جواب سؤال: التداعيات السياسية في إقليم كتالونيا
السؤال:
نقلت بي بي سي هذا اليوم 19/10/2017م عن مكتب رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي: ( إن الحكومة ستجتمع لتفعيل البند 155 من الدستور الذي يسمح بسيطرة الحكومة المركزية على إقليم كتالونيا… وكان رئيس حكومة كتالونيا كارلس بوجديمون قد أرسل خطابا إلى الحكومة الإسبانية مهددا بأن برلمان الإقليم سيقر الاستفتاء عن إسبانيا إذا واصلت مدريد ضغوطها ورفضت الحوار.) وكان رئيس الإقليم بعد الاستفتاء في 1/10/2017م قد أعلن يوم 10/10/2017م أمام برلمان الإقليم استقلال الإقليم عن إسبانيا، ولكنه جعل التنفيذ قابلاً للحوار… فلماذا أجرى الإقليم هذا الاستفتاء رغم معارضة الدولة الإسبانية بملكها وحكومتها ومحكمتها الدستورية؟ وما هو الموقف الدولي تجاهه؟ ثم ما مدى إمكانية تنفيذ استقلال كتالونيا؟ وجزاك الله خيراً.
حتى تكون الصورة واضحة ويتبين الجواب الراجح في المسألة، فإننا نستعرض واقع كتالونيا، وتحركاتها السابقة للانفصال، ثم الاستفتاء الأخير… وبعد ذلك نذكر الموقف الدولي تجاهه… ومن ثم نبحث إمكانية تنفيذ هذا الاستفتاء:
أولاً: واقع كتالونيا التاريخي والجغرافي:
يقع الإقليم شمال شرق إسبانيا وتبلغ مساحته 32,1 ألف كيلو متر مربع أي 8% من مساحة إسبانيا، وعاصمته برشلونة، ويضم أربع مقاطعات هي برشلونة وجرندة ولاردة وطرخونة، وعدد سكانه 7,5 مليون نسمة أي حوالي 16% من سكان إسبانيا التي تتكون من 17 إقليماً يتمتع بحكم ذاتي في البلاد.
وقد أضاء الإسلام كتالونيا اعتباراً من عام 95ه أثناء الفتوحات الإسلامية للأندلس، فلما انتهى الحكم الإسلامي استمر الإقليم كياناً مستقلاً، ثم ضمته إسبانيا إليها قسراً عام 1714م ولم يرض شعب الإقليم عن ذلك، وبقي يناضل للتخلص من الاحتلال الإسباني… ودارت حرب أهلية في ثلاثينات القرن الماضي بين الحكومة المركزية وحليفتها كتالونيا ذات الحكم الذاتي كطرف، وبين جيش فرانكو كطرف آخر، وبعد انتصار الأخير قام بالتنكيل بالكتالونيين، ومنع لغتهم من أن تكون لغة رسمية في الإقليم ومنع تدريسها في المدارس وأنكر الهوية الكتالونية. وبعد سقوط نظام القمع بقيادة فرانكو نُظِّم استفتاء شعبي صوَّت الشعب فيه بنسبة 30% لصالح الدستور الإسباني الذي ينص على وحدة البلاد وحق الحكم الذاتي للقوميات والأقليات والأقاليم التي تتكون منها إسبانيا. وفي عام 1979م حصل الشعب الكتالوني مرة أخرى على حق الحكم الذاتي، وترتب عليه الاعتراف باللغتين الإسبانية والكتالونية كلغتين رسميتين في الإقليم… بعد ذلك هدأت الحركة الانفصالية الكتالونية إلى أوائل هذا القرن حيث بدأت التحركات تتصاعد بالتدريج.
ثانياً: مراحل التحركات الكتالونية الحديثة للانفصال:
1- لقد بدأت هذه التحركات عام 2006م إذ أقر قانون جديد للحكم الذاتي واستفتي عليه الشعب، وذلك من أجل توسيع صلاحيات الحكم الذاتي، وتصدر القانون تعريف كتالونيا بأنها أمة. وفي 2010 قامت المحكمة الدستورية الإسبانية بإلغاء هذا القانون فأدى إلى تظاهرات تحت شعار “نحن أمة، نحن من يقرر”. وفي تشرين الثاني عام 2012 أجري استفتاء رمزي شارك فيه 37% من مواطني الإقليم وصوتوا لصالح الاستقلال عن الدولة الإسبانية. وفي كانون الثاني عام 2015 أعلن رئيس حكومة كتالونيا أرتور ماس عن إجراء انتخابات مبكرة ذات طابع استفتائي في أيلول من العام نفسه، وقد جرت الانتخابات المبكرة وفاز التيار القومي الذي ينادي بالانفصال بأغلبية تمثلت في 72 مقعداً مقابل 63 لصالح الأحزاب الرافضة للاستقلال، وتمكنت الأغلبية البرلمانية في تشرين الثاني 2015 من إصدار قانون يعلن بدء “عملية تأسيس الدولة الكتالونية المستقلة”، وتقدمت الحكومة الإسبانية إلى المحكمة الدستورية للطعن في هذا القانون وقبلت المحكمة الطعن.
2- وفي 9/6/2017م، حيث أخذت هذه التحركات منحى أشدّ وأقوى، أعلن رئيس حكومة إقليم كتالونيا كارلس يوم 9/6/2017 أن “استفتاء عاما حول استقلال الإقليم عن إسبانيا سيجري يوم 1/10/2017 وأن الحكومة ستطرح في هذا الاستفتاء السؤال التالي: “هل تريدون أن تصبح كتالونيا (دولة) مستقلة بنظام الحكم الجمهوري؟” (نوفستي 9/6/2017). وفي اليوم التالي أعلنت الحكومة الإسبانية أنها ستعرقل أية محاولة لاستقلال كتالونيا. وفي 6/9/2017 أقر البرلمان الكتالوني قانونا يحدد فيه أسس الاستفتاء على الاستقلال للإقليم عن الدولة الإسبانية، فرد رئيس وزراء إسبانيا ماريانو راخوي قائلا: “إن الحكومة الإسبانية قد تستخدم الصلاحيات الدستورية لتعليق الحكم الذاتي في كتالونيا ومنع استقلال الإقليم عن إسبانيا” وردَّت المحكمة الدستورية الإسبانية في 8/9/2017 بوقف الاستفتاء حتى البت في دستوريته.
3- ومع ذلك فقد جرى الاستفتاء في موعده يوم 1/10/2017 فكانت النتيجة أن 90% من المقترعين “الذين بلغت نسبتهم 43% من السكان” يريدون الانفصال عن إسبانيا والاستقلال. فألقى ملك إسبانيا فليبي السادس خطابا يوم 3/10/2017 عقب إجراء الاستفتاء واصفا إياه بأنه “غير قانوني وغير ديمقراطي”، ولكن حاكم الإقليم قال: “إنه سيعلن الاستقلال نهاية هذا الأسبوع أو بداية الأسبوع المقبل”، وقال: “إن الملك رفض أداء دور الحكم الوسيط المهدئ للأمور الذي يمنحه له الدستور الإسباني” (بي بي سي 3/10/2017) ويظهر أن إسبانيا أصبحت محرجة، فلم تقدر أن تمنع عملية الاستفتاء وقامت بأعمال عرقلة مما أدى إلى جرح 893 شخصا جراء الصدامات بين قوات الأمن والمقترعين، مما أثار الرأي العام ضدها، ولهذا صارت تبحث عن سبل أخرى لعرقلة إعلان الاستقلال، فبدأت تستعمل الحرب الاقتصادية ضد الإقليم، حيث أعلنت شركات ومؤسسات مالية كبرى عن الخروج من كتالونيا حيث قرر ثالث أكبر بنك إسباني “كايشابنك” يوم 6/10/2017 نقل مقره من برشلونة عاصمة كتالونيا إلى خارجها. وأنزلت إسبانيا يوم 8/10/2017 إلى الشوارع مئات الآلاف في برشلونة من المناهضين للاستقلال لتوجد زخما شعبيا معارضا داخل كتالونيا.
4- وأعلن رئيس إقليم كتالونيا كارلس يوم 10/10/2017م أمام برلمان الإقليم الاستقلال ولكنه أرجأ تطبيقه فقال: “أقبل التفويض بضرورة أن تصبح كتالونيا دولة مستقلة في صورة جمهورية، أقترح إرجاء آثار إعلان الاستقلال لإجراء محادثات بهدف التوصل إلى حل متفق عليه”. ولكنه لم يصل إلى حد دعم صريح من البرلمان لإعلان الاستقلال. (يورو نيوز، رويترز 10/10/2017) فمعنى ذلك أنه أراد ألا يحرج نفسه بإعلان الانفصال نهائياً، لأنه يعلم أن تحقيق ذلك ليس سهلا، وترك الباب موارباً حتى يقوم بالتفاوض مع الدولة الإسبانية ويتفادى التصادم معها. وبذلك يبقى الإقليم ضمن إسبانيا، ولكن تبقى مشكلة الإقليم حية وتُنغِّص على إسبانيا وعلى الاتحاد الأوروبي، إلى أن تتهيأ الظروف ويتمكن من تحقيق الاستقلال.
29 محرم 1439هـ
19/10/2017م
———————
لقراءة باقي الجواب اضغط على الرابط التالي: