حدّد السبسي بزعمه، منتهى الأفق الذي يرنو أهل تونس إلى تحقيقه بقوله: “الزعيم الراحل بورقيبة كان يؤمن بأنّ مستقبل تونس مرتبط بتحرير المرأة، وتونس اليوم تتجه نحو تحقيق الغاية الكبرى بإرساء المساواة بين المرأة والرجل في مختلف المجالات”. فإذا كان الكمال الذي يسعى إليه ” كبير القوم ” عند حدود محادّة الله في شرعه وما ارتضاه لعباده، فلا غرابة أن يترك شرطي هذا النظام ” عمر العبيدي ” يغرق في مياه الصرف الصحي وهو يستنجد به أنه لا يحسن السباحة فيهزأ به قائلا ” تعلّم عوم ” وهي العبارة التي ذهبت “هاشتاقا ” يتداوله المبحرون في وسائل الإتصال الإلكتروني العالمية تعبيرا على الدّرك المتدني الذي نزل إليه المتسلّطون على رقاب الناس في بلادنا، إنكارا عليهم وسخرية بهم. أو أن تعمد المعلمة النائبة ” فوزية الطالبي “إلى سكب كمية من البنزين على جسدها وإضرام النار فيه أمام مقر المندوبية الجهوية للتعليم احتجاجا على وضعها الإجتماعي لتهلك حرقا بالنار والباجي يمنيها بميراث كميراث أخيها الذي يبكيها اليوم دما.
ولا غرابة أن يكون مستوى عيش الناس الذين تسوسهم مثل هذه الزمرة بأفقها هذا، وبهذا التدنّي المروّع وبهذا الضنك المزري بالكرامة البشرية، وأن تكون ظروف التعليم التي يحياها تلاميذنا وطلبتنا بمثل هذا الإضطراب، وأن يبلغ العبث بالصحة العامة، على مستوى البنى التحتية والتجهيز والأدوية و الإطارات الطبيّة وشبه الطبيّة التي هجرت في معظمها البلد إلى البلدان الأخرى التي تتوفر على مناخ سليم للعمل، حدود الخطر خاصة وأن قطاع الصحة مع التعليم يعدّ من أهم المقاييس التي تعتمد لتقييم مدى تقدم الدول وتطورها.
ولا غرابة أن تمكّن الشركات الأجنبية الناهبة من نهب ثروات البلاد في مجال المحروقات والموارد المنجمية والملح والرخام.. تحت سمع وبصر الحكام مع الإصرار على مزيد إغراق البلاد بالقروض الأجنبية وما تجره من ارتهان لقوى الهيمنة العالمية.
وفي الوقت الذي تبلغ فيه معدلات الإنتحار في تونس أرقاما مفزعة احتجاجا على الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية والنفسية المتردية التي جرتها عليهم السياسة المفروضة عليهم جراء هذا النظام الوضعي العلماني المنفذ عليهم بالحديد والنار منذ أن وطئت أحذية الجندي الفرنسي المستعمر أرضنا المسلمة الطاهرة بتخاذل الحكام حينها ومعونة الخونة منّا وإلى يوم الناس، هذا نجد رأس السلطة يفخر أن النساء في تونس تمثلن 60 بالمائة من حاملي الشهادات العليا و45 بالمائة من القضاة و60 بالمائة من الأطباء، وكأن الموضع موضع فخر وهو يرى تدني نسب الرجال الذين يحكمهم،في مختلف القطاعات، بفعل سياسته وسياسة الهالك بورقيبة الذي اتخذه سلفا ومثلا، وهجران طاقات البلاد البشرية لها فرارا منها وطمعا في أرض قد توفر ملاذا وأمنا. فقد صدق الشاعر حين قال:
إذا كان الغراب دليل قوم .. سيهديهم إلى دار الخراب
لم يكف بورقيبة إثم ما اقترفت يداه وما جرّه على الناس من أوزار في حربه على أحكام الله بإبعادها عن الحياة وفرضه أحكام ومعالجات فصل الدين عن الدولة والمجتمع ولم يكفه الإضطراب الفكري الذي زرعه فيهم انبهارا بالغرب الكافر وسلخا لهم عن عقيدتهم وثقافتهم، وقد رُدّ إلى ما أسلف، ليتبعه الباجي بأوزار تلحقه وهو في قبره في ذكرى هلاكه حين زاره في المنستير مستجديا من أهلها تأييدا ومواربة لفشل مطلق لمرحلة حكم عجز أن يقدم فيها إنجازا واحدا يذكر له، فلم يجد إلّا موضوع المرأة، يتمسح على فصوله، يجاري فيه بعض المضبوعين بالثقافة الغربية وإرضاء لتيار علماني ساد ردحا من الزمن الساحة الدولية وبدأت مرحلة أفوله تتضح لكلّ ذي بصيرة حتى أن القائمين عليه أصبحت تصرفاتهم يغلب عليها الإرتباك والتخبّط، أمام هبة الوعي والصحوة التي أصبحت عليها أمة الإسلام بل وبدأت تطال أغلب شعوب الأرض. وبهذا حمّل السبسي مثله الأعلى في الحياة وزرا هو اليوم في غنى عنه. إلا أنه غفل عمن سبقه في الحرب على الله وشرعه وما آل إليه مصيرهم وقد نادى من نادى قبله ” مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَاد ” فكان عاقبته أن كان من المغرقين.
يظهر أن السبسي حريص على الظهور في صورة المؤثر في الأحداث ويسعى أن تكون له بصمة في تاريخ هذه البلاد مزاحمة منه لمعلمه وخضوعا لبطانة أحاطت به وزيّنت له كبر ما أقدم عليه استخفافا بأحكام الله وهو يعلم علم اليقين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا ، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ . وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا ، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ”.
و يظهر، أيضا، أنه عمد إلى اتخاذ هذا الموقف واقتراف هذا المنكر العظيم ركونا إلى الضغوط الخارجية وأن المرحلة السياسية والحنكة تحتم ذلك بما أن ريح الغلبة تنفخ في شراع العلمانية فأراد أن يركب سفينتها وهو غافل عن عيوبها التي لا تكاد تخفي على من كانت له بصيرة بالحياة وأن الحضارة التي يريد أن يستبدلها بالحضارة الإسلامية ومعالجاتها الشرعية هي في طور الأفول وأن حبلها أقصر مما يظن الجهلة والغافلون إلّا أنه استخف قوما فأطاعوه، أو استخفوه فأطاعهم، إلّا أن في الأمة وعيا وبصرا سيحبط هذا المكر ، وللأيام صروف، ولكن من يغفل عن حكمة الله وقدرته لا يعي تقلباتها فيظلم نفسه ويتعدى ” وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ “.
إلّا أن السبسي أساء إلى مثله الأعلى بورقيبة بأن أضاف إليه عبء محادة الله ورسوله حين أراد أن يعلمه أنه على دربه وخطاه سائر وهو يبشره حين زاره بأنف متم رسالة السّوء التي بدأها في حياته، وهو أخطأ موعده تع التاريخ حين أراد أن يسجل له عملا يحمد عليه فأخطأ المحطة.
أم أن الحرص على الفوز بالانتخابات يستحق أن يكون ثمنه معصية الله؟