سيرة الرسول الكريم.. للإتباع لا للمتاجرة السياسية
لقد كثرت عند المسلمين الأوائل الأعمال والمواقف المشرفة، وقلّ عندهم الوقوف على الذكرى, بينما اختلف الأمر عندنا اليوم، فكثر الوقوف على الذكرى وقل العمل. ونحن المسلمين اليوم علينا أن ننظر إلى الذكرى من الزاوية التي تحفز المسلمين على تغيير أوضاعهم و صنع تاريخهم وتاريخ العالم أجمع.
إن أول ما يجب أن يلفت النظر إليه في هذه الذكرى أن محبة الرسول هي من أوثق عرى الإيمان، ومن أعظم درجات الدين، وهي دالة على صدق إيمان الإنسان, وأنه صلى الله عليه وآله وسلم بعثه الله ليكون لنا أسوة حسنة للاقتداء به في سيرته وأخلاقه ومعاملاته وقيادته للدعوة وسياسته لدولة الإسلام.
فالرسول صلى الله عليه وسلم عانى من اليُتم مبكرا, فقد ولد يتيما وماتت أمه وعمره ثلاث سنوات, وشهد موت معظم أبنائه في حياته, فقد مات كل أولاده من الذكور ” القاسم وعبد الله وإبراهيم, ومات من بناته ” أم كلثوم وزينب ورقية ” في حياته, إلا فاطمة الزهراء فقد توفيت بعده بست أشهر.
حمل الدعوة إلى الإسلام متحديا سافرا مؤمنا بالحق الذي يدعو إليه ، تحدى الدنيا بأكملها، ولم يحسب أي حساب لعادات أو تقاليد، أو أديان أو عقائد ، أو حكام أو سوقة ، ولم يلتفت إلى أي شيء سوى رسالة الإسلام ولاقى من الأهوال في سبيل حمل الدعوة ما تنوء بحمله الجبال, فقد كذّبه قومه واتهموه بالسحر بعد أن كان يلقب بالصادق الأمين, والقي على ظهره الشريف “سلا جزور” وهو ساجد يصلي عند البيت الحرام, وربط الحجر على بطنه من شدة الجوع أثناء الحصار في الشعب. تعرض في الطائف إلى بلاء كبير, فقد طردوه وسخروا منه وسلَّطوا عليه الصِّبيان والعبيد والسُّفهاء وضربوه بالحجارة حتَّى إنَّه – صلَّى الله عليه وسلَّم – كان لا يرفع قدَمًا، ولا يضعها، إلاَّ على الحجارة، وسالت الدِّماء من قدَميْه الشريفتين, وعندما خيّره “ملك الجبال” إِنْ شِاء أَنْ يُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ , أجابه صلَّى الله عليه وسلَّم ” بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللهُ مِنْ أَصْلابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ وَحْدَهُ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا”.
ساوموه ليفتنوه عن الدعوة إلى عقيدة التوحيد وعرضوا عليه المُلك والأموال والنساء فلم يضعف ولم يستكن, لم يعتذر بالتدرّج, ولم تكن الغاية عنده تبرر الوسيلة رغم شدة الأذى الذي يلاقيه هو و أصحابه, فرفض عروضهم وقال لعمه ” يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره أو أهلك فيه ما تركته “.
ترك مُكرها أهله وعشيرته لما لقي من قومه من الصدّ, وخرج من مكة أحب بلاد الله إلى قلبه قائلا ” أَمَا وَاللَّهِ لأَخْرُجُ مِنْكِ ، وَإِنِّي لأَعْلَمُ أَنَّكِ أَحَبُّ بِلادِ اللَّهِ إِلَيَّ وَأَكْرَمُهُ عَلَى اللَّهِ ، وَلَوْلا أَنَّ أَهْلَكِ أَخْرَجُونِي مَا خَرَجْتُ ” .
خرج إلى المدينة وأقام دولة الإسلام وأعز الله به المؤمنين و أذل بت الشرك والمشركين, حكم بالعدل والقسط فكان اعدل الناس, رفض المحاباة وساوى بين الناس أمام الشّرع , ولما كلمه أسامة ابن زيد في شأنُ المرأةِ المَخْزُوميّةِ التي سَرَقَتْ قال : “إِنَّما أَهْلَكَ الذين مِنْ قَبْلِكم أَنَّهم كانوا إِذا سَرَقَ فيهم الشَّرِيفُ تَرَكُوه، وإِذا سَرَقَ فيهم الضَّعِيفُ أقاموا عليه الحَدَّ، وايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فاطمةَ بِنْتَ محمدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَها”.
رفض الفساد المالي بكل وجوهه من رشاوى وهدايا بغير وجه حق ولم يجامل في الله أحدا فقال ” فَإِنِّي أَسْتَعْمِلُ الرَّجُلَ مِنْكُمْ عَلَى الْعَمَلِ مِمَّا وَلَّانِي اللَّهُ ، فَيَأْتِي فَيَقُولُ : هَذَا مَالُكُمْ وَهَذَا هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي ، أَفَلَا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ حَتَّى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ ، وَاللَّهِ لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ إِلَّا لَقِيَ اللَّهَ يَحْمِلُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ” . كان أكثر الناس مشورة لأصحابه وأكثرهم رحمة بالفقراء والمساكين, مات ودرعه مرهونة.
هذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي سار على نهجه الصحابة والتابعون، فَعَلا دينُ الله في الأرض وارتفعت راية الإسلام،حتى فتحوا الأندلس وطرقوا أبواب فرنسا وأسوار فينّا، وعلت أبصارهم المحيطَ غرباً وتخومَ الصين شرقاً، وأزالوا دولة الفرس وفتحوا حاضرة بيزنطة ووقفوا قبالة روما يتشوقون لفتحها، يسيرون في فتوحهم والعدل يسير معهم، لا ظُلْمَ ولا طغيان ولا استعباد، بل هدىً ونور وأمن وأمان.
فعلى من يحبه ويعتز بمولده أن يسير على خطاه, وان يكدّ في السعي إلى إقامة دولة الخلافة على المنهاج الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم, وأن يصبر على كل ما يلاقيه في سبيل ذلك مهما كانت الصعاب, وليس من محبة الرسول الكريم إقامة الاحتفالات والأناشيد التي يحضرها حكام تركوا وراء ظهورهم التشريع الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وحكموا بشرائع الغرب الرأسمالي الكافر التي عمّ بها الفقر والفساد ونهب الثروات وتشرد الشباب كما هو حاصل في بلادنا.
فإلى إتباع سنة رسولنا الكريم ندعوكم أيها المسلمون. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾
محمد مقيديش