ما حدث يوم الاثنين الماضي بالقدس كان حدثا مشهودا في تاريخ الامة الاسلامية وشعوب العالم, فقد تمت فيه تحد مشاعر أكثر من مليار ونصف من المسلمين بنقل سفارة أمريكا الى أولى القبلتين وثالث الحرمين, ليتم بذلك تحقيق الوعد الامريكي بالاعتراف بالقدس عاصمة لكيان يهود الغاصب لأرض فلسطين.
خطاب توراتي إنجيلي
المثير في هذه المناسبة أن الخطاب الذي تم تداوله من طرف القادة المشاركين لم يكن خطابا سياسيا بل كان مشبعا بالمفاهيم التوراتية والانجيلية وأُقيمت الصلاة والتبريكات من قبل اثنين من المسيحيين الإنجيليين من تكساس وهما “روبرت جيفرس” و”جون هيجي”، وهي علامة على توافق الاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل مع النبوءة التوراتية للمجيء الثاني ليسوع المسيح ونهاية العالم.
سقطت اذن كل المساحيق التي تفنن سياسيو الغرب في استعمالها مثل القانون الدولي, ومفاهيم حقوق الانسان , وحق تقرير المصير وحقوق اللاجئين زمن الحرب, تلك المفاهيم التى كانت تحملها الدول الديمقراطية وعلى رأسها أمريكا لتكشف عن حقيقة أصبحت واضحة وهي أن الشعوب الغربية وقادتها لم يتخلوا عن هويتهم الدينية المسيحية رغم تبنيهم المبدأ الديمقراطي, وأن حكام تلك الدول لا يحرجهم التخلي عن المفاهيم الديمقراطية حين تلتقي نزعاتهم الاستعمارية مع مفاهيمهم الدينية اثناء التعامل مع الشعوب الاخرى. لذلك لم يجد إعلامهم حرجا كبيرا في تبرير قتل العشرات وجرح المئات من ابناء فلسطين في نفس اليوم الذي تقام فيه مراسم الاحتفال بنقل السفارة, و ليكشف الغرب الديمقراطي مرة أخرى أن مفهوم الامن لديه يقوم على قاعدة إما الاستسلام لما نريد, وإما القتل والإبادة.
تواطؤ الحكام وانفصام النخب
تحصل هذه الاحداث في ظل صمت مريب لحكام البلاد اللإسلامية يصل الى درجة التواطؤ, تلك الانظمة التي اصبحت عاجزة حتى على إصدار يبان ادانة صريح لما يحدث. ويحدث هذا بينما ما تزال النخب الفكرية المتصدرة للمشهد السياسي والإعلامي غارقة في مفاهيم الحداثة والديمقراطية ومحاولة شجب ما حدث انطلاقا من منظومة حقوق الانسان كما يفهمها الديمقراطيون, على طريقة أن تكون ملكيا أكثر من الملك.
هذه النخب المصطنعة كانت ولا تزال تتجاهل الموقف الشعبي العقائدي الذي ما فتئ حزب التحرير يعبّر عنه في كل مناسبة والذي يعتبر قضية فلسطين قضية اسلامية غير قابلة للتفاوض ولا للمساومة , وأنها تحتاج لحلها الى حل واحد وهو تحريك الجيوش على طريقة “صلاح الدين” تحت راية الخلافة, لا الى المناورات السياسية العقيمة تحت راية القومية العنصرية البغيضة او الوطنية الضيقة.
ان سعي حكام المسلمين للتقرب من كيان يهود والحرص على لقائهم سرا وجهرا كما يفعل حكام دويلات الجزيرة العربية أو كما يفعل وزراء حكومة “يوسف الشاهد” حين هرولتهم لاستقبال الوفود القادمة من كيان يهود , يقابله تقتيل أهلنا العزل في قطاع غزة المحتجون على تهويد القدس, وأن خطاب السياسي الرسمي العربي الغارق في الحداثة والمساواة وحقوق المواطنة بعيدا عن الانتماءات الدينية يقابله اعتماد قادة كيان يهود وقادة أمريكا على خطاب توراتي انجيلي ومعاملة عنصرية استعمارية لا تُخفي حقدها على العرب والمسلمين وازدراءها للإسلام.
معركة الوعي من ضرورات الحل
إن الوعي الشعبي المتزايد على حقيقة حكام المسلمين وعمالتهم للغرب الرأسمالي الكافر هو الامل الحقيقي للأمة في تغيير جذري للنظام السياسي الذي تنتظره الامة منذ عقود. وان إرهاصات هذا الوعي أصبحت بادية للعيان , فكلما ازداد الحكام خضوعا للغرب الرأسمالي الكافر وكلما مكنوهم من مقدرات الامة وثرواتها, كلما ابتعدت الامة عنهم وقاطعت مناسباتهم الانتخابية , وكلما تنكر السياسيون وأحزابهم لطموحات الامة الاسلامية في نظام سياسي يعبر عن هويتها السياسية والحضارية يرعى شؤونها ويحارب كل اشكال الفساد فيها كلما ازداد عزوف الناس عنهم والبحث عن غيرهم .
ما حصل في القدس خلال الاسبوع الماضي هو خطوة اخرى في الكشف عن الوجه الاستعماري العنصري القبيح للنظام الديمقراطي العالمي الذي تقوده أمريكا وان هذا الانكشاف لا يحصل امام المسلمين فقط بل حتى أمام الشعوب الأخرى حتى تدرك هذه الشعوب ان الديمقراطية ذات المعايير المزدوجة في الحقوق والحريات لا تصلح لان تكون أملا للشعوب التواقة للتحرر والإنعتاق.