الأردن أخت تونس: فمن ينقذهما؟

الأردن أخت تونس: فمن ينقذهما؟

اندلعت التظاهرات والاحتجاجات في الأردن وتأججت ضد إجراءات النظام الأردني بسبب زيادة الضرائب التي أدت إلى رفع الأسعار وذلك بناء على توصيات صندوق النقد الدولي، بل هي أوامر صارمة لا يتراجع عنها الصندوق.

وبناء على ذلك سترفع ضريبة الدخل إلى الضعفين، وهذا شرط رئيس لبرنامج اقتصادي لمؤسسة صندوق النقد الدولي مدته ثلاث سنوات يستهدف توليد مزيد من الإيرادات الحكومية بهدف خفض الدين إلى 77% من الناتج الإجمالي في عام 2021. ورفع النظام الأردني بقيادة الملك عبد الله الثاني الضرائب هذا العام على مئات السلع الغذائية والاستهلاكية بتوحيد أسعار ضريبة المبيعات عند 16% وإلغاء إعفاءات على كثير من السلع الأساسية. وقد ألغى النظام في الشهر الأول من العام الماضي دعم الخبز فأدى إلى رفع سعره إلى الضعفين في بلد يعاني أهله الأمرين من ظلم النظام السياسي ليضاف إليه الظلم الاقتصادي ليزيد من معدلات البطالة والفقر والحرمان.

ووضع البلد يتدهور ولم يقدم أية خطة للنهضة والناس تكتوي بنار الغلاء وزيادة الضرائب وشح الأموال والبطالة التي بلغت نسبتها إلى 18,5% وارتفاع معدلات الفقر إلى 20% إذ احتلت عمّان المركز الأول عربيا في غلاء المعيشة والثامن والعشرين عالميا وفقا لدراسة نشرتها مؤخرا مجلة ” ذي ايكونومست” البريطانية.

والعلاج الوحيد عند النظام الأردني تحميل المسؤولية لرئيس الوزراء وإقالته، حيث تغيرت في الأردن أكثر من مئة حكومة في تاريخ الأردن بعدما صنعه الاستعمار الإنجليزي الذي أسقط الخلافة وقسم البلاد الإسلامية بمشاركة الاستعمار الفرنسي حيث قاما وزير خارجيتهما سايكس وبيكو بالتقسيمات وصنع الكيانات على أنقاض دولة الخلافة. وأما رأس النظام وهو الملك في مأمن، والنظام الرأسمالي والتبعية للمستعمر، وذلك كله وهو أس الداء في مأمن، فلا يتغير الملك ولا يتغير النظام ولا الدستور المستند إلى الدساتير الغربية ولا تزول التبعية للمستعمر.

ففي كل أزمة يفعل الملك الأمر نفسه هذا على مدى تاريخ النظام الأردني. وسر ذلك أن الحكومة ورئيسها هم عبارة عن موظفين لدى الملك وواجهة للتخفي والاختباء ورائها. فعندما اندلعت شرارة الثورة في تونس تبعتها الأردن بعد مصر واليمن وليبيا وسوريا. فبدأت الاحتجاجات في الأردن على النظام السياسي والاقتصادي مطالبين بالتغيير، فبدأ الملك يغير الحكومة تلو الحكومة. وهذا ديدنه، وقد أعلن عجزه في الأزمة الأخيرة يوم 4\6\2018 قائلا:” إن الأردن واجه ظرفا اقتصاديا وإقليميا غير متوقع، ولا توجد أي خطة قادرة على التعامل بفعالية وسرعة مع هذا التحدي”. فلا توجد أية خطة لديه، فقد مرّ عليه في الحكم عقدان من الزمان وأوضاع الأردن تسوء، وهو كالمسكين العاجز الذي يقول ليس لدي حل! فلماذا أنت في الحكم؟! فلماذا لا تستقيل وتسقط النظام وتسلمه لمن هو أهل له؟! علما أنه في الأردن من هو أهل لذلك وهو ح ز ب الت ح رير.

وقد صرح الملك حاكم الأردن للصحافيين يوم 14/2/2018 قائلا:”إن حياة الأردنيين اليوم صعبة للغاية، وأتمنى لو كان العالم أكثر تعاطفا وتفهما للصعوبات التي نواجهها”،(وكالة بترا الأردنية). وهنا يؤكد عجزه وخيانته لشعبه، فهو يعرف أن ظروف شعبه صعبة للغاية ومن ثم يثقلهم بالضرائب ليزيد من معاناتهم. وأضافت وكالة بترا الأردنية تصريح الملك الذي يثبت فيه أنه يعمل على خدمة بريطانيا، إذ اعترف في اللقاء الصحفي قائلا: “لم أكن أعرف أنني سأجد نفسي في هذا الموقع.. لقد بدأت تدريبي كضابط في الجيش البريطاني قبل أن ألتحق بالجيش العربي”. فهو إذن ضابط في الجيش البريطاني عين ملكا من دون أن يعرف أنه سيصبح في هذا المقام، ولم يقل إنه تقاعد من الجيش البريطاني، فمعنى ذلك أنه ما زال ضابطا في الجيش البريطاني كوالده المقبور الملك حسين. فقد عينه والده الملك وليا للعهد في آخر أيامه بعدما عزل أخاه الحسن الذي كان وليا للعهد. فهذا التعيين صدر عن أوامر بريطانية في آخر لحظة، فأعارته بريطانيا ضابطا من ضباطها ليصبح ملكا ليبقى وفيا صادقا للتاج البريطاني.

وهذا الملك الضابط البريطاني لا يستطيع أن يحل مشاكل الأردن ولا سيدته بريطانيا التي تعاني هي الأخرى من أزمات اقتصادية لا تستطيع أن تمد يدها لتساعده بعشرات المليارات الدولارات إذ بلغت ديون الأردن 39 مليار دولار في نهاية الشهر الثاني من هذا العام وهذا يشكل 95,8% من الناتج المحلي الإجمالي. فكانت تدعمه السعودية ببعض المساعدات على عهد عبد الله بن عبد العزيز الذي كان مواليا لبريطانيا فتخفف عنه بعض الأعباء، وأما سعودية ابن سلمان فلا تدعمه حاليا، إذ تحول الولاء فيها عند مجيء سلمان ومن ثم تعيين ابنه تحول هذا الولاء للأمريكان، وإن كانت المساعدات لا تحل المشكلة، فهي كالشخص الذي يعتمد على المساعدات ولا ينتج. ولهذا قال يوم 4\6\2018 إن من التحديات التي يواجهها :” انخفاض المساعدات الدولية للأردن رغم تحمله عبء استضافة اللاجئين السوريين”. فالدولة التي تعتمد على المساعدات ليست دولة. حقا إن الأردن ليست دولة! فهي قاعدة بريطانية على رأسها ضابط بريطاني يسمى ملكا.وفي الوقت نفسه يتذرع باللاجئين السوريين ولو كان عنده قدرة على التفكير والتخطيط لاستفاد من هؤلاء السوريين فحركوا اقتصاد البلد بالبيع والشراء وإقامة المشاريع، ولكنه عزلهم في المخيمات، وبدأ يتسول أو يشحذ على ظهورهم ليصادر أغلب المساعدات التي تصلهم، ويحملهم كذبا وزورا معانة أهل الأردن. علما أن أهل الأردن يعانون ما يعانونه قبل مجيء أهل سوريا، وذلك بسبب النظام الرأسمالي الفاسد الموجود في الأردن، ولهذا انتفض أهل الأردن عام 2011 ولم يكن فيها لاجئا سوريا.

  والآن لجأ إلى صندوق النقد الدولي. ومن المعلوم أن هذا الصندوق يلعب دورا مهما في تغيير الأنظمة أو التأثير عليها لحساب أمريكا كما حدث في إسقاط سوهارتو في إندونيسيا وقد اعترف رئيس الصندوق يومها بدوره في إسقاط سوهارتو عام 1998، ولعب دورا في إسقاط حكومة أجاويد في تركيا عام 2002 ومهد لمجيء رجل أمريكا أردوغان. ولعب دورا لحساب المستعمر الأمريكي في العديد من الدول في العالم. والآن يلعب دورا لحساب أمريكا في الأردن لتغيير النظام السياسي التابع لبريطانيا، وإن كان النظام الأردني برئاسة الملك الضابط في الجيش البريطاني يخدم أمريكا ويفتح لها القواعد العسكرية والمخابراتية ويشاركها في مهماتها القذرة ضد الأمة، ولكن ولاءه السياسي لسيدته بريطانيا، إلا أن أمريكا الوحش الهائج والمتغطرس الذي يريد أن يلتهم كل شيء ويسيطر على كل شيء لا يكتفي بتقديم الخدمات كل الخدمات له من قبل الملك، لأن ذلك يبقى مؤقتا، فهو يريد الولاء والتبعية السياسية له بشكل تام وتحقيق النفوذ بشكل دائم، لأن شعاره “أمريكا أولا” قبل بريطانيا وقبل أهل الأردن.

فالمظاهرات في الأردن تأتي نتيجة شبه حتمية لما يفعله صندوق النقد الدولي، فيعرف الصندوق الاستعماري أن توصياته بل أوامره ستؤدي إلى ذلك، ولا نقول أن الشعب يأتمر بأمره، بل هو ينطلق بإرادته عفويا في كثير من الأحيان، ولكن ردة فعل الشعب يعرف الصندوق أنها حاصلة، وإن كان هناك أيدي لأمريكا تحاول أن تستغل ظروف الناس مدسوسة في النقابات وفي غيرها تحاول أن توجه الشعب وجهة غير صحيحة.

ولنرجع إلى تونس أخت الأردن، فقد ثار الشعب لتفاقم الظلم السياسي والاقتصادي أيضا ووصوله إلى درجة بأن يحرق الإنسان نفسه محتجا على شدة هذا الظلم. فكانت ثورته شراراة ثورة الأمة التي لن تنطفئ بإذن الله مهما حصل من تحايل على شعوبها واندساس من العملاء ومن المتسللين إلى سدة الحكم ممن هم ليسوا أهلا له. فقد تم التحايل على شعب تونس بترحيل رأس النظام، فذلك هين على بريطانيا لتحافظ على نفوذها وتبقي رجالها في الوسط السياسي يلعبون دورهم ويستعدون للعودة إلى الحكم عندما يتم المحافظة على النظام ويحول دون سقوطه، ولذلك يتم التضحية بأشخاص احترقت أوراقهم كابن علي، ولكن المهم بالنسبة للمستعمر وأتباعه بقاء النظام الرأسمالي العلماني وبقاء تبعيته للغرب المستعمر وخاصة لبريطانيا وعموما لأوروبا. فكان الفارق في تونس أن هناك مؤسسات كالجيش والأمن تحفظ النظام العلماني والجمهورية التي تمثل شكل حكمه، ولم يصل الأمر في الأردن إلى أن تضطر بريطانيا لتحريك الجيش والأمن لتسقط رأس النظام وتبقي على النظام وتحفظ تبعيته له.

والنظام في تونس يعمل على مراضاة أمريكا بالتسهيلات الأمنية للتحركات الأمريكية القذرة في المنطقة تحت مسمى محاربة الإرهاب، وأمريكا تعمل على ربطه بها حيث جعلته شريكا استراتيجيا لها عام 2015 وأعطته صفة العضو الأساسي غير الحليف في حلف الناتو الصليبي. وقد ارتمى في أحضان صندوق النقد الدولي الذي تسيطر عليه أمريكا، وخضع له، فهو ينفذ أوامره والتي تسمى توصيات وأهمها زيادة الضرائب وسحب الدعم عن المواد الأساسية وتخفيض قيمة العملة، ومن هنا ارتفعت الأسعار في تونس حيث بلغت نسبة التضخم 7% ونسبة البطالة 15,5% في نهاية عام 2017. ويمارس الصندوق ضغوطه على النظام التونسي ليقوم بتسريح حوالي 10 آلاف من الموظفين الحكوميين بشكل طوعي هذا العام لخفض كتلة الأجور المرتفعة من حوالي 15% الآن إلى 12,5% خلال عامين. كما أقرت الحكومة تجميد الانتدابات في القطاع العام بالنسبة للعام الحالي. وأقرت إجراءات تقشفية قاسية في قانون العام الحالي تضمنت زيادة الضرائب مما سبب ارتفاع الأسعار وزاد من تفاقم المشكلات الاقتصادية لأهل تونس. وهذا ينذر بتفجر الأوضاع في الأيام القدمة، سيما وأن الاحتجاجات في تونس لا تتوقف تندلع من فترة لأخرى، وقد اندلعت احتجاجات واسعة في الشهر الأول من هذا العام للتعبير عن رفض الناس للإجراءات التي سببت غلاء الأسعار، وطالب الناس بإسقاط قانون المالية، وقد بلغت نسبة التضخم 6,9%، بجانب انخفاض قيمة الدينار مقابل الدولار واليورو. وقد صرح عندئذ رئيس الحكومة يوسف الشاهد بأن “قوانين المالية لعام 2017 و 2018 صعبة على الجميع”. وهذا يشبه كلام ملك الأردن. وقد تولت تسع حكومات زمام الأمور في البلاد منذ ثورة 2011 ولم تتمكن من حل المشاكل الاقتصادية المتفاقمة فيما يشبه ما حصل في الأردن. فالبلدان المتشابهان في الولاء السياسي وفي معالجة الأمور بتغيير الحكومات ولكن مع بقاء النظام الرأسمالي قائما والتبعية للغرب قائمة من دون تغيير وهما أس الداء.

والنظامان يتعرضان للمصير نفسه وهو السقوط بيد أمريكا! إلا إذا استلم المخلصون الواعون زمام الأمور وأقاموا نظام الإسلام متجسدا في خلافة راشدة على منهاج النبوة. وقد قام ح ز ب الت ح ر ير وهو الذي يعمل في البلدين بتوضيح هذا النظام بكل تفاصيله ومنه النظام الاقتصادي في الإسلام والسياسات الاقتصادية الإسلامية المثلى وطريق النهضة والتقدم والآليات اللازمة للتنفيذ. والمطلوب هو قيام الناس بتسليم قيادتهم السياسية لهذا الحزب وقيام الجيش بنصرته. فهذا هو العمل الصالح. وعندئذ فإن الناس سيذقون طعم السعادة بإذن الله، وفي الآخرة لهم السعادة الأبدية، وينالون رضوان الله لقيامهم بذلك وقبولهم بتطبيق حكم الله وإزالة حكم الطاغوت الذي أمروا أن يكفروا به وقد رفضوا محاولات الشيطان العلماني الديمقراطي أن يضلهم ضلالا بعيدا.

“مَنۡ عَمِلَ صَالِحًـا مِّنۡ ذَكَرٍ اَوۡ اُنۡثٰى وَهُوَ مُؤۡمِنٌ فَلَـنُحۡيِيَنَّهٗ حَيٰوةً طَيِّبَةً‌ۚ وَلَـنَجۡزِيَـنَّهُمۡ اَجۡرَهُمۡ بِاَحۡسَنِ مَا كَانُوۡا يَعۡمَلُوۡنَ” (النحل 97).

أسعد منصور

CATEGORIES
TAGS
Share This