تونس الثورة وما بعدها.. سقطت كفّة الأحزاب إلا المنادي بالتحرير

تونس الثورة وما بعدها.. سقطت كفّة الأحزاب إلا المنادي بالتحرير

ثورة شعبية اندلعت أحداثها في17 ديسمبر 2010 تضامنًا مع الشاب محمد البوعزيزي الذي قام بإضرام النار في جسده في نفس اليوم تعبيرًا عن غضبه على بطالته ومصادرة العربة التي يبيع عليها من قبل عون للشرطة البلدية (وقد توفي البوعزيزي يوم الثلاثاء الموافق 4 جانفي 2011 في مستشفى بن عروس بسبب حروقه البالغة). أدى ذلك إلى اندلاع شرارة المظاهرات في يوم 18 ديسمبر 2010 وخروج آلاف التونسيين الرافضين لما اعتبروه أوضاع البطالة وعدم وجود العدالة الاجتماعية وتفاقم الفساد داخل النظام الحاكم. كما أدى إلى اندلاع مواجهات بين مئات من الشبان في منطقة سيدي بوزيد وولاية القصرين مع قوات الأمن لتنتقل الحركة الاحتجاجية من مركز الولاية إلى البلدات والمدن المجاورة كالمكناسي والرقاب وسيدي علي بن عون ومنزل بوزيان والقصرين وفريانة ونتج عن هذه المظاهرات التي شملت مدن عديدة في تونس سقوط العديد من الأرواح والجرحى من المتظاهرين نتيجة تصادمهم مع قوات الأمن، وأجبَرت الرئيس بن علي على إقالة عدد من الوزراء بينهم وزير الداخلية وتقديم وعود لمعالجة المشاكل التي نادى بحلها المتظاهرون، كما أعلن عزمه على عدم الترشح لانتخابات الرئاسة عام 2014, كما تم بعد خطابه فتح المواقع المحجوبة في تونس كاليوتيوب بعد 5 سنوات من الحَجب،. لكن الاحتجاجات توسعت وازدادت شدتها حتى وصلت إلى المباني الحكومية مما أجبر بن علي على مغادرة البلاد بشكل مفاجئ باتجاه السعودية يوم الجمعة 14 جانفي 2011 فأعلن الوزير الأول محمد الغنوشي في نفس اليوم عن توليه رئاسة الجمهورية بصفة مؤقتة وذلك بسبب تعثر أداء الرئيس لمهامه وذلك حسب الفصل 56 من الدستور، مع إعلان حالة الطوارئ وحظر التجول. لكن المجلس الدستوري قرر بعد ذلك بيوم اللجوء للفصل 57 من الدستور وإعلان شغور منصب الرئيس، وبناءً على ذلك أعلن في يوم السبت 15 جانفي 2011 عن تولي رئيس مجلس النواب فؤاد المبزع منصب رئيس الجمهورية بشكل مؤقت إلى حين إجراء انتخابات رئاسية مبكرة خلال فترة من 45 إلى 60 يومًا. وشكلت الثورة التونسية المفجر الرئيسي لسلسلة من الاحتجاجات والثورات في عدد من الدول العربية.

تونس الثورة.. كرة الثلج

مع اندلاع الثورة التونسية بدا أن المنطقة العربية مقبلة على زلزال شديد فاجأ الدول بمخابراتها واستعلاماتها ولم تكن حتى أكبر مراكز الرصد والدراسات تتوقعه، ولم يمض وقت طويل حتى تحولت الثورة التي انطلقت من تونس إلى كرة ثلج عملاقة جرفت وهددت عروشا طالما أخافت الملايين ببطشها وجبروتها، وفتحت أبوابا واسعة من الأمل لشعوب المنطقة.

فأخذت المنطقة العربية والإسلامية تمور من شرقها إلى غربها بثورات شعبية نجحت في إزاحة رؤوس النظام والموكلين على حمايته لعقود طويلة بالحديد والنار، وبقيت تكابد إلى اليوم وتغالب بطشهم، لتبدو وكأنها تولد من جديد، أو كأنما تفتح صفحة جديدة من تاريخها مختلفة تماما عما سبقها.

تونس وحزب التحرير

وعلى إثرها كُسر جمود الفكر عند شعوب العالم الإسلامي وبرزت عديد القوى العاملة على توعية الشعوب الإسلامية لإنهاضها والوصول بها الى استبانة البديل عمّا كانت تعيشه من صنك وسوء معيشة, ففي تونس مثلا ظهرت عديد الحركات والأحزاب بمنطلقات فكرية مختلفة برز بعضها نظرا لقدم وجودها قبل الثورة وخبت وميض أخرى لضعف هيكلتها وعجزها عن تقديم مشروع متكامل, فتوافق بعضها وتناحر البعض الآخر, ولكنّها اجتمعت كلها في أمر واحد ألا وهو التبعية للمعسكر الغربي المتربص, وبين هذا وذاك برز حزب التحرير بما لديه من تأصيل فكري ثبت عليه لعقود لاقى فيها شبابه ومناضلوه أمامهم كل صنوف العراقيل والتعطيل والتشويه, ورغم ذلك عاد نجمه للبروز بانفراد بين ازدحام كل تلك الأحزاب التي لا تنكر تعاملها مع من كانوا يسندون الطاغية بن علي ويؤكدون استعدادهم المتواصل لكل من يُبعد المشروع الحضاري لأهل تونس ويصرف أذهانهم عن التفكير خارج المنظومة العلمانية لتبقى سلطة القارة العجوز نافذة على البلاد, ولا يكبر طموح التونسيين في استقلال حقيقي يعزهم ويخرجهم من التبعية المغلّفة بعناوين الشراكة والصداقة الزائفة.

عاد حزب التحرير إلى الواجهة فرشّد حراك التونسيين في محطات ثورية عديدة وعمل على النهوض بمستوى الفكر الجمعي عند أهل تونس بنشاطات فكرية تجندت لرؤيتها استعلامات السلطة و”قوادوها” من محبي الارتداد إلى مربّع السمع والطاعة على مقاس عاش الملك_ مات الملك, فحيكت للحزب المكائد واشتغلت مختبرات الفبركة والتشهير والتظليل الإعلامي, وحُشّدت المنظمات الرسمية وغير الرسمية لتسليط الضوء بتقزيم هذا المنافس العنيد الذي حالما طرح مشروعه للحكم بين الناس سرى سريان الماء في جسد الضمآن. ولكن رغم كل ذلك بقي الحزب بقوة عدّته الفكرية المنفردة انفراد الإسلام بمنظومة الحكم الرشيد, ثابتا ظاهرا بما قدمه لتونس وشعبها من توجيه وترشيد ثوري جنّبها السقوط في عديد المؤامرات التي حيكت لها من خونة الداخل الذين اصطفوا أمام السفارات الغربية المفخخة, وإلى اليوم يشهد له المتابعون للمشهد السياسي التونسي بالثبات والجديّة في العمل على تصحيح مسار الثورة حتى تكون هادفة للتحرّر الكامل من الارتهان لدول التجبّر والاستعمار الغربي,

    

 

        

تونس الثورة وما بعدها..
سقطت كفّة الأحزاب إلا المنادي بالتحرير

 

CATEGORIES
TAGS
Share This