حكومة حرب !!! … على من؟ ومن أجل من؟؟؟

حكومة حرب !!! … على من؟ ومن أجل من؟؟؟

حتى يطمسون ملامح التشابه والتطابق بين كل الحكومات المتعاقبة ويمحون أثر الفشل المطلق القاسم المشترك بينها. لجأوا إلى تسمية حكوماتهم بتسميات تبدو في الظاهر مختلفة ولكن في حقيقتها أسماء بلا مسميات بداية من حكومة كفاءات وصولا إلى الحكومة الحالية بقيادة الموظف السابق بالسفارة الأمريكية “يوسف الشاهد” والتي سموها بحكومة حرب. وهذه التسمية مستوحاة من تلك الحملة الهلامية التي تعقبوا خلالها بعض رموز الفساد ثم أوهموا الناس بأنها حرب على الفساد. وحتى  يبدو المشهد و كأنه حقيقي كان التحوير الوزاري ثم خرج علينا يوسف الشاهد ليعلن أن حكومته الجديدة جزئيا أصبحت حكومة حرب وما علينا إلا دعمها ومؤازرتها إلى غاية تحقيق النصر المبين، وهنا سنفترض جدلا أن  حكومة “يوسف الشاهد” أو ما يسمونها عند ولادتها ب “حكومة الوحدة الوطنية” ستعلن الحرب وتفتح جبهات على الفساد والفقر وعلى كل المآسي التي سببتها للناس كلّ الحكومات منذ أن رمانا “بورقيبة ” في جحيم العلمانية.
ما هي الأسلحة التي ستستخدمها؟ وما هي الإستراتجية التي ستتبعها؟

لنبدأ من الحرب على الفقر. فهل تملك الحكومة الأسلحة اللازمة للقضاء عليه؟  أول سلاح تفتقر إليه الحكومة في هذه الحرب هي السيادة، نعم السيادة على قراراتها وعلى ثرواتها وعلى كل المقدرات لديها. فهي تشكو الفقر والفاقة، قراراتها ليست بيدها بل بيد المسؤول الكبير الذي لم يمنحها شهادة البلوغ والرشد لهذا وجعلوا صندوق النقد الدولي وكيلا عليها وجعلوها تحت وصايته يملي عليها تعليماته وشروطه كي يسمح لها بالسير دون الابتعاد عن بيت الطاعة مع القيام بجميع الواجبات المسماة زورا الإصلاحات ومنها تخفيض قيمة الدينار والمثابرة على هذا التمشي، ومن ثمّ يتمكّن كبار المرابين في العالم من استرداد القروض المسندة إلى تونس أضعافا مضاعفة. ومنها تخفيض كتلة الأجور الذي لا يعني سوى تسريح عدد هائل من الموظفين، ولا مشكلة عندهم إن تدهورت قدرتنا الشرائية أو انعدمت تماما، فالبحر واسع رحيب له من رحابة الصدر ما تكفي لاستيعاب جحافل الفارّين من حر لهيب الفقر و الحرمان، ومن لم يركب البحر فلا ضير أن يرتمي في سعير المخدرات (حكومة الحرب هذه ألغت عقوبة استهلاك المخدرات) أو يتوه في غياهب الإجرام بشتى أنواعه وهي (بالمناسبة) إحدى حروب حكومة الشاهد التي لا تملك حولا ولا قوة لخوض غمارها فنسب الجريمة في ارتفاع مطّرد والجرائم المنظّمة والخطيرة في ارتفاع مفزع.
حكومة الحرب هذه هي من أكبر مسببات الفقر والجوع، فآخر اهتماماتها رعاية شؤون الناس وتلبية احتياجاتهم، وقد تنصلت من مسؤولياتها وأشاحت بوجهها عن هموم النّاس ومشاغلهم، أمّا شغلها الشاغل فحماية مصالح القوى الاستعمارية كلف ذلك  أهل البلد ما كلفهم من ضنك العيش وشظفه. فقد اشتغلت هذه الحكومة بالذّات سمسارا لدى الشركات تفاوض المعتصمين في قرقنة والكاف والكامور وقبلّي من أجل ضمان مصالح تلك الشركات.
أما أم المعارك وأكثر الحروب قداسة وشراسة حسب ما يروج له “يوسف الشاهد” وجوقته” وطبالوا الإعلام البنفسجي ونعني الحرب على الفساد التي دخل رئيس الحكومة ساحتها وحيدا لا ظهير له ومع ذلك حقق مكاسب جمة وحاز على كل عبارات الثناء حتّى خلنا أنّهم سيورثونه لقب “المجاهد الأكبر” رغم أنه لم ينزل من برجه ولو للحظة وأنّى له ذلك وهو وأعضاء فرقته جزء من الفساد ولا يوجد قانون واحد إلا ويشجع على تفشي الفساد واستفحاله، بل النظام برمته أصل الفساد وفصله، فالقوانين كلّها ينتجها الهوى والأطماع والنزوات. الحكومة تحتكم إلى نظام وضعي فاسد بطبعه ويمثل بيئة حاضنة للفاسدين والمفسدين..ولا أدل على ذلك من قانون المصالحة الذي تمت المصادقة عليه في مصنع الفساد الأول مجلس النواب، أين تتم منازعة الله في أعظم حق هو التشريع.

مرت مبادرة ” الباجي قائد السبسي ” وقيل لفاسدي الحقبة النوفمرية اذهبوا فأنتم الطلقاء ..ولا تثريب عليكم اليوم فبإمكانكم الانخراط في منظومة فساد جديدة برعاية حزب النداء وتحت حماية شيخ الدجل وحركته. فالتوافق يسع جميع الفظاعات. ولكي يتم ترسيخ الفساد و تكريسه سيكتفي الجميع بإعلان حرب كلاميّة شكليّة في وسائل الإعلام تشغل الناس وتضللهم بتضخيم اعتقال “مهرّبين” من وزن الريشة، ليمارس الكبار الفساد المنظّم بقوانين (وحتى غير المنظم) في طمأنينة وراحة بال.
ومن حروب الشاهد مكافحة الأمراض المستشرية بشكل مفزع ومجابهة تردي المنظومة الصحية التي جعلت معاناة طالبي الخدمات الطبية تستفحل يوما بعد يوم. هذه الحرب تخوضها الحكومة بالعويل والنحيب واللجاجة في الشكوى من انعدام الإمكانيات المادية وخواء خزينة الدولة، ألم يصرّح وزير الصّحة قبل موته أنّ الدّولة لا قبل لها بتحمل أعباء المستشفيات ومجابهة نقص المعدات الطبية وتوفير العدد المطلوب من الأطباء وخاصة أصحاب الاختصاص. وقد ترجمت دعوة وزير الصحة الراحل  “سليم شاكر” الناس إلى حماية المستشفيات من اعتد آت المحرفين وقالها صراحة أن الدولة لا تقوى على تحمل أعباء الإنفاق على الصحة.

 ما سردناه أعلاه يعلمه الجميع ويقوله الجميع، ونحن نضيف فنقول إنّ عجز الحكومة ليس آت من جهة الأشخاص فقط إنّما هو آت أساسا من جهة هذا النظام الرّأسمالي الذي لا يخوض الحروب إلا من أجل مصالح الأغنياء والأقوياء أمّا الطّبقة الوسطى فيترك لها الفتات وأمّا الضعفاء فلا يسأل عنهم أحد. فهذه الحكومة تخوض كلّ الحروب ضد البلاد والعباد وآخر غاراتها مشروع قانون المالية لسنة 2018 الذي سيأتي على الأخضر واليابس وهذا ما سنتناوله لاحقا…

حسن نويرة

CATEGORIES
TAGS
Share This