعقوبي أن ثلثي التلاميذ في تونس يتعاطون المخدرات, ووفق إحصائية للبرنامج العالمي لمكافحة المخدرات والجريمة فإن 186 ألف طفل يتعاطون المخدرات او القنب الهندي ” الزطلة” والأدوية الطبية المخصصة لمرضى الأعصاب دون وصفة طبية. أما عن التدخين فحدث ولا حرج, حيث أصبح المشهد مألوفا, والأخطر من ذلك أن هذه الآفة اصبحت تشمل اطفالا دون العاشرة وهو ما حول مدارسنا ومعاهدنا الى أوكار إدمان ودعارة.

أرقاما مفزعة مع مقاربات أمنية ضعيفة وغير مجدية, و مقاربة تربوية  فاشلة عاجزة عن استقطاب التلميذ والاحاطة به في اوقات الفراغ وحمايته من التحرش والعنف والانحراف, مع استمرار اللا مبالات للدولة الحديثة الراعية  للحرية الشخصية و حرية الضمير. مستقيلة عن دورها الاساسي ومبدعة في استثمار الاموال الطائلة في مهرجانات الدعارة والفساد وفي استقبال قيادات تخريب العقول كعادل امام أمثاله.

بلغ عفن النظام الراسمالي ذروته و زكمت رائحته أنوف الجميع و لا سبيل لإنعاش الجيف إلا دفنها في مزابل التاريخ  وتعويضها بشجرة طيبة جذورها ضاربة في الارض فيبلغ جذرها وأغصانها عنان السماء.

نظام اسلام قويم تغلغل في قلوب المسلمين, به صلح حال من قبلنا ويصلح حالنا وحال من بعدنا.

فاللهم اهدنا سبل السلام وابعث فينا من يرفع لواء الاسلام ويعلمنا الكتاب والحكمة, ويرفع عن أمتنا ظلم الظالمين. اللهم امين.

ريم الحري

CATEGORIES
TAGS
Share This