القمّة الإفريقية الثلاثون: شعارها يُدينها

القمّة الإفريقية الثلاثون: شعارها يُدينها

اختتمت القمة الأفريقية الثلاثين في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا أعمالها يوم 29\1\2018 تحت شعار” الانتصار في مكافحة الفساد: نهج مستدام نحو التحول في أفريقيا”.

فمن العنوان يفهم وضع أفريقيا أنها موضع فساد على كافة الصعد هناك عمليات نهب واستنزاف لثرواتها فلا توجد فيها أولا دول بمفهوم الدولة فهي عصابات تستولي على الحكم وتنهب البلد متعاونة مع الدول الاستعمارية فالإنسان لا قيمة له، والرعاية مفقودة، ولا توجد فكرة قائمة عليها الدولة تقوم بالإلتزام بها وتطبيقها. فهي دول شكلتها الدول الاستعمارية الأوروبية مضطرة لتغيير شكل استعمارها عندما شنت أمريكا والاتحاد السوفياتي آنذاك حملة ضد تلك الدول الاستعمارية القديمة في محاولة من هاتين الدولتين لتحل محل الدول الاستعمارية القديمة في الاستعمار والنفوذ. فإذن هي ليست في الحقيقة دولا وإنما مستعمرات بأشكال جديدة.

فقد ذكرت ” اللجنة الاقتصادية لأفريقيا” في تقريرها لعام 2016 أن ” غياب حكامة جيدة في أفريقيا ولدت مؤسسات هشة وضعيفة، وخلقت توازنا للسلطة غير مكتمل، ناهيك عن الأطر القانونية والتنظيمية غير الفعالة، وآليات تنفيذ غير مجدية”.

فقد أقيمت في أفريقيا 54 دولة ويبلغ سكانها أكثر من 1200 مليون. فهي تفتقد لكل مقاييس الدول ومعايير النزاهة والشفافية والحكامة في التدبير واحترام حقوق الرعية وتفتقد لقيادات حاكمة تكون قدوة في العدل والإخلاص والتفاني في خدمة الرعية وبناء البلد، وتفتقر إلى سياسات وبرامج مشاريع جادة. فالحكام يعملون كخدم أو عبيد أو على الأكثر كموظفين لدى الدول الاستعمارية أمريكا وبريطانيا وفرنسا ينفذون سياساتها الاستعمارية ويفتحون الباب على مصرعيه لشركات هذه الدول الناهبة لثروات أفريقيا تحت مسمى الاستثمار. ولا يتركون شيئا يذكر للشعوب ولا للبناء في البلد ولا لرعاية الناس. وإنما تمنح هذه الشركات بعض ما تنتجه من ثروات البلاد لهؤلاء الحكام. ولذلك فالفساد مستشري في هذه البلاد إلى أبعد الحدود. فالحكام وأقاربهم وحاشيتهم ومن لف لفيفهم يستأثرون بما تتركه لهم هذه الشركات من نتف بالإضافة إلى جمع الضرائب وأخذ المكوس بغير حق من الناس والرشى والاختلاس.

فواقع أفريقيا مؤلم جدا، لا يمكن إصلاحه، والشعار الذي طرحته وهو عنوان القمة غامض جدا: “الانتصار في مكافحة الفساد: نهج مستدام نحو التحول في أفريقيا”، فكيف يحصل الانتصار في مكافحة الفساد فلم يبين أي شيء من ذلك؟! وما هو النهج المستدام؟! فلم تحدد نقاط ولم توضع حلول ولا معالجات ولا كيفيات ولا آليات. ونحو ماذا يجري التحول؟! حتى أن أس المشاكل لم تحدد! ولهذا فهي قمم ومؤتمرات لا تغني ولا تسمن من جوع. بل تكون لغايات سياسية لخدمة دول استعمارية معينة، يتنافس العملاء على طرحها والدفاع عنها، وليس لمحاربة الفساد ولا للبناء والتقدم والتفكير في الرعية. والدليل على ذلك أنها القمة الثلاثين ولم يحصل أي تغير في أفريقيا، والأنظمة الفاسدة ما زالت قائمة وحال البلاد يرثى لها حيث ينطق بذلك عنوان القمة.

        ودليل آخر على ذلك أن البيان الختامي للقمة لم يتطرق إلى إدانة تصريحات ترامب الذي وصف فيها الدول الإفريقية ببؤر الحثالة. فهو تصريح من مستعمر متعجرف يرى الناس عبيدا، وهو تعبير عن سياسة أمريكا المتغطرسة والمستكبرة، فهي تسرق ثروات الشعوب وتستعبدها وتنشر بينها الأمراض وحول دون تقدمها ومثم تصفها بالحثالة! وذلك لوجود تأثير أمريكي عليهم منعهم من أن ينطقوا في القمة بأية إدانة لهذا المستعمر المتغطرس. ومن ثم خوفهم من أن تحاسبهم أمريكا على إدانتهم لها.

   والدليل على أنها تهتم بالنواحي السياسية لصالح دول استعمارية وليس بمحاربة الفساد هو بحثها لمواضيع سياسية وتركيزها عليها، منها مسألة الصحراء المغربية. وهذا ما يهم الاستعمار الأمريكي، فقد صادقت القمة على الفقرة رقم 15 من تقرير مجلس السلم والأمن إذ أعرب الاتحاد الإفريقي تأييده لاستئناف التفاوض بين المغرب وجبهة البوليساريو للوصول إلى تسوية دائمة للملف تتماشى ومبادئ الأمم المتحدة والإتحاد الإفريقي، مجددا الدعوة للطرفين للإنخراط بدون شروط مسبقة في مفاوضات مباشرة وجدية بمساهمة الأمم المتحدة والإتحاد الإفريقي لتنظيم استفتاء حر ونزيه لتقرير مصير ” الشعب الصحراوي”. وهذا نوع من الضغط على المغرب حتى يخضع للخطط الأمريكية القاضية بفصل الصحراء عن المغرب وكذلك الضغط على النظام في المغرب ليتحول من عمالة بريطانيا لعمالة أمريكا.

وكانت المغرب قد غادر الاتحاد الأفريقي وكان اسمه منظمة الوحدة الإفريقية يوم اعترفت كثير من دوله عام 1984 بالجمهورية العربية الصحراوية وبالبوليساريو قبلتها عضوا في المنظمة. ولكن سحبت 36 دولة اعترافها بهذه الجمهورية ، وبقيت عشر دول تعترف بها. وقد قدم المغرب يوم 17\7\2016 طلبا للعودة إلى الاتحاد الأفريقي وقبل طلبه. ولكن المغرب شارك في هذه القمة بجانب الجمهورية العربية الصحراوية الوهمية كما يطلق عليها.

إن سبب عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي كما يظهر للعب دور في أفريقيا لصالح بريطانيا بعد تكثيف أمريكا حملتها على مناطق النفوذ الأوروبي في أفريقيا. وهذا يظهر عندما حصل تقارب سياسي بينه وبين الجزائر عام 2016 حيث زار وفد مغربي الجزائر يوم 16\7\2016 لتكثيف التعاون الأمني بينهما بدعوى مواجهة تهديدات “الإرهاب”. وقد رحبت فرنسا يوم 19\7\2016 بعودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي للتنسيق والتعاون في مواجهة “الإرهاب”! وقام الملك ببعض الزيارات للدول الأفريقية لتعزيز التعاون الإنجليزي الفرنسي في مواجهة الهجمة الأمريكية. فزار كلا من رواندا وتنزانيا وأثيوبيا واجتمع مع رؤساء هذه الدول في تشرين الأول\أكتوبر عام 2016. ولفت انتباه مراقبين توجه ملك المغرب نحو ” مستعمرات إنجليزية سابقة” وعللوها لنشر الثقافية  الدينية الوسطية! ولكن التعليل الصحيح هو خدمة الاستعمار الإنجليزي القديم الذي يتعرض في المنطقة لحملة شرسة عليه من قبل أمريكا، حيث باتت بريطانيا تفقد نفوذها في العديد من دول شرق أفريقيا. ومن ثم قام بزيارة السنغال ومدغشقر ونيجيريا في تشرين الثاني عام 2016. وقام ملك المغرب بزيارة عدة دول أفريقيا في شباط عام 2017، إذ زار الغابون وجنوب أفريقيا وغانا وزامبيا ومالي وكينيا وساحل العاج وغينيا، منها مستعمرات إنجليزية سابقة ومنها مستعمرات فرنسية سابقة. وقد بدأ يتحرك ملك المغرب في الأعوام الأخيرة في أفريقيا ويركز نشاطه فيها لمواجهة تغلغل النفوذ الأمريكي فيها، حيث بدأت أمريكا تركز على أخذ أفريقيا، وقد أنشأت قوة عسكرية للتدخل في أفريقيا عام 2007 تحت اسم أفريكوم وبدأت تقيم القواعد العسكرية فيها وتعزز العلاقات الأمنية والعسكرية مع دول أفريقيا لبسط نفوذها وتأمين استعمارها.

إن مشكلة أفريقيا هي الاستعمار. فالصراع الدولي محتد على أشده، فالدول الاستعمارية لا تقيم وزنا للإنسان، فهي تدمره وتدمر بلاده، حتى أنها لا تهتم كثيرا بنشر مبدئها بقدر ما تحرص على الاستعمار، ولا تريد للدول أن تنهض على أساس مبدئها الرأسمالي، فتسعى لفرض مبدئها هذا على أنظمة الحكم وعلى المجتمع لفرض الهيمنة الفكرية والثقافية الغربية ولربطها سياسيا بها، والهدف تسهيل عملية الاستعمار.  فالاستعمار هدفها أولا وآخرا. والدليل على ذلك أن الدول الغربية منذ أكثر من قرن ونصف وهي تستعمر دول أفريقيا وتفرض عليها ثقافتها وفكرها ولكن لم تتحقق في هذه الدول أية نهضة ولم يحصل أي تقدم.

فحل مشكلة أفريقيا يبدأ بإزالة الهيمنة الفكرية والثقافية الغربية المفروضة على الشعوب، فيجب محاربة الأفكار الغربية ونشر الثقافة والأفكار الإسلامية بجانب الكفاح السياسي ضد الأنظمة العميلة التي تحافظ على المنظومة الفكرية والثقافية الغربية وتحرص عليها وتطبيق الأنظمة السياسية الغربية والدساتير والقوانين الغربية، وفضح السياسات الاستعمارية وكشفها وتحريض الشعوب عليها وعلى العملاء. إذ أنها تجعل الشعوب أسارى الفكر الغربي وخاضعين للأنظمة العميلة، فلا يدرون كيف يعالجون مشاكلهم ولا كيف يتخلصون من الفساد المستشري، وفي هذه الحال فمن باب أولى ألا يفقهوا كيفية النهضة والتقدم، ولا يمكن أن يتأتى ذلك عن طريق أحزاب تتبنى الأفكار الغربية من علمانية وديمقراطية وحريات عامة وقومية ووطنية وأنظمة ودساتير وقوانين غربية، لأنها جزء من المشكلة.

فطريق الخلاص والنهضة والتقدم لا يمكن أن تحصل إلا بتحرير البلاد والعباد من آفة المنظومة الفكرية والثقافة الغربية السامة والتبعية السياسية للغرب ومن كل مخلفاته الاستعمارية وبراثنه وأتباعه، ولا يمكن أن يقوم بذلك إلا حزب تحرير إسلامي سياسي عقائدي، لديه التصور الواضح للمشكلة ولكيفية معالجتها ولديه المعالجات الإسلامية ولديه القدرة والشجاعة على الصراع الفكري والكفاح السياسي وكشف خطط الاستعمار ومحاربته وفضح عمله. وهذا الحزب هو أمل البشرية للتخلص من الاستعمار ومن المبدأ الرأسمالي الإجرامي الذي يشيع الفحشاء والرذيلة والفساد والخراب والأمراض في البلاد.

وصدق الله العظيم عندما قال ” ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد”.

بقلم: أسعد منصور

CATEGORIES
TAGS
Share This