هل تونس في حالة إفلاس؟

هل تونس في حالة إفلاس؟

تمر تونس هذه الفترة بأزمة اقتصادية خانقة, عكستها أزمة ارتفاع الدولار الأمريكي مقابل الدينار التونسي التي أدت بدورها إلى الارتفاع في أسعار السلع الغذائية.

وكان محافظ البنك المركزي, الشاذلي العياري قد أكد في تصريح سابق لوكالة تونس إفريقيا للأنباء “أن تمويل ميزانية 2017 سيكون صعبا في ظل عدم كفاية الموارد الجبائية التي تغطي النفقات الجارية مثل أجور القطاع العام ودعم المؤسسات وميزانيات الصناديق الاجتماعية…” و أكد العياري أن الموارد الجبائية المباشرة والغير المباشرة لا تكفي لسداد أجور أكثر من 670 ألف موظف تعادل قيمتها 1 مليار دينار شهريا، قائلا “نحن بصدد البحث عن حلول معقولة تخول تحقيق النمو والزيادة في حجم الادخار الذي لا يجاوز 13 بالمائة من الناتج الداخلي الخام والارتقاء بالاستثمار في نفس الوقت .

وقال محافظ البنك ” لا نزال في حاجة إلي التمويل الأجنبي لتواصل تأزم الوضع الاقتصادي بسبب تقلص الإنتاج في قطاعين أساسيين لجلب العملة للبلاد وهما السياحة والمناجم اللذين تكبدا خسائر بمعدل 4.5 مليون دينار…” كما دعا وزير المالية بالنيابة الأسبق محمد فاضل عبد الكافي أعضاء البرلمان إلي التصديق الفوري علي اتفاقات قروض خارجية لتسديد نفقات الدولة خلال شهري أوت وسبتمبر 2017 وهو ما فسره البعض بأنه إعلان عن إفلاس الدولة. كما قال عبد الكافي أمام البرلمان انه لأول مرة تحتاج تونس إلي الاقتراض الخارجي لتوفير موارد مالية للباب الأول من الميزانية العامة للدولة المتعلق بالأجور ومصاريف الدولة…

هذه التصريحات ربما يثبت صحتها التوجه الشديد لدى حكومة الشاهد خلال الستة الأشهر الأخيرة نحو الاقتراض الخارجي، إذ صادق البرلمان التونسي خلال الأشهر الستة الماضية على 19 قرضا خارجيا.  حيث واجهت السلطة في تونس صعوبات في تسديد 6 مليار دينار من الديون الخارجية المستحقة خلال سنة 2016، وتجد السلطة نفسها خلال السنة الحالية ملزمة بدفع قرابة 9 مليار دينار.

فالمتابع للاقتصاد التونسي منذ الثورة حتى الآن يشاهد أنه في انحدار شديد نتيجة لسياسة الإرتماء في أحضان الصناديق الدائنة:

حيث أن متوسط نسبة النمو السنوية لم تتجاوز 1.5% , وأن نسبة البطالة لم تنخفض أقل من 15.5%  في الثلاثي الأول من سنة 2017 . حيث ثلث المعطلين عن العمل هم من أصحاب الشهائد العليا وأكثر من نصفهم فتيات. أما عن الموازنات الاقتصادية العامة فان العجز العمومي قد انزلق من 3.2%  سنة 2011 إلى 6%  سنة 2016 من الناتج المحلي الإجمالي، كما أن العجز الحالي وصل إلي نسبة 9% .

كما ارتفعت نسبة الدين العمومي من 44.6 % سنة 2011 إلى 63 % سنة 2016. وأن النصيب الأوفى منه الذي يمثل الثلثين إنما هو خارجي, ومنه الدين من الأسواق المالية العالمية وخصوصا المنظمات المالية العالمية مثل صندوق النقد الدولي والبنك العالمي والبنك الإفريقي للتنمية والاتحاد الأوروبي, علاوة على بعض الديون الثنائية الأخرى تجاه بعض الدول مثل فرنسا وألمانيا والجزائر.

وأما عن التضخم المالي, فان نسبته تتذبذب ما بين 4.5%  و 5 %, حيث كانت في حدود 3.2%  سنة 2010 كما أن نسبة الفقر النسبي وفق المعهد الوطني للإحصاء انخفضت من 20.5%  سنة 2010 إلى 15.2%  سنة 2015 بتفاوت جهوي ملحوظ.

يضاف إلى تلك المؤشرات الصعبة ما صرح به الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي من أن الإجراءات التي تضمنها قانون المالية ومنها الترفيع في الأداء علي القيمة المضافة والترفيع في أسعار الكهرباء والماء وغيره… فذلك يزيد من التضخم الذي يشهد بدوره في الفترة الأخيرة نسقا تصاعديا.

ونحن نتساءل : هل النهوض بالاقتصاد المتردي يكون من خلال مزيد التداين وعقد المؤتمرات وإطلاق المبادرات ؟؟ إن هذا الأمر خطير لأنه يتعلق بحياة الناس المعيشية.

لقد ابتلينا في تونس بحكومات ليس لديها ثقة بقدرة الإسلام على معالجة المسائل المتعلقة بالاقتصاد لانبهارهم بمدنية الغرب وتقدمه العلمي وارتهانهم لأوروبا وأمريكا وأدواتهم… فلا تسمع منهم إلا عن الاقتراض من هنا وهناك 875 مليون أورو من ألمانيا وغيرها من البنك الدولي، والبنك الإفريقي ولا نسمع إلا عن مفاوضات مع صندوق النقد الدولي الذي يملي علينا شروطا تمس حياة الناس وبخاصة الشريحة الفقيرة في البلاد وترهن مصير البلاد والعباد بين يدي أعداء الأمة.

لقد أيقن الساسة والاقتصاديون والمفكرون في العالم أن المبدأ الرأسمالي ما هو إلا نظام يحرص على مصالح الرأسماليين فيه فيملأ جيوبهم على حساب باقي الناس. كما أيقنوا أيضا عجزهم عن إيجاد حل لمثل هذه الأزمات الاقتصادية التي مر بها العالم ، بينما مازالت الحكومة عندنا ترى في هذا النظام الرأسمالي العفن سبيلا للخروج من هذه الأزمة وهو من وضعنا فيها.

إن الحل الجذري لهذه الأزمة ولغيرها من الأزمات التي تعاني منها تونس، يكمن في تطبيق نظام الإسلام وأحكامه غير منقوصة ومنها النظام الاقتصادي الإسلامي الذي فيه وحده العلاج الناجع والواقي من حدوث الأزمات الاقتصادية فهو قد منع كل مسبباتها: فمنع التعامل بسندات الدين بيعا وشراء. كما نص على أن تكون العملة من الذهب والفضة لا غير، ومنع بيع السلع من قبل أن يمتلكها المشتري، ومنع الأفراد والشركات من امتلاك ما هو داخل في الملكية العامة… وهكذا قد عالج النظام الاقتصادي في الإسلام كل اضطراب وأزمة قبل حدوثها, مما يجعل الناس يشعرون بالأمن والاطمئنان وهم يمارسون تجارتهم وأعمالهم المتعلقة بتنمية أموالهم…

“ولو أن أهل القرى امنوا و اتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء و الأرض.”

محمد علي الغرايري

CATEGORIES
TAGS
Share This