صحراء دوز تنشق من تحت أقدام أهلها وبرنكو الفرنسية في قفص الاتهام

صحراء دوز تنشق من تحت أقدام أهلها وبرنكو الفرنسية في قفص الاتهام

يبدو أن الصحراء في الجنوب أبت إلا أن تكون كاشفة لكل ذي عقل ونخوة بشاعة الاستعمار ودناءة الساهرين على مصالحه من بني جلدتنا. فهاهي في الأيام الأخيرة ترفع البرقع عن جريمة قديمة متجددة وتوجه أصابع الاتهام فيها لشركات البترول هناك. حيث ظهرت في الصحراء وتحديدا في “أم لرجام” على بعد اثني عشر كيلومترا تقريبا من مدينة دوز تشققات جديدة على مساحات شاسعة، قد يُظن للوهلة الأولى أنها تشققات بسبب الجفاف ولكن أصابع الإتهام من قبل الأهالي تتجه نحو شركة بعينها وإمكانية استخدامها لتقنية استخراج ” غاز الشيست ” المدمرة للبيئة, هي شركة “بيرنكو” الفرنسية, وهي الشركة الوحيدة العاملة في تلك المنطقة, وما زاد من شكوك الأهالي وقارب على يقينهم هو استحضارهم لموقف وزيرة الطاقة عندما أثير موضوع الغاز الصخري أثناء الجلسة التفاوضية التي انعقدت مع شباب المنطقة, حيث اكتفت بنفي إسناد الدولة لمثل هذه الرخص للشركات البترولية, ولكنها عندما جوبهت بملفات ودراسات الخبراء انسحبت من الجلسة لمدة ما يقارب 90 دقيقة لتعود بعد تجاوز المتفاوضين تلك النقطة التي بقيت معلقة ودون جواب واضح وقاطع, خاصة وأنه سبق في أواخر أيام المخلوع أن ظهرت أخاديد على بعد حوالي أربعة كيلومترات من دوز, وحين بدأ الأهالي الكلام حول الموضوع سارعت شركة ” بيرنكو ” بردمها في وقت قياسي. إضافة إلى ما ورد في وثيقة البنك الإفريقي للتنمية بأن شركة “شال” قدمت طلبا رسميا إلى الحكومة التونسية في منتصف 2012 لاستغلال غاز الشيست, فيما تشير مصادر أخرى إلى أن شركة ” بيرينكو تونس “ قد شرعت فعلا في التجارب والاستغلال بالحقلين اللذين تشتغل بهما وهما حقلا ” الفرانيق ” و” الطرفة ” جنوب شط الجريد منذ  2010. وقد ثارت ثائرة المختصين والمهتمين بالموضوع  في تونس عندما بدأ الحديث عن تجارب لاستخراج غاز الشيست في القيروان سنة 2012، فيما كانت الأشغال الحقيقية تتم في الجنوب التونسي، وقد قدرت المؤسسة الأمريكية “الأبحاث الدولية المتقدمة “(ARI) أن أهم مدّخرات هذا الغاز توجد في حوض غدامس بأقصى الجنوب التونسي، وأن أول حقل لتفتيت الصخر في هذه المنطقة كان في 2010.

وفي تصريح لـ ” مصطفى عيساوي مهندس وخبير دولي في الطاقة ” نشر له بموقع ” التونسية ” الالكتروني بتاريخ 13 – 07 – 2014 نجده يرد على سؤال :

كلما صرختم بأن غاز الشيست ما يزال يستخرج في تونس كذبت السلط المعنية ووزارة الصناعة والمناجم ذلك فما هو ردك ؟ صحيح أني كنت أول من أثار موضوع الشيست يوم 19/11/2012 وقد حصلت ضجة إعلامية حقيقية سماها البعض «ثورة الشيست» وقد ركب موجة هذه الضجة كثير من الذين تحولوا في ما بعد إلى خبراء في المجال – صدفة هكذا -, وأصبح موضوع السيشت موضوعا يتكلّم فيه الجميع, كما صار محل إجماع بين المختصين على كونه مصيبة حلت بتونس وبأهلنا الذين يقطنون حول أماكن استخراج هذا الغاز المشئوم… ولعل زلازل منطقة المهدية والمنستير, ودمار رباط المنستير الذي صمد في وجه الزمن قرونا عديدة وسقوط واحات النخيل عطشا لأول مرة, وتلف الصابة قبل نضجها تعود فقط لأسباب ذات علاقة مباشرة بتكنولوجيا غاز الشيست الإجرامية. سلطة الإشراف عندما تنكر استخراج غاز الشيست تتناقض مع ما تنشره الشركات المستغلة لحقول الشيست في الفرانيق وبقال وبوجحلة وزرمدين وبقية مثلث الساحل بين القيروان وسوسة والمهدية وتتناقض تصريحات هؤلاء الذين يتسترون على جرائم هذه الشركات المطرودة من العالم مع ما توصل إليه المختصون وعديد الناشطين بعد زيارات ميدانية متكررة …هذا موضوع لا مجال للشك فيه.. وندعو إلى تكوين لجنة وطنية لمحاربة تكنولوجيا الشيست أسوة بما يجري في دول الجوار العربي والأوروبي … قبل أن تحل بنا الكارثة ونندم حيث لا ينفع الندم.”

كما تداول بعض الناشطين على اليوتيوب مقطعا بدقيقة ونصف يوثق تشققات واضحة للعيان بصحراء توزر وعنون المقطع بـ ” مخلّفات استغلال شركة ‘بيرينكو’ لغاز الشّيست بصحراء توزر “

وقد نشرت للناطق الرسمي السابق لاعتصام ” العرقوب بولحبال ” صور عديدة تظهر تشققات بالصحراء وثلاث تدوينات جاء فيها :

” ظهور تشققات جديدة على مساحات شاسعة وقد تظن للوهلة الأولى أنها تشققات بسبب الجفاف, ولكن الأمر ليس كذلك, فهذه التشققات ناتجة عن تصدع الصخرة والطبقة الطباشيرية بسبب الأعمال التي تقوم بها شركة ” بيرنكو ” لاستخراج الغاز الصخري علما وأن الشركة قد استأنفت العمل بعد فك الاعتصام بمدة, لتعود لسالف نشاطها وأكثر, وقد علمنا من مصادر مطلعة أنها تجاوزت الحد المسموح لاستغلال أنبوب الغاز وهو 20% لتصل أحيانا 70% وذلك لتعويض خسائرها مدة الاعتصام, وليست المرة الأولى التي نرى مثل هته التشققات في أماكن مشابهة “

حيث ” يوجد الغاز الصخري أو الشيست داخل الطبقات الصخرية على عمق بعيد تحت جوف الأرض ولاستخراجه يجب حفر آبار لمسافة تصل أحيانا ل 3 كلم عموديا ثم الحفر أفقيا لمسافة تصل إلى 3 كلم أخرى وذلك للوصول إلى الغاز أولا, ثم يتم ضخ كميات هائلة من المياه ممزوجة بقرابة 500 مادة من المواد الكيميائية وتسمى بالطريقة الهيدروليكية لتسهيل تفتيت الطبقة الطباشيرية, ولتيسير تسرب الغاز مما يسبب تصدع الطبقات تباعا لتصل إلى سطح الأرض ولتحدث تشققات يمكن مشاهدتها بالعين المجردة, ولنا في دوز أمثلة عديدة كسنة 2009 وسنة 2012 “.

إن صحراء دوز تعيش الكارثة تلو الاخرى, الغاز الصخري من جهة, والنفايات النووية في بير عوين والدخلة الطويلة من جهة اخرى
وقريبا فضلات تنظيف أنبوب بوشماوي وعزمهم على سكبها في بير السلطان فإلى أين يسيرون بالجهة وأهلها؟ خاصة وأن الآثار السلبية لهذه الأنشطة صارت مرئيّة للعيان مثل :

ــ السرطان عفانا وعافكم الله
ــ التليث الكبدي عافانا وعافاكم الله
ــ إسقاط الحوامل
ــ التشوهات عند الولادة
ــ تشققات في الأرض
ــ تهالك الثروة الفلاحية

كما لن تسلم الجهة من:
ــ تلوث الطبقة المائية والمياه الجوفية العميقة بمادة الارسنيك أو الزرنيخ السام
ــ هدر المياه بشكل كبير لاستخلاص الغاز أي بمعنى استنزاف الثروة المائية

مع كل هذه الشكوك التي تساور أهالي منطقة قبلي ودوز وتوزر في خصوص الأنشطة الممنهجة لتدمير بيئة العيش وصحة الناس, لم نجد للحكومات المتتابعة أي بادرة جدية ترفع بها الغموض الذي يكتنف حيثيات هذه الملفات الشائكة, فإلى متى تبقى صحراؤنا ترسل لنا الرسالة تلو الأخرى لتكشف لنا حجم استهتار مسؤولي هذا البلد بالإنسان والأرض والحياة؟ فما دامت الرأسمالية تحكمنا وما دام الاستعمار هو الذي يسيطر على مقدراتنا فلن نجد جوابا بل سيبقى الغموض يلف حياتنا بأكملها, ولن تظهر الحقائق للناس إلا ببزوغ فجر دولة العدل والرعاية التي وعد بها رب العالمين وبشر بها نبيه الأمين وإن غدا لناظره قريب.

فتحي الصغيّر

CATEGORIES
TAGS
Share This