الحكومة, المعارضة, الاتحاد… كفاكم متاجرة بأوجاع تونس

الحكومة, المعارضة, الاتحاد… كفاكم متاجرة بأوجاع تونس

الكل يثمن, والكل يشيد, الكل يتغنى بعظيم الانجازات, وبما تحقق من معجزات عجزت كبرى الدول على الاتيان بمثلها, هكذا كان الحال في حقبتَي حكم “بورقيبة” و “بن علي”.

لقد كانت تونس تئن تحت وطأة نظام غاشم لا يخرج نباته إلا نكد.. لكن شذاذ الأفاق والمرجفون كانوا يطبلون صباحا مساء لخائن تونس الأكبر “بورقيبة ولوريثه في الخيانة ” بن علي” صباحا مساء.. وعلى تعداد المكاسب التي غنمتها البلاد على يديهما ينامون وعليه يصبحون, يتقدمهم إعلام لا يرى إلا ما يراه الزعيم الأوحد, والملهم الفذ, الهمام.. ساكن قصر قرطاج, الذي ينام كل ليلة قرير العين ..لما يتلقاه من شهادات الرضا تأتيه تترا من وراء البحار, رغم القمع الذي كان يصبه صبرا على رؤوس من يناوؤون النظام.. ومخالفته لكل أكاذيب الغرب، كحقوق الإنسان وحرية التعبير… إلى أن اندلعت أولى شرارات الثورة وتغير المشهد.. وخرست أبواق النفاق, ولازمت الثعالب جحورها.
لقد تغير المشهد ولكن على صعيد الشكل فقط.. فالنظام مازال جاثما على الصدور, وفرصة التمعش من عفنه مازالت قائمة وبقوة. المطلوب تغير الأقنعة, وتغير آلة العزف فقط. فوتر التزلّف للكاهن الأعظم تقطّع, ولم يعد بالإمكان التكسب من العزف عليه. وقصائد المديح والاطراء لم يبقى لها سامع. لهذا كان ركوب مجريات الأحداث هو الحل الأنسب لضمان عدم كساد تجارتهم.
قلنا تغير المشهد بعد الثورة على مستوى الشكل.. لكن أصل الداء مازال ساكنا في مفاصل حياتنا.. بل احتد لدرجة لم نعد نقوى على النهوض والسير ولو بضع الخطوات. أتت حكومة تلو الحكومة, وكل حكومة ألعن من أختها.. تشكلت عشرات الأحزاب. منها من اندثر ومنها من ظل صامدا يقاتل من أجل نيل ولو نزر قليل من مغانم السلطة التي كانت حكرا على فئة معينة زمن “بورقيبة” و “بن علي”.
وأصبحت اليوم متاحة لكل طامع فيها, ولكل متشبث بأسمالها. ولنتخذ الحكومة الحالية والجدل الصاخب حولها مثالا على أن تونس عانت ولا تزال من جحيم النظام, ومن استهتار القائمين عليه وعبثية كل من يدور في فلكه. هاته الحكومة أتت وسط هالة من التطبيل لم تحظى بها أية حكومة من الحكومات المتعاقبة بعد الثورة. كيف لا وهي اتت من رحم مبادرة أطلقها الرئيس الحالي بالوكالة ” الباجي قائد السبسي”.
الكل ارتمى في أحضان مبادرة “السبسي” وطفق يسبح بحمد ما أسموه ب”حكومة الوحدة الوطنية” والدافع دوما الحصول ولو على قضمة من الكعكة.. وكما كان منتظرا كان الفشل هو الانجاز الوحيد والأوحد لتلك الحكومة. بل أنها تفوقت على سابقاتها من الحكومات في هذا المجال. ولو أن مردّ فشلها معلوم وجلي. إنه طبيعة النظام وما أنبثق عنه من قوانين. وهنا انبر قناصو الفرص في جلد الحكومة ورئيسها, وتعالت الأصوات المطالبة برحيلها.. وكان أول المطالبين برأس الحكومة وأكثرهم شراسة في التشبث بهذا المطلب الحركة التي ينتمي إليها رئيس الحكومة “يوسف الشاهد” الذي تحول في نظرها في لمح البصر من بطل منقذ ورجل دولة لم تعرف البلاد له مثيلا إلى غرّ لا يفقه من الحنكة والدراية ولو فتيلا. مستندين في دعواهم على حقائق لا يمكن حجبها, كتفاقم المديونية وتلاشي القدرة الشرائية لأغلب أهل تونس, ويد الفقر التي خنقت كل شيء تقريبا.. ماء, دواء, مدارس, كل شيء تقريبا, حتى بات هو المهيمن على البلاد والعباد.
فأين ما يولي المرء وجهه يجد الفقر شاهرا سيفه ومكشرا على أنيابه, وهذا ما عمل الواقفون على الأكمة والمختبؤن وراءها على استغلاله للانقضاض على السلطة. فهم يتكلمون بلسان الغيور على البلاد والحامل على عاتقه همّ انتشال الناس من حالة الضنك الذي يتخبطون فيه.. والحال أنهم جميعا من مكونات معبد النظام الديمقراطي.. منهم من هم من سدنته, ومنهم من هم من رواده, تراهم عاكفين على أصنامه ليلا نهارا ينتقدون الحكومة ويشهرون بفشلها وبعجزها. والحال أنهم من نفس منبتها, لا يملكون من البدائل غير الصراخ في المنابر الإعلامية, والمتاجرة بآلام الجوعى والعطشى.
التمشي نفسه سلكه اتحاد الشغل. فأمينه العام ” نور الدين الطبوبي ” حطم كل الارقام القياسية” في عقد الاجتماعات, ورسم الخطوط الحمراء أمام الحكومة, مع المطالبة برحيلها في كل آن وحين. مستندا هو أيضا على “حقائق” لكنه كغيره أراد بها باطلا, فهو لا يملك من البدائل إلا تلك التي ينتقدها. فوفاض اتحاد الشغل لا يختلف ما في داخله عما تحمله الحكومة في جرابها. بضاعة مزجاة لا تنفع الناس ولا تشبع احتياجاتهم على الوجه الأكمل… ومن المضحكات المبكيات أن الحكومة نفسها تؤدي نفس الرقصة التي برع في أدائها أحزاب ما يسمى بالمعارضة واتحاد الشغل, فلا تجد لرئيسها أو أحد أعضاء جوقته تصريحا لا يصف فيه الوضع الكارثي الذي آلت إليه البلاد, مع اختلاف وحيد وهو التأكيد على حتمية الابقاء على الحكومة. لأن مصلحة تونس تقتضي ذلك.. فلا أحد غير الشاهد ومن معه قادر على الوصول بالبلاد إلى بر الأمان, هذا البر الذي يقسم المعارضين للحكومة والاتحاد لن نبلغه ما دام “الشاهد” ربان السفينة. هذا ولا نخال أنهم لا يعلمون من هو ربان السفينة الفعلي.. إنه ذاك الذي وصفه صاحب الهيبة بالمسؤول الكبير.. ولكن لكل فئة من هؤلاء مسؤول يرجع اليه بالنظر ويأتمر بأوامره, ف”السبسي” و الشاهد” و الأمين العام للاتحاد, وباقي الأحزاب من كانت في الحكم أو مصنفة بالمعارضة, مجرد وكلاء يتنافسون في ما بينهم يشرون ويشترون, مقابلة عمولة يلقيها مسؤول كبير على عتبة باب سفارته.

حسن نوير

CATEGORIES
TAGS
Share This