مرحبا بالنصر… وداعا للهزيمة…
من ينظر في آفاق الأرض اليوم، تأخذه رعدة خوف من هول ما يقع بالناس أفراد وجماعات ودول، في عالم تُسيّره حضارة رأسمالية مختلة معتلة، تريد أن تشغل الناس ببريقها عن حريقها وبنعيمها المنفصل عن جحيمها المتصل، بينما تنتقل من طول العالم وعرضه بكل أشكال الدمار الشامل وألوان الشرّ المُعولم، حتى صارت حياة البشرية على فوهة بركان يشرف على الانفجار في كل لحظة، لينتهي كابوس طغيان الحضارة المادية…
صحيح أن العدل صار أكثر الرغبات الملحة لدى كل أهل الأرض، غير أنه لا يمكن لأحد أن ينكر مخلفات قيادة هذه الحضارة لعالمنا ردحا من الزمن، حيث فرضت على الشعوب اعتناق عقيدة فصل الدين عن الحياة، بل فصل المادة عن الروح، فصارت فلسفة للحياة لدى أرباب النظام الرأسمالي العالمي، فضلّوا وأضلّوا وكادوا يقنعون العالم انتصارا لعقيدتهم بأن الكون تُسيره أسباب مادية بحتة، لا دخل فيه للجانب الروحي، وبأن كل ما فيه من ظواهر لا يخرج عن دائرة التفسير العلمي البعيد كل البعد عن العقائد الروحية، ما جعلهم يحتكرون العلم والنور وينعتون غيرهم بالرجعية والظلامية، أما على مستوى السياسة الدولية، فقد أرادوا إقناع غيرهم بأنهم من يقول للشيء كن فيكون، فصنعوا بذلك جيوشا من المرتزقة، وطابورا خامسا من حكام يقدسونهم ويدينون لهم بالولاء، ويقدمون لهم كل قرابين الطاعة ولو عبر إبادة شعوب بأكملها، فضلا عن مواسم حجهم إلى عواصم الكفر ومعابد الماسونية تمسحا على أعتاب أسيادهم.
عقيدة الصدمة
نشأت عقيدة الصدمة في خمسينيات القرن الماضي في مجال الطب النفسي، حيث تعاونت وكالة الاستخبارات الأميركية مع الطبيب النفسي الكندي البارز “دونلد أيوين كامرون“ ومولت أبحاثه عن استخدام الصدمة الكهربائية على أدمغة المرضى النفسيين بهدف تحويل أدمغتهم إلى صفحة بيضاء لإعادة كتابة المعلومات الملائمة عليها. الفكرة الأساسية في نظرية الصدمة هي أنك إذا أردت أن تجعل الطرف الآخر ملكًا لك ولأفكارك وقراراتك فعليك أن تخضعه لصدمة كبيرة تلغي الماضي وتلغي الإحساس أيضًا بالحاضر فتجعله مستسلمًا لكل ما تلقنه له.
كان “كامرون” يرى أن ثمة عاملين مهمين يتيحان لنا الحفاظ على إدراكنا هما البيانات الحسية التي ترد لنا باستمرار، والذاكرة. لذلك حاول إلغاء الذاكرة بواسطة الصدمات الكهربائية والمهلوسات، وحاول إلغاء البيانات الحسية بواسطة العزل التام في ظلام دامس وصمت مطبق.
وهنا نصل إلى طبيب الصدم الاقتصادي “ميلتون فريدمان” أستاذ الاقتصاد في جامعة شيكاغو، حيث كانت غاية فريدمان من نظريته التي وضعها، السماح للشركات العالمية عابرة القارات أن تتحكم في اقتصاد بلدان بأكملها، أي أن التطبيق هذه المرة على الشعوب وليس على الأفراد، حيث صار العقل الجماعي للشعوب المستهدف رقم واحد، ومن أجل هذه المهمة سخرت جميع وسائل الإعلام.
معلوم أن الشعوب لا تقبل أن تصبح حياتها واقتصادها بيد حفنة من رجال الأعمال الأجانب، فلا بد إذًا من صدمة… صدمة كبيرة لأهل البلد تجعلهم فاقدي الوعي حتى يقبلوا بالتغييرات الجديدة!