الحداثيون في تونس والسير على خطى “أتاتورك”
يمر الحداثيون اللبراليون في تونس بأيام عصيبة منذ الإعلان عن مقترحات “لجنة الحريات الفردية والمساوات” بداية شهر جوان, وقد اصابهم الرفض الشعبي العارم لهذه المقترحات بالذهول بعد ان ادركوا ان هذا الرفض تجاوز التقسيمات الحزبية ليشمل كل أطياف المجتمع. وتأكد العلمانيون والحداثيون أنهم جسم غريب في هذه الامة وانهم فاقدون لأي مصداقية تؤهلهم ليكونوا وكلاء عن شعب تونس المسلم المتمسك بتراثه الحضاري والتشريعي رغم الضغوط الاستعمارية الغربية ورغم الضخ الإعلامي المتواصل الذي تمارسه وسائل الاعلام المروجة للثقافة الغربية.
بُكائيّات ولطميّات
وبعد الصدمة التي أصابتهم أول الأمر تحولت بعض المنابر الإعلامية التي مكنتهم الدولة العميقة من إدارتها إلى “لطميات وبكائيات” على الديمقراطية الناشئة واعتبروا الرفض السريع لمقترحات هذه لجنة دليلا على هشاشة المسار الديمقراطي, وأن ما نال أعضاء اللجنة من سباب وشتائم قد جرح مشاعرهم, وهو دليل على فقدان تقاليد الحوار ومقارعة الحجة بالحجة, وأن المقترحات الحداثية التي طرحتها اللجنة والتي تعبر عن القيم الكونية لم تحض بالنقاش اللازملفهمها, وانهلا يليق أن تلقى مثل هذه الردود العنيفة.
هذا الفشل الفكري والسياسي “للجنة الحريات الفردية والمساوات” وللحداثيين العلمانيين هو في حقيقته فشل للدولة التي أسسها الاحتلال الغربي لتونس, والتي يسير فيها “السبسي” على نفس نهج المقبور “بورقيبة” في التغريب القسري لشعب تونس عبر فرض التشريعات الغربية بين المسلمين والترويج لها على أنها اجتهاد لا يخالف الإسلام.
الحداثيون والخوف من الجماهير
هكذا إذن أثبت العلمانيون المُستترون تحت شعار الحداثة أن الديمقراطية التي يروجون لها في تونس ليست تلك التي تحترم رأي الأغلبية من جماهير الشعب حتى ولو كانت عقيدة راسخة منذ قرون, بل هي تلك التي تزدري عقيدة الأغلبية من أجل أقليةيفترضون وجودها, وأن الأفكار التي يدعون اليها ويروجون لها ليست تلك التي تنبع من عقيدة وقناعات الجماهير بل هي تلك المفاهيم والقناعات الغربية ذات الأبعاد الإستعمارية والتي يسعون لفرضها استجابة لشروط الغرب الاستعماري الكافر.
الحداثيون واللبراليون في تونس في قرارة أفكارهم يخشون الأغلبيات الشعبية بكل أنواعها، وهم يُبررون التعسف بحقها, ويعتبرون انفسهم أرقى من عامة الشعب الذي يجب حسب رايهم ترويضه لتقبل القيم الغربية على مراحل,بعد الترويج لها على انها قيم عالمية كونية, لذلك ترى الضيق الممزوج بالاشمئزاز يعم الحداثيين والليبراليين كلما جنحت جماهير الشعوب نحو تأييد الحركات التي تدعو الى الحكم بالإسلام واستئناف الحياة الإسلامية, ويعتبرون ذلك دليلا على عدم رشدها وعدم أهليتها لتقرير مصيرها في من سيحكمها.
الحداثيون على خطى “أتاتورك”
الحداثيون العلمانيون لم يكونوا يوما في صف متجانس مع عموم جماهير الامة وتطلعاتها, بل كانوا إما موالين للغرب يتبعون تقارير منظماتهم الحقوقية المُسيّرة حسب مصالحهم, وإما موالين للأنظمة الدكتاتورية المعادية لكل حركة شعبية تنشد التغيير.
الليبراليون والحداثيون في تونس وأغلبالبلاد العربية هم أقرب للفكر “الأتاتوركي” الرافض لكل ما هو إسلامي ولكل حراك شعبي يسعى للتغيير حتى لو كان سلميا سياسيا.
الليبرالية الأوروبيةنشأت كقوة ناقدة للأرستقراطية والملكية المطلقة المتصارعة مع الكنيسة, فكان نشوؤها طبيعيا الى حد ما, نتيجة أوضاع سياسية واجتماعية متعفنة,أما الليبرالية العربية فهي حركة مصطنعة ومخترقة من الاستعمار منذ بداياتها, وممولة حاليا من السفاراتالغربية بحجةدعم منظمات المجتمع المدني, وهي أبعد ما تكون عن الدفاع عن المظلومين والمضطهدين, بل هي متورطة في تأييد أعتى الدكتاتوريات في العالم كما هو حاصل مع النظام السوري الدمويأو مع الانقلاب المصري, أو دعوة الغربالأوروبي صراحة للتدخل عسكريا في تونس كما حصل في بداية الثورة.
اللبراليون والحداثيون في تونس والبلاد الإسلامية فقدوا أي علاقة لهم بضمير ووجدان الامة وليس لهم أي حاضنة شعبية تدعمهم, لذلك كان سقوطهم في الارتزاق السياسي وخدمة اجندات السفارات الغربية متوقعا, وهو ما سيكون مانعا لهم من أن يكون لهم أي دور في مستقبل الامة يوم يصبح سلطانها بأيدي أبنائها.
محمد مقيديش