العجز في الموارد المائية والحلول الممكنة
كشفت بيانات أصدرتها وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري، أن تونس تعاني عجزا في الموارد المائية بالسدود بلغ 164 مليون متر مكعب مع منتصف شهر ماي الجاري في ظاهرة تستمر للعام الثالث على التوالي. وتبلغ مخزونات السدود التونسية من المياه (38 سد منجز) حاليا نحو 1056 مليون متر مكعب مما يشكل 50 بالمائة من القدرات التخزينية لهذه المنشئات وفق ذات البيانات، خاصة وأن أغلب هذه السدود قديمة و تعاني من ترسب الطمي و الشوائب في أحواضها مما يقلص طاقة استيعابها بشدة، بالإضافة إلى النقص في الأمطار رغم التحسن خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة. وتعيش تونس التي تمر غالبا بفترات جفاف على وقع مشاكل تزداد شيئا فشيئا تتعلق بالتزويد بالمياه خاصة بالعاصمة وبالخصوص خلال الفترة الصيفية
وعزا مدير المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية ناجي جلول معظلة هدر حوالي 50 بالمائة من الموارد المائية إمّا في الري أو في مياه الشرب، إلى تقادم واهتراء البنية التحتية إضافة إلى تقلص منسوب السدود في السنوات الأخيرة والاستغلال المفرط والعشوائي للمياه الجوفية خاصة في الجنوب التونسي.
واعتبر “محمد العربي بوقرة”، الأستاذ بكلية العلوم بحسب دراسة أجراها في الغرض أن تونس “تفتقر إلى الحد الأدنى من التخطيط والاستفادة من دول أخرى كسنغافورة مثلا التي نجحت في توفير جزء كبير من حاجياتها المائية عبر تحلية مياه البحر وضمنت بذلك بعد إنشاء خمس محطات ضخمة، اكتفاءها الذاتي من المياه بعد أن كانت تعتمد كليا على الدولة المجاورة ماليزيا” بحسب ما نقلت صحيفة “الشروق”.
وأكد الجامعي أن نقص الموارد المائية السطحية، التي تتبخر بفعل ارتفاع درجات الحرارة، وزيادة نسبة ملوحة المياه (في السدود والبحيرات الجبلية…)، هي من أهم الإشكاليات التّي تواجهها البلاد.
وأبرز، كذلك، أنّ ارتفاع نسبة الملوحة في أغلبية الموارد المائية الجوفية في تونس، التي يناهز مجملها 1ر2 مليار متر مكعب، تعتبر كذلك عائقا لا سيما أن معظمها لا يتجدد في الجنوب بسبب عمقها والطبيعة الجيولوجية الخاصة بالجهة.واقترح إيجاد حلول بديلة للموارد المائية التقليدية من خلال تحلية مياه البحر، التي تتجاوز نسبة ملوحتها 37 غرام في اللتر وتحلية المياه الباطنية (15 غرام من الملح في اللتر).
وشدد الباحث في علوم الجيولوجيا، علاء الدين عياري، بدوره، على ضرورة الالتزام ببرنامج وطني لتطوير تكنولوجيات المياه في إطار استراتيجي، وذلك من خلال التوجه نحو استخدام المصادر البديلة على غرار إعادة استعمال المياه المعالجة نظرا لوفرتها وسهولة الوصول إليها.
و من خلال هذا الاستعراض لسبب الأزمة والرؤى المقترحة لمعالجتها من بعض الخبراء يمكن تقسيم الحلول إلى قسمين:
1 حلول عاجلة:
استخدام المياه الجوفية ذات الملوحة العالية في عمليات تبريد آلات المصانع بدل المياه الصالحة للشرب، وزراعة المحاصيل التي استهلاكها من المياه قليل وتتحمل مياها ذات ملوحة عالية لهذا العام.
استعمال أنظمة الري بالقنوات المغلقة.
تشجيع عمليات الري بالتنقيط ونشر التوعية المائية بوسائل الإعلام المختلفة من خلال البرامج الإرشادية
التركيز على الصناعة وذلك لاستهلاكها كميات اقل من المستخدمة في الزراعة بينما العائد منها أكثر. وفي هذا الإطار يمكن الاستغناء عن بعض الزراعات الغير إستراتيجية كالعنب وبعض القوارص.
2 حلول طويلة الأمد:
أهمية تعظيم الاستفادة من مياه الأمطار بإنشاء السدود أو إصلاحها
تطوير واستغلال مياه الينابيع لشتى الأغراض، وحماية مصادر التغذية من التوسعات العمرانية،
تطوير شبكات المياه المهترئة لتقليل الفاقد منها
زيادة شبكات الصرف الصحي التي ستساهم في تغطية الاستفادة من المياه العادمة لأغراض الري، إضافة لتقليل المشاكل البيئية
استخدام الإستراتيجية الجديدة في تنقية المياه المالحة ومياه البحر.
وبالرغم من أن الحلول موجودة وقد صرخت بها حناجر علمائنا وخبرائنا في تونس، إلا أن الوضع المائي للبلاد يتدهور للأسوأ منذ سنين، ما يعني أن الحكومات المتعاقبة على حكم تونس تشكوا عجزا في كل شيء وليس في الميزان التجاري فحسب. وأبرز العجز هو في اتخاذ القرار السياسي المخطوف.
د. الأسعد العجيلي