تتجه الدولة الفاشلة الى مصيرها المحتوم في نزع القناع الديمقراطي, بعد أن أخفقت في احتواء الوعي الشعبي المتزايد بعجزها عن حكم البلاد, وأصبحت لا تجد مفرا من العودة الى الاساليب القمعية المباشرة التي تربت عليها عشرات السنين, بعد أن أصبح الالتزام بآليات النظام الديمقراطي في المجال العام و الخاص عائقا اما سيطرة وتسلط الطبقة الحاكمة وخدمة “المسئول الكبير” ونفوذه ومصالحه المتعددة في تونس.
فما شهدته تونس خلال الاسابيع الاخيرة هو انكشاف الوجه الاستبدادي القبيح لنظام حاول التخفي وراء ستار شفاف من الشعارات الديمقراطية الكاذبة, ولم يفلح هذا التصنع على الصمود امام الرغبة الشعبية الجامحة في محاسبة استشراء الفساد وحق الامة في التعبير عن مواقفها وطموحاتها الاسلامية والكشف عن التبعية الاستعمارية للغرب. وعملا بالمثل الشعبي المعروف ” كسكسلو يرجع لأصلو” تتالت الأحداث بشكل متسارع وتعددت الإيقافات والمحاكمات, وعادت الجوقة الاعلامية القديمة الى سالف عادتها.
القمع باسم دولة القانون
فقد أصبحت بعض الأجهزة الأمنية والقضائية منخرطة في ملاحقة وإرهاب من يقوم بالكشف عن شبكات الفساد خصوصا حين يكون الأمر متعلقا بالدائرة المحيطة برجال السلطة, وأصبح القطب القضائي المكلف بقضايا الإرهاب يتناول ملفات تهم طالبات كتبن “تدوينات” على مواقع التواصل الاجتماعي, وتزداد شراسة المداهمة وتفتيش المنازل وتتم الإيقافات بالجملة كلما كان المتهم ذو اتجاه سياسي إسلامي ظاهر وكلما كان حامل دعوة إلى تحرير البلاد من الروابط الاستعمارية وإلى استئناف الحياة الإسلامية ودولة الخلافة وهذا ما حصل يوم الجمعة الماضي أمام محكمة المنستير.
وأصبحت شرطة الحدود تضع القوائم وتمارس الفرز الفكري والسياسي في المطارات , فتحرّم دخول الى تونس على كل زائر معروف بمواقفه السياسية الإسلامية بينما تُفتح البوابات وتُقدم التسهيلات للصهاينة من كيان يهود كي يؤدوا طقوسهم في جربة تحت حراسة الامن والجيش وبمشاركة بعض النواب في البرلمان. بهذه العقيدة الامنية منعت شرطة الحدود المهندس “اسماعيل الوحواح” – ابن فلسطين – من الدخول إلى تونس وأجبرته على العودة على نفس الطائرة لأنه من المكتب الاعلامي لحزب التحرير في استراليا.
هذا ما يحصل من السلطات الامنية التابعة لوزارة الداخلية التي تظاهر امامها الآلاف من الناس ذات 14 جانفي 2011 باعتبارها رمزا للقمع والفساد زمن وكلاء الاستعمار من “بورقيبة” الى “بن علي” , والتي قبل الشعب التونسي اعتذارات ودموع الكثير من موظفيها بعد رحيل المخلوع.
إعلام ما قبل الثورة
أما وسائل الإعلام والتي يملك أكثرها رجال اعمال ترتبط مصالحهم بالسلطة الحاكمة وبالتبعية الاقتصادية للغرب, فقد أغمض الكثير منهم أعينهم , وانعقدت السنتهم عن كل هذه الاحداث وهم الذين يعتبرون انفسهم “محرار” حرية التعبير في البلاد, وأشغلوا أنفسهم بمتابعة الوضع الاقتصادي الكارثي بعد أن تبنوا تسويق سياسة الاصلاحات الكبرى التي يعتزم “يوسف الشاهد” تنفيذها والتي في حقيقتها ليست سوى استجابة لشروط صندوق النقد الدولي بعد تسويق تلك الشروط على انها قرارات ذاتية داخلية.
لقد كنا محقين حين توقعنا إهمال الاعلام الرسمي والتجاري لموضوع اعتقال التلميذة “رحمة سويسي” ذات السبعة عشر ربيعا وإحالتها من على قطب الارهاب من أجل تدوينة على الفيسبوك,أو اعتقال “سارة” وأمها وأهلها في المنستير, فعندما يتعلق الأمر بأصحاب التيار الاسلامي وخصوصا من حزب التحرير لا حديث الانتهاكات ولا عن حقوق الإنسان, أما لو كانت المعتقلات من العلمانيات او جماعات التعرّي او المجاهرة بالإفطار في رمضان عندها لكان لهذه الوسائل الاعلامية موقفا آخر ولأُقيمت الجلسات الحوارية وكتب العناوين الكبرى في الصحافة ولتدخلت الجماعات النسوية والمحلية والعالمية لأجلهن.
كذلك عندما تحاول أي جهة الكشف عن الروابط الاستعمارية المستمرة منذ اتفاقيات الاستقلال المزعوم تنتفض وسائل الاعلام العمومية والخاصة لتشويه هذه الجهة وللنيل من مصداقيتها, وبهذه المناسبة نتبيّن حجم الاثر الذي أحدثه الرشاوى التي قُدّمت للعديد من وسائل الاعلام وللكثير من منظمات المجتمع المدني من طرف السفير الفرنسي وسفير الاتحاد الاوروبي حتى تُجنّد هذه الوسائل في مثل هذه الايام للتشكيك في الوثائق التي نشرتها “هيئة الحقيقة والكرامة” ولحماية صورة فرنسا ونفوذها في تونس.
عندما تقوم أي دولة بتطبيق قناعات ومفاهيم أمة أخرى مناقضة لعقيدة الامة الاسلامية وحضارتها وعندما تعمل اجهزة تلك الدولة على فرض تلك المفاهيم بالقوة فرضا وعندما تكون تلك الاجهزة مخترقة بالمال والنفوذ الأجنبي فمعنى هذا ان هذه الدولة لا تملك السيادة الحقيقية وأنها دولة وظيفية. لذا وجب على جميع المخلصين ان يعملوا على نجدة امتهم بإيجاد الكيان الحقيقي الذي يحفظ للأمة سيادتها ويحافظ على هويتها وحضارتها الاسلامية.