منتدى الاستثمار تونس 2017… الآفاق المسدودة
لا تزال الحكومة التونسية سائرة في برنامجها الاقتصادي على نفس النهج المرسوم لها وجعل اقتصاد البلاد تابعا وملحقا بالاقتصاد الرأسمالي دون أي مقومات ذاتية تمنحه أقل قدر من السيادة.
فبعد أوهام “قمة دوفيل 2011″ وتبخر الوعود الخيالية ب25 مليار دولار، وبعد انقضاء ملتقى باريس 15/09/2016 و”مخطط مارشال لتونس” المزعوم ووعوده بجمع 20مليار أورو على مدى خمس سنوات، وبعد الوعود التي بشر بها مؤتمر الاستثمار تونس 2020 في السنة الماضية، جاء تنظيم الدورة الحالية لـ”منتدى الاستثمار تونس 2017″ المنعقد مؤخرا ليؤكد أن السياسة الوحيدة التي يروج لها “حكام” تونس هي التسول وبيع ما تبقى من المؤسسات الاقتصادية للرأسماليين الدوليين تحت عنوان الاستثمار وتقديم كل التسهيلات القانونية والإجرائية والإعفاءات الضريبية لأجل استجلابهم بل وإغرائهم.
وبالرغم من فشل كل هذه المؤتمرات – كما هو حال المنتدى الحالي- وتبخر الوعود المتتالية في ضل أزمة الاقتصاد الرأسمالي العالمي فان إصرار الحكومات المتعاقبة على تنظيمها يؤكد عدم امتلاكها لأي مشروع اقتصادي ذاتي وأنها مجرد حكومة تصريف أعمال بعد أن قبلت طوعا أو كرها بتسليم الشأن الاقتصادي إلى القطاع الخاص امتثالا لتوصيات المؤسسات المالية الدولية، وبفتح الأسواق المحلية أمام المنتجات الأجنبية دون أي دراسة لجدواها أو لنتائجها المدمرة على المؤسسات المحلية.
إن السياسة الاقتصادية المتبعة في تونس قبل الثورة وبعدها هي سياسة نابعة من المفهوم الرأسمالي الديمقراطي الذي لا يرى في وظيفة الدولة سوى القيام ببعض المهام الأمنية والقضائية، أما رعاية شؤون الناس في معاشاتهم وتلبية حاجاتهم الأساسية فهي متروكة للتنافس الحر وقواعد اقتصاد السوق من عرض وطلب. أي متروكة للقويّ يأكل الضعيف، لذلك فلا غرابة أن يزداد الأغنياء غنى والفقراء فقرا في هذا النظام، ولا غرابة أن يستشري الفساد والمحسوبية في كافة مفاصل الدولة كما هو الحال هذه السنوات، وأن تصبح النفعية المادية والأنانية المفرطة هي القيمة السائدة في البلاد، وأن تضيق السبل بمن لا سند له من ذوي الإمكانات المحدودة حتى لا يبقى لهم من سبيل سوى الرضا بذل الحاجة أو المجازفة بالهروب عبر قوارب الموت هروبا إلى مجهول لا أحد يعرف مآلاته. وبالرغم من كل هذه النتائج الكارثية لهذه السياسة فلا نزال نرى إصرارا من الحكومة في تطبيقها بالسعي وراء استجلاب الاستثمار الأجنبي وإهمال رعاية شؤون النّاس في حاجاتهم الأساسيّة من صحة وتعليم ونقل إهمالا، بل إنّهم ساعون في فتحها للاستثمار الخاص لتصبح ميدانا واسعا للتجارة في صحّة النّاس وأمنهم وتعليمهم، والأخطر أنّ هذا الاستثمار الخاصّ سيكون تحت سيطرة كبار المرابين العالميين.
إن القضية الاقتصادية التي تعاني منها البلاد والتي تتطلب التفكير لحلها ليست قلة الأموال ولا قلة المستثمرين بل هي سوء توزيع الأموال والثروات وتركز معظمها بيد المستعمر الغربي والفتات الباقي بيد القلة المتنفذة من الأغنياء وأشباه الحكام في البلاد.
إنّنا نحتاج إلى نظام آخر رحيم بالعباد يحلّ جميع مشاكلهم بالعدل والرحمة ولقد ثبت أنّ كلّ الأنظمة الوضعيّة عاجزة عجزا عن رعاية شؤون النّاس الرّعاية الكريمة وثبت أنّ النّظام الوحيد القادر على حلّ جميع المشاكل يجب أن يكون نظاما إلاهيّا ربانيا شاملا لجميع مناحي الحياة ومنه نظام اقتصادي كفيل بحل المعضلة الاقتصادية الكبرى أمّا النظام الرأسمالي المطبق قسرا في تونس فلا يهتمّ إلا بالأغنياء والقادرين خصوصا الأجانب منهم يمنحهم القروض والتسهيلات الجبائية والإعفاءات الضريبية للمستثمرين.
إن النظام الاقتصادي الإسلامي المأخوذ من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وتقوم بتطبيقه دولة الخلافة هو الذي يُعنى بالحفاظ على ثروات البلاد وحسن توزيعها، وعدم تركز الأموال بيد الأغنياء وذلك من خلال تطبيق الأحكام الشرعية المتعلقة بأسباب التملك وكيفية التصرف فيها.
فما لم يدرك الناس والنخب أن القضية الرئيسية هي سوء توزيع الثروات والأموال وليست القضيّة قلة الاستثمارات أو نسبة النمو، فسيستمر التضليل المتعمد الذي تمارسه الحكومة وجوقتها الإعلامية، وما لم يوضع النظام الاقتصادي الإسلامي موضع التطبيق في دولة الخلافة فستستمر معاناة غالبية الناس من جور هذا النظام وآثاره المدمرة.13