بعد إدراج  تونس ضمن القائمة السوداء: هكذا يكافئ المُستعمِر العُملاء

بعد إدراج تونس ضمن القائمة السوداء: هكذا يكافئ المُستعمِر العُملاء

تلقت الطبقة السياسية الحاكمة في تونس من وزراء وبرلمانيين وإعلاميين وخبراء ورجال أعمال من المدافعين عن سياساتها وخياراتها صفعة من الاتحاد الاوروبي اصابتهم بالصّدمة, فقد تم ادراج تونس ضمن القائمة السوداء لما يُعرف “بالجنات الضريبية” التي لا يتعاون حكامها لتحسين تشريعاتهم في مجال التهرب الضريبي.

الصّدمة والذهول

        فقد كانت علامات الدهشة والإرتباك واضحة على رئيس الحكومة “يوسف الشاهد”  وعلى البعض من وزرائه وخبرائه أثناء تصريحاتهم الاعلامية واكتفوا بكل ذل وخنوع بالدعوة الى مراجعة هذا التصنيف وكأنه يتحدث عن خطأ مطبعي, وأصبح حالهم كحال العبد المذنب امام سيده الفظّ.

 هذا القرار الاسود كان بمثابة الفضيحة المدوية, اذ أنه يعتبر إدانة مباشرة لسياسة الدولة وعدم جدّيتها في محاربة التهرب الضريبي وضربا لمصداقيتها في محاربة تبييض الاموال وتمويل الارهاب. ويأتي هذا التصنيف الاوروبي في الوقت الذي كان حكام تونس والطبقة  السياسية الاعلامية الموالية لهم يظنون ان تبعيتهم السياسية والاقتصادية والحضارية لأوروبا ستجعل لهم حظوة ومكانة خاصة لدى قادة الاتحاد الاوروبي تمنعهم من المسّ بسُمعتهم والتشهير بهم في المحافل الدولية.

تاريخ حافل بالعمالة

          الحكام الذين تتالوا على حكم تونس كانوا ومازالوا مجرد وكلاء للمستعمر الاوروبي بعد خروج قواته العسكرية, فقد كانوا يتبعون سياسة تحافظ على مصالح الشركات الاوروبية قبل مصلحة اهل تونس فقد حافظوا على نشاط الشركات الاستعمارية التي كانت تنهب خيرات البلاد منذ ايام “البايات” كشركة  COTUSALلاستخراج الملح, ومكنوا الشركات الأوروبية من استغلال الثروات الطبيعية من غاز وبترول بشكل فاحش منذ عشرات السنين وتغاضوا عن تجاوزاتهم رغم انكشافها. كما شرّعوا القوانين الاستثمارية 1972 التي تمكن الشركات الاوروبية من استغلال اليد العاملة الرخيصة في تونس في صناعة منتجاتها, ولم تكتف بإعفائها من دفع الضرائب ومستحقات الصناديق الاجتماعية بل مكنتها من حوافز مالية من الضرائب التي يدفعها اهل البلد. وأبرموا اتفاق الشراكة مع الاتحاد الاوروبي 1995 الذي مكن الشركات الاوروبية من اكتساح الاسواق التونسية وكان من نتائجه افلاس الآلاف من المؤسسات التونسية المتوسطة والصغيرة وحرمان الميزانية العامة من موارد الرسوم الديوانية الملغاة بفعل الاتفاق. ولا تزال الحكومات المتعاقبة بعد الثورة سائرة في نفس السياسة وتوسيع اتفاق الشراكة  ليشمل الفلاحة ومعظم الخدمات.

      انهيار البنية الاقتصادية والتحول نحو “الجنّة الضريبية”

       وكان من نتائج هذه السياسة ان اصبح مع الشركات المتبقية مجرد شركات مناولة لدى الشركات الاوروبية وفقدت الدولة معظم البنوك المحلية بعد خصخصتها لفائدة البنوك الاوريبية. وازداد الاختراق الاوروبي للاقتصاد التونسي وانتشرت الشركات الاوروبية  التي تريد الانتفاع من الاعفاءات الضريبية والحوافز المالية التي تقدمها الحكومة للأوروبيين دون تدقيق في نوعية نشاطاتهم, وانتشرت الشركات الوهمية الغير مقيمة والتي هي عبارة عن صندوق بريد قار لتسجيل الشركة في تونس مع إبقاء نشاطها خارج تونس, وكل ذلك لغاية وحيدة هي التهرب من دفع المستحقات الضريبية لبلدانهم وسهولة تحويل الاموال. هذا اللانزلاق في النشاط الاقتصادي والمالي هو الذي جعل من تونس ملاذا للمتهربين من دفع الضرائب لبلدانهم ولمن يبحثون عن الضبابية في التحويلات المالية وتبييض الاموال من النشاطات المشبوهة وهي الصفات المميزة ل “الجنات الضريبية”.

الصفعة الأوروبية عندما يِؤتى العميل من مأمنه

        ما خفي على حكام تونس ان اسيادهم من الاوروبيين يعلمون بكل أنواع الفساد المستشري في البلاد, وأنهم يسمحون بهذا الفساد بالقدر الذي لا يمس مصالحهم, ولا يسمحون بأن يرتدّ على بلدانهم بنقص في الموارد الجبائية بسبب  تّهرب الشركات نحو  “الجنات الضريبية” ومنها تونس, من هنا جاء تحديد القائمة السوداء والتشهير بها للضغط عليها وعدم الاكتراث بما ينتج عن تشويه سمعتها. فمن هان على نفسه وأمته هان على الناس وعلى المستعمر.

     ولعل تصريح سفير الاتحاد الاوروبي ” باتريس برغاميني” عقب إصدار القائمة يكفي لإيضاح الموقف الاوروبي حين قال للصحفيين أن “الوقت ليس للبحث عن الاسباب التي ادت الى هذه  الوضعية ولكن ينبغي علينا التركيز فقط عن ما ينبغي فعله فورا لإخراج تونس من هذه القائمة”.

      هذه هي الوضعية التي اصبحت فيها تونس: سفير الاتحاد الاوروبي يتحدث بلغة “السيّد” الذي لا يُسأل عما يفعل وعما يقرر, وحكام تونس  في وضع “الخادم المُذنب” الذي عليه قبول الاهانة والعقاب والقيام بما يلزم لإرضاء المستعمر دون الاعتراض أو حتى السؤال. فهل بعد هذا الذل من ذل؟ وهل مازال أحد يظن بتحسن أحوالنا في ظل تبعية  تونس والأمة الاسلامية للغرب؟, وهل مازال عاقل يفكر في امكانية تغيير أحوالنا دون اقامة دولة على اساس عقيدة وحضارة الاسلام وتقطع مع كل اشكال التبعية السياسية والحضارية؟.

محمد مقيديش

CATEGORIES
TAGS
Share This