مشروع قانون زجر الاعتداءات على الأمنيين … ضمان لأمن الأمة أم لأمن المستعمر؟
ظهرت النسخة الأولى لمشروع “زجر الاعتداءات على الأمنيين” في 2015 وكانت الذريعة وقتها الاعتداءات المتتالية التي تعرض لها الأمنيّون في تلك السنة والسنوات التي سبقتها.
وتضمّن مشروع القانون في صيغته الأولى 20 فصلا، ومنه الفصل 15 الذي جاء في نصّه: «يعاقب بالسجن مدة خمسة أعوام وبخطية قدرها خمسة وعشرون ألف دينار كل من هدّد بارتكاب جنايــة أو جنحــة في حق عون من أعـــوان القوات المسلحة أثناء مباشرته لوظيفته أو بمناسبتها أو هدّد قرينه أو أحد أصــوله أو فروعـــه أو أحدا ممن هم في كفالته قانونا، وذلك بسبب أدائه لمهامه أو لمجرد صفته. وتُضاعف العقوبة إذا كــان القصـد من التهديد إجبــار عون القوات المسلحة على القيـام بفعل من علائق وظيفتـه أو مهمّتـه أو تركـه أو علـى أن يتجـاوز سلطتـه الاعتداء على محل سكنى أمن.”
لكن المشروع سُحب بعد أن أثار موجة جدل كبيرة بسبب أحكامه المبالغ فيها. ثم بعد الاعتداء على الرائد ” رياض بروطة” رحمه الله يوم الخميس 2 نوفمبر2017 أمام مجلس النواب صباحا، أعادت بعض النقابات الأمنية إخراج ملف مشروع القانون من الأدراج وضغطت من أجل طرحه للمناقشة في البرلمان. وتدّعي النقابات الأمنيّة أنّ هذا المشروع سيكون سندا تشريعيا لهم من أجل حماية الأمنيين من الاعتداء.
وبالرجوع إلى فصول مشروع قانون زجر الاعتداءات على القوات المسلحة المتكون من 20 فصلا نجدها موزعة على 5 محاور:
المحور الأول: يتضمن أحكاما عامة حدّدت المعنيين بهذا القانون، وهم القوات المسلحة من القوات العسكرية وقوات الأمن الداخلي والديوانة، فشملت بذلك جميع الأجهزة الحاملة للسلاح باختلاف أصنافها، بعد أن كانت تخصّ في نسخته الأولى الأمنيين فقط أي الراجعين بالنظر إلى وزارة الداخلية.
المحور الثاني: تضمن 5 فصول حول العقوبات المسلطة على كل من يعتدي على أسرار الأمن الوطني وهو عنوان واسع يخوّل وزارة الدّاخليّة احتكار المعلومة، ومحاسبة كلّ من تحدّث فيها بذريعة المساس بالأمن الوطني، ولا يخفى ما سيجرّه هذا الأمر من تعتيم بل وتكميم الأفواه.
المحور الثالث: تضمن 5 فصول بعنوان الاعتداء على القوات المسلحة وعلى المقرات والمنشآت الموضوعة في تصرفها أو تحت حمايتها أو رقابتها: وهو أمر وقع حشره حشرا لأنه لا يمتّ لحماية الأمنيين بصلة خاصة وأن ما أشار إليه الفصل العاشر حول المؤسسات الموضوعة تحت حماية الأمن سيشمل الشركات الرأسمالية الاستعمارية التي تنهب ثرواتنا. وهكذا سيكون الفصل العاشر مكمّلا لأمر الباجي قايد السبسي بعسكرة مناطق إنتاج الثروة، وهنا يتّضح أنّ الحديث عن حماية الأمنيين هو غطاء لحماية مصالح الشركات النّاهبة.
المحور الرابع: تضمن 3 فصول فيها ذكر العقوبات التي تتراوح بين السجن 5 سنوات والسجن مدى الحياة وخطايا مالية مرتفعة عقوبة لأيّ تلاسن قد يحدث بين مواطن وأمنيّ، ومن هنا ينفتح الباب واسعا للأمنيين لا لحماية أنفسهم بل للهيمنة على النّاس من جديد تحت التّهديد بالعقوبة الغليظة، وهو باب يُراد به عودة سيطرة البوليس على الأجواء في البلد لتعود تونس “دويلة” بوليسيّة تحقّق “استقرارا” للنّظام الفاسد الذي لم يتغيّر وتخنق كلّ عمل لتغييره أو الإنكار عليه.
المحور الخامس: تضمن 3 فصول شملت أحكاما مختلفة في مجملها تعفي الأجهزة الأمنية من أيّة مسؤولية جزائية عند استعمالهم العنف أو السّلاح، وهو أمر فيه نية لإعطاء غطاء قانوني يحمي تجاوزات الأجهزة الأمنية مهما كانت، ما يُعَدُّ محاولة لإعادة تونس أسوأ ممّا كانت عليه أيّام بورقيبة وبن علي، ففي زمن بورقيبة وبن علي كانت الأوامر بقتل المتظاهرين تصدر شفاهيّا والأحكام القضائيّة الجائرة تُملى بتعليمات عبر الهاتف أمّا اليوم فيريدونها “قانونيّة” مكتوبة يصادق عليها “نوّاب الشّعب”.
تزعم النّقابات الأمنيّة ومن وراءها أنّ الحاجة ماسّة لهذا القانون وأنّ الغاية منه توفير غطاء قانونيّ يشعر معه الأمنيّ أنّه محميّ فينطلق في عمله غير مكبّل اليدين ممّا يُمكّنه من توفير الأمن للبلاد والعباد، هكذا يزعمون.
والسؤال: هل الاعتداء على الأمنيين وغير الأمنيين جائز حتّى يطالبون بقانون يحميهم من الاعتداء؟ مع العلم أنّ الاعتداء على الأمنيّ وغير الـأمنيّ مجرّم قانونا، فماذا يطالبون بقانون جديد؟ ولمصلحة من؟
إنّ المتمعّن في مشروع قانون “زجر الاعتداءات على الأمنيين” لا يرى فيه فصلا واحدا يحقق الضمانة والحماية لقوات الأمن، فالمعتدي على الرّائد “رياض برّوطة” ينتظر حكما بالمؤبّد أو الإعدام ومع ذلك اعتدى وقتل وصرّح أنّه لو عاد به الزّمان لعاد إلى قتل رياض، فأيّ قانون سيحمي أمثال رياض من أمثال المعتدي عليه؟ وإنّه لمن البديهيّات أنّ المجرم لا يُفكّر كثيرا في العقوبة.
ومن جهة أخرى نرى أنّ بلادنا تونس كسائر بلاد المسلمين واقعة تحت الهيمنة الغربيّة الاستعماريّة منذ استعمرتها فرنسا في القرن الــ19م إلى اليوم, والجميع يعلم أنّ فرنسا كانت تُعوّل على الحديد والنّار في إخضاع تونس وأهلها، ثمّ خرجت فرنسا ولكنّ تونس بقيت تحت الاستعمار بواسطة بورقيبة وبن علي عميلي بريطانيا، والجميع علم ورأى أنّ بورقيبة وبن علي أخضعا التونسيين لعقود طويلة بعصا البوليس وأنّ تلك العصا كانت أكثر غلظة وأشدّ سطوة ووقعا على السياسيين المعارضين، وفي المجمل فإنّ المستعمر ظلّ يُخضع تونس بواسطة عملاء له يستندون فقط إلى القوّة الغاشمة الظّالمة لإسكات أهل البلد عن استعمار بلادهم، وإنّه بعد الثورة (2011) زالت سطوة البوليس وانكسرت عصاه فما عاد العملاء الذين هم في الحكم قادرين على إخضاع النّاس وإرهابهم، وعجزوا تبعا لذلك عن تنفيذ ما يطلبه منهم ساداتهم، ومن ذلك العجز الظّاهر للحكومات المتعاقبة في إسكات شباب تونس الذي ثار من أجل أن يستردّ ثرواته من المستعمر الناهب، فكانت المحاولة الأولى حين نادى الباجي قايد السبسي منذ 2011 باستعادة هيبة الدّولة وفشلت، ثمّ جاءت الخطوة الثانية بقرار من الباجي بعسكرة مناطق الثروة، لكنّ هذا القرار يبقى منقوصا وغير ذي جدوى إلا إذا كان للبوليس سطوة وخافه النّاس، فجاءت الخطوة الثالثة بمشروع قانون “زجر الاعتداء على الأمنيين” من أجل ترهيب النّاس بالقانون وبالتّالي إخضاعهم بل إسكاتهم حتّى تتواصل الهيمنة الاستعماريّة وحتّى يُواصل العملاء خدمة أسيادهم وتركيز مصالحهم على حساب النّاس وعيشهم.
لذلك نقول: جاء هذا المشروع في سياق مفتعل لخلق غطاء قانوني يُرهب الناس ويعيد الخوف إلى قلوبهم ليضمن سلاحا أمنيا بشريا أكثر تطورا وفعالية لتمرير مشاريع الغرب المعطّلة.
ونقول للأمنيين:
- ليس المراد من هذا القانون الوضعي حمايتكم بل المراد أن تعودوا العصا الغليظة التي يضرب بها الاستعمار أبناء بلدكم. فتكونوا ظالمين من الأخسرين أعمالا تقتلون أبناء بلدكم وتضربونهم، ثمّ تحسبون أنّكم تحسنون صنعا
- أنتم مسلمون جزء من أّمّة الإسلام والاستعمار يريد أن يستعملكم. فهل ستعملون معه وهل ستكونون الأداة التي تسهّل له الهيمنة؟؟؟
- تطلبون قانونا يحميكم من أبناء بلدكم. فهل تجعلون أبناء بلدكم إلى عدوّ تتربّصون بهم ويتربّصون بكم؟
- أبناء بلدكم ليسوا أعداء لكم بل هم في أشدّ الحاجة إليكم لتحموهم.
- عدوّكم الحقيقيّ هو من استعمر بلدكم وينهبها منذ أكثر من قرن من الزّمان، عدوّكم الحقيقيّ هو من رضي أن يكون عميلا للمستعمر ويريدكم عصا في يده يضرب بها. فهل ترضون بأن تكونوا خدما لأعدائكم وأعداء أهلكم ودينكم؟؟؟
وخلاصة القول: أنّ الأجهزة الأمنية وكلّ العاملين فيها حالهم كحال الأمّة يعانون من القهر والظلم والاستغلال لصالح فئة قليلة من أصحاب المصالح الأنانيّة، وحفنة من العملاء في الحكم. ولم تسلم الأجهزة الأمنيّة فتحمّلت أوزار الطّاغية بن علي ثمّ جاءت الثورة فكانوا كبش فداء مسح المستعمر وعملاءه أيديهم وأرجلهم فيه، والآن فقد تعالت أصوات الشرفاء منهم إبّان الثورة وبدأت تحركات هنا وهناك لضمان مؤسسة تخدم حاضنتها الشعبية وليس مجرد سلاح يوجه نحو الناس الذين هم في النهاية أهلهم وإخوتهم وملاذهم، إذن لننبّه هؤلاء الشرفاء أن لا يقعوا في فخ السياقات المفتعلة للغرب وعملائه ويظلّوا حريصين على الانحياز إلى أمتهم ويعلموا أن لا ضامن لهم سوى عقيدة أمتهم ودولة الخلافة الإسلامية الراشدة التي تضمن عدم سقوط ميزان العدل.
هاجر بالحاج حسن