قبل أقل من أسبوعين وزّعت إحدى محاكم الاستئناف المغربية أكثر من 300 سنة سجن على 54 معتقلًا من نشطاء “حراك الريف”، كان النصيب الأعلى منها لزعيم الحراك وأيقونته ناصر الزفزافي قائد الاحتجاجات الشعبية أو “الحراك الشعبي” في منطقة الريف ومدينة الحسيمة شمالي المغرب. حيث أصدرت في حقّه حكما بالسجن 20 عاما، وتفاوتت التهم التي وجهتها النيابة العامة للمعتقلين بين المشاركة في تظاهرات غير مرخصة والمس بأمن الدولة، التي تصل عقوبتها إلى الإعدام.
ومن ثمّ انطلقت احتجاجات وفعاليات مندّدة بالأحكام القضائية “القاسية” في حق نشطاء حراك الريف المغربي في مختلف مناطق المملكة المغربية وحتى في خارجها للضغط على سلطات البلاد للإفراج عن نشطاء الحراك والاستجابة لمطالب سكان الريف.
ويذكر أن احتجاجات الريف في مدينة الحسيمة، بدأت في الـ28 من شهر أكتوبر 2016، بعد أن صادرت السلطات المحلية كميات كبيرة من السمك الذي اشتراه الشاب محسن فكري، وألقت بها في شاحنة لجمع القمامة، فقفز الشاب داخل الشاحنة لمحاولة جمع السمك المصادر، إلا أن أحدهم شغل محرك الشاحنة، فاشتغلت آلة الشفط التي ابتلعت الشاب وسحقت عظامه حتى الموت.
إن صدور الأحكام الأخيرة ضد معتقلي الحراك هو من تمام مكر السلطات المغربية، فهذا التوجه القضائي إنّما هو من أجل طَي هذا الملف وتحويله من المنحى السياسي والمطالب الاجتماعية الذي طالما كان يسير فيه الحراك إلى ملف جنائي وهذا سيجعل منه قضية حقوقية ينحصر هدفها في مراجعة الأحكام الصادرة وطلب العفو وبالتالي سيُصبِح كباقي القضايا الحقوقية التي تشتغل عليها الجمعيات الحقوقية وسيتقلص بعدها السياسي وزخمه الاجتماعي.
ويعود السبب وراء تنامي الاحتجاجات في المغرب إلى الوضع الاقتصادي الحاليّ الذي يتميز باحتقان اجتماعي وسخط شعبي وجماهيري على سياسات الحكومة بمتابعتها للتمشّي الرأسمالي الغربي في التوجه الاقتصادي والخيارات الاجتماعية ، الأمر الذي يشكل أرضية خصبة لتنامي أشكال الاحتجاج والغضب الشعبي والسخط على الحالة العامة السائدة.
في المقابل تميل الحكومة المغربية إلى التركيز على الخيارات الأمنية واعتقال النشطاء في مواجهة الاحتجاجات التي تعرفها مدن الريف، وبالفعل فإنّ أغلبية المغاربة يرون أن سلطات بلادهم لم تتجاوز بعد الرؤية الأمنية التي هيمنت قديمًا على السياسة فالمسئولون وإن تغيرت مناصبهم مستمرون في تطبيق الأساليب ذاتها.
وأمام تواصل تعنّت السلطات وعدم الاستجابة لمطالب سكان الريف وغيرهم من المحتجين في مناطق مختلفة من البلاد، وأمام هذه الأحكام العالية وُجد شعور بالنقمة ورغبة في الانتقام من السلطات الحاكمة، لأنّ مثل هذه التصرفات تكون لها مفعول عكسي, فهي لا تردع الناس ولا تخيفهم بل تزيدهم غضبا وسخطا على المسئول ورغبة في الانعتاق من ظلمه، وإقامة نظام العدل والكرامة الذي يحقق الرفاهية الاقتصادية والكرامة الإنسانية .
إنَّ حل مشاكل المغرب وغيره من بلاد المسلمين يكمن في وجود إرادة سياسية مقترنة بمنظومة من الحلول والمعالجات ونظام الإسلام هو الوحيد القادر على ذلك وعلى استثمار ثروات البلاد وتقديمها لأصحابها بيسر وسهولة, لأن أحكام الإسلام تحقق العدل وترفع الظلم وتحاسب الظالمين.
إن اللجوء المستمر للتوجه القضائي هو دليل واضح وصارخ على العجز الفكري والإفلاس السياسي ، هو بالتأكيد عجز وفشل ضمني للنظام الرأسمالي المتبنى من طرف هذه الحكومة فهي تتهرب من مسؤوليتها السياسية والاقتصادية والإجتماعية إلا من بعض المسكنات المؤقتة أو من أنصاف الحلول الواهية الواهمة، التي مرّ زمانها ولم تعد تنطلي على وعي رجالات الأمة الإسلامية في المغرب ، وهم بإصرارهم قادرين على قلب الموازين والتحرر من ظلم حكّمهم ومن تبعية هؤلاء للغرب الكافر ونظامه الرأسمالي العفن.
هذا الإصرار على قلب الموازين رأيناه في ثورة الأمة في سوريا وهي كما سمّت نفسها لا كما سمّوها كاشفة فاضحة فلم تبق عميلاً ولا خائناً إلا عرّته وفضحته، فرغم الألم والنكسات التي تعرض لها أهل الشام عامة وأهل حوران خاصة فإن المعركة بين الحق والباطل لم تنتهِ بعد و بإصرار أهلنا في الشام على إسقاط النظام وإقامة حكم الإسلام عندها سوف يتنزل النصر على الفئة المؤمنة الصابرة و سيتنزّل النصر على أمّة تتلمّس طريق التحرّر من أدنى المغرب إلى أقصى الشّام وسيأتي عون الله ومدده من حيث لا تحتسب وليس ذلك على الله بعزيز.