حكومة ” الشاهد” تتسوّل عند “معبد الغريبة”

حكومة ” الشاهد” تتسوّل عند “معبد الغريبة”

         لم تكف الحشود الأمنية المنتشرة في جزيرة جربة لإظهار مدى الاهتمام والحرص الحكومي على نجاح زيارة الغريبة, ولم تكف التغطية الإعلامية المتميزة لهذه المناسبة, والتي أصبح الإعلام البنفسجي يستخدم لها لفظ  “الحج” لزيادة أهميتها,على طريقة أن تكون “ملكيا أكثر من الملك”, فكان لابد أن يتقاطر الوزراء وكبار المسئولون على هذا الموسم الذي أصبح سياسيا أكثر منه سياحيا.    

          هكذا وصلت قوافل الوزراء والمسئولين من  وزير الداخلية إلى وزيرة السياحة ورئيس الحكومة لاستقبال أكثر من ستة آلاف من يهود الخارج, وهو ما يمثل أكثر من  ثلاثة أضعاف يهود جربة, جزء كبير منهم من حاملي الجوازات الإسرائيلية. وقد وضعت الحكومة كل الإمكانيات المتاحة للسهر على راحتهم وتوفير كل الضمانات لحسن سير شعائرهم. وقد تم الإعلان عن إنجاز مشروع  لتحلية مياه البحر لأول مرة من أجلهم. كما أقيمت ندوة فكرية وسياسية دولية حول حوار الأديان, أعلن خلالها  “يوسف الشاهد” أن  “لا تضارب بين الإسلام والديمقراطية”.

النموذج الحضاري الإسلامي واستيعاب الأديان

          ليس الغرض من كتابة هذه الكلمات هو رفض وجود غير المسلمين من الديانات الأخرى بيننا, فالتاريخ يشهد أن النظام السياسي الإسلامي هو أكثر أنظمة الكون قدرة على استيعاب أصحاب الديانات والقوميات المختلفة داخل كيانه, بل إن دولة الخلافة الإسلامية كانت الملاذ الذي احتمي به الكثير من اليهود حين طردوا مع المسلمين من الأندلس زمن محاكم التفتيش. ونفس الأمر حصل من قبل مع النصارى, فقد كان المسيحيون الارثودكس من أقباط مصر أقلية, وكانوا مضطهدين من الكاثوليك وكادوا ينقرضون, ولم يتوقف عنهم الأذي إلا بعد بعد فتح مصر على يد “عمر بن العاص” زمن خلافة “عمر بن الخطاب”.

     فليس الموضوع هو امتعاض من وجود اليهود في تونس, فهذا أمر قديم معتاد, بل الأمر يتعلق بالسلوك السياسي لرئيس الحكومة والوسط السياسي التابع له, والمتمثل في المبالغة في تسخير الحكومة وأجهزة الدولة لخدمة اليهود, والمجاهرة باستقبال إسرائيليين من كيان يهود الغاصب لفلسطين, وإقامة الندوات الدولية على شرفهم في محاولة لإضفاء صبغة سياسية فكرية دولية على هذه المناسبة .

الديمقراطية تضطهد الأديان

      وإذا كان “يوسف الشاهد” يحاول أن ينسب التعايش بين الأديان للديمقراطية, كما لمح بذلك أمام وسائل الإعلام, فقد جانب الصواب وخالف للواقع و دلل على قلة اطلاعه ومعرفته, فالديمقراطيات الغربية هي أكثر من نكّل بالمتدينين وحاربهم, وما حصل لأتباع الكنيسة إبان الثورة الفرنسية, و لليهود في أوروبا إبان الحرب العالمية الثانية أكبر دليل, ولا يزال المسلمون في أوروبا يتعرضون إلى المضايقات في طريقة لباسهم وطعامهم وأماكن عباداتهم رغم شعارات الحرية المرفوعة في الغرب.

التسول السياسي لحكومة الشاهد

        الواضح أن “يوسف الشاهد” الفاقد لأي دعم سياسي داخل حزبه, والذي يتعرض لضغوط بسبب فشله على المستوى الاقتصادي, أصبح يبحث عن الدعم الخارجي للبقاء في السلطة. وكان قد أظهر خلال جولته الأوروبية الأخيرة استعداده للقبول “باتفاق الشراكة الموسع والمعمق مع الاتحاد الأوروبي” رغم خطورته على اقتصاد البلاد ورغم تحذيرات العديد من الخبراء المخلصين, ودون انتظار نتائج المفاوضات والمشاورات  أو عرضها على مجلس نواب الشعب. كما أن “يوسف الشاهد” قد التزم بتنفيذ برنامج “الإصلاحات الكبرى” الذي أوصي به “صندوق النقد الدولي”, وقد ذكّر في جربة مرة أخرى بقيمة الخسائر التي تتكبدها الدولة سنويا من المؤسسات العمومية –  6500 مليار – وهي إشارة تؤكد عزمه على السير قدما في تنفيذ هذا السياسة اللبرالية الرأسمالية والتفريط في المؤسسات العمومية المتبقية. وها هو في جربة يدشّن فصلا آخر في البحث عن سند من خلال التقرب وخدمة يهود الخارج وخصوصا من الإسرائيليين, سيرا على طريقة الرئيس الأمريكي “ترامب” في تقربه من “اللوبافيتش” في مجابهة محاولات عزله.

        ما يقوم به “يوسف الشاهد” وحكومته في جربة ليس بحثا عن الجدوى الاقتصادية من زيارة وفود اليهود إلى معبد الغريبة,  بل هو استجداء وتسول لشرعية مفقودة من حكومة  فاشلة تبحث عن سبب للبقاء بكل الطرق الممكنة.

       وفي الختام ينبغي التذكير أن هذه الحكومة التي يتفانى أعضاؤها في خدمة الزوار من الكيان الغاصب لفلسطين هي التي منعت قبل أسابيع قليلة ابن فلسطين وعضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير “إسماعيل الوحواح” من دخول تونس, وقامت بإرجاعه على نفس الطائرة التي قدم فيها, بينما يجد الإعلاميون الصهاينة كامل راحتهم في العمل في تونس للحديث عن عملية اغتيال الشهيد “محمد الزواري” في صفاقس.

 هذه هي العقيدة السياسية لحكومة ” الشاهد”, وهذا هو فهمهم لمعنى الحرية في ذكرى اليوم العالمي لحرية الصحافة.

محمد مقيديش

CATEGORIES
TAGS
Share This