قال ” المؤرخ ” خالد عبيد في برنامج ميدي شو اليوم الإثنين 09 أفريل 2018 “إنّ استقلال تونس لم يأت بالمفاوضات بل انتزع انتزاعا بدماء أجدادنا”, وتدخل معه حينها المؤرخ لطفي عيسى الذي قال أيضا أنّ المفاوضات كانت مع فرنسا ولكن بعد كفاح مسلح, وكانت الحلقة تعليقا على ما حصل في مؤسسة التميمي من مناقشة تاريخ تونس الحديث خاصة ما يسمى بالاستقلال. كما أشار المذيع بن عكاشة أنّه شخصيا لا يعرف أحدا من المجتمعين في مؤسسة التميمي.
التّعليق:
طبعا هذا التناقض بين المؤرخين بين معترف بأن هنالك مفاوضات وبين ناف ذلك ساعيا لإخراج بورقيبة في صورة “زعيم” قد جاء الإستقلال بالدّماء ودون مفاوضات ولا سلميات, أمر غير مستغرب, فمنسوب الصّدق يرتفع وينخفض حسب النزاهة والموضوعية ، ولكن هنا أذكّر الأستاذ خالد عبيد بشهادة جون دانيال الصحفي الفرنسي صاحب صحيفة نوفال أوبسارفاتور الذي كان حاضرا تقريبا كل جوانب لقاء بورقيبة ومنداس فرانس رئيس الحكومة الفرنسية آنذاك والذي تمّ فيه ” الإتّفاق ” و ” التّفاهم ” حول منح تونس الإستقلال ” السّلمي ” وكان ذلك اللقاء في صائفة 1954 بتونس، حيث يضيف الصحفي المشهور أنّ بورقيبة قد كان يتردد كثيرا على باريس في 1952وعليه أقول للأستاذ : بعض الأمانة والعدالة في النقل رجاء.. واضح أنّ السيد خالد عبيد يخفي جزء من الحقيقة وقد كشف أنّه مطلع على وثائق نهب الثروات إذ كان على حدّ تعبيره ‘غاطس’ في الأرشيف الوطني منذ 1988 فأخفى ما أبدته هيئة الحقيقة والكرامة وخاصة ما وقع تداوله في مؤسسة التميمي وبالتالي فهو يقرّ على نفسه بكونه قد اعتدى على جزء من الحقيقة التاريخية ويخشى أن توضع ” دولة الإستقلال ” في ميزان التاريخ وميزان الحق وبذلك يكون آخر صرح من صروح الحداثة والإرث البورقيبي في محلّ المساءلة والمراجعة وذلك قد لا يروق للمدعو خالد عبيد وبالتالي لا يجوز لمثقفين يمشون في الأرض مرحا ويختالون بلقب المؤرخ ويحتكرون التاريخ وفهم التاريخ, ومسكونون بالخوف من ضياع ما يسمى دولة الإستقلال فيكونوا بلا ركيزة فكرية ولا هوية رغم أنّهم من خير أمة, إذ حينها يصبح مشروع ما يسمى بالدولة الوطنية الحديثة فاقدا لعموده الفقري وهو وثيقته, وخالٍ من أي مشروعية تمكّنهم من إدّعاء السيادة والاستقلالية ويعجزون عن الإنكار على غيرهم ممن يقول إنّ البلاد مختطفة..
لا يجوز لهؤلاء أن يكونوا خصماء الحقيقة وأن يصنعوا لفكرهم سجنا بلا مفاتيح حتّى إذا هدمت نافذة السجن جعلوا فيها مكيفا لتحسين ظروف التبعيّة عوض التحرّر من قوالب محاطة بسياج الجبن المعرفي. لاحظت كثيرا من التعالي من قبل المؤرخ خالد عبيد, حيث اتهم الحاضرين في مؤسسة التميمي أنهم غير مختصين في التاريخ… _طبعا فهؤلاء ليسوا من الـ 60 المؤرخين الذي اختارهم الرّئيس .. فالحاضرون هناك غير معترف بهم ماداموا ليسوا من ‘ مؤرخي الدّولة ‘_, واتهم الجميع بأن هؤلاء يسعون لتفتيت الوطن.. ليبقى الغموض ونبقى واقفين على أرضية فكرية وتاريخية رخوة كما هو الشأن ما بعد الثورة, حيث السياسة المعتمدة هي “الهروب إلى الأمام”, وفي النّهاية لا بدّ – حسب رأيي – من إعادة صياغة للرواية التقليدية لتاريخ تونس وحقيقة “دولة الإستقلال” حول ما حدث قبيل خرج العسكري الفرنسي ، وأنّنا في ذمّة ثورة تفتح المساحة شاسعا لنكتب رواية جماعية تحقيقية جديدة من خلال سلسلة لقاءات بين الخبراء والمؤرخين والمهتمين الكل دون إستثناء .. ولكن دون عقد ولا خلفيات ‘ صنميّة ‘ تجعل من المنكر معروفا ومن المعروف منكرا دون تقديم حقائق قبل البحث دون تأويل التّاريخ ليوافق السّياسة والحكّام.
فلنكتب تاريخ تونس من جديد ولا نقفز على الزّمن بل فلنسافر عبره.. من أجلنا ومن أجل الأجيال القادمة وقبل ذلك وفاء للحقيقة وقبل كلّ هذا من أجل شهادة حقّ أمام الله.