ديمقراطية الاستعلاء واحتقار الجماهير

ديمقراطية الاستعلاء واحتقار الجماهير

         مرّة أخرى تنكشف الطبيعة العلمانية الاستبدادية للزمرة الحاكمة في تونس, و لم تفلح الشعارات المرفوعة من حداثة ولبرالية في حجب حقيقة تعاليهم واحتقارهم للشعوب والجماهير التي يدّعون تمثيلها والحكم باسمها.

         فقد كشفت رئيسة لجنة الحريات الفردية والمساواة امام وسائل الاعلام انها ترفض الاستفتاء الشعبي حول التقرير الذي اصدرته اللجنة  قبل اكثر من شهرين, رغم الرفض الشعبي العام الذي لا يمكن اخفاؤه. أما الأمر الأكثر إثارة في تصريحها فقد ورد في تعليلها لهذا الرفض وهو اعتبار الشعب التونسي غير مؤهل لهذا الاستفتاء لأنه لازال يتعلم “الديمقراطية وثقافة حقوق الإنسان”.

        لقد وقعت رئيسة ” لجنة الحريات الفردية والمساواة”  والعضو في حزب “نداء تونس” الحاكم في خطأ اتصالي فضيع حين فشلت ما إخفاء ما تعوّد أسيادها اخفاؤه ثم تمريره بالحيلة والمكر والدهاء, فقادتها تلقائيتها الى الكشف عن عزم “الباجي قايد السبسي” وزمرته الحاكمة الاكتفاء بمجلس النواب في نقاش وتمرير محتوى التقرير دون الرجوع الى الجماهير الشعبية للحسم فيه. كما كشف تصريحها عن قدر كبير من التعالي والاحتقار الذي يكنّوه الى جماهير الامة , والتي يعتبرونها قاصرة وغير مؤهلة , وتناسوا أنهم كانوا قبل أشهر قليلة يستعملون كل الأساليب والوسائل للتأثير عليها وكسب أصواتها في الإنتخابات..

التمثيل ديمقراطي تفويض مطلق

         لقد كشف التعاطي الرسمي مع المواضيع المصيرية والحساسة كموضوع العلاقات الاجتماعية الذي تناولته اللجنة, أو موضوع المصالحة مع رجالات النظام السابق أو النظام الاقتصادي والسياسة المالية عن خلل كبير في مفهوم الحكم ومعنى التمثيل الشعبي , والذي يختلف تماما  في النظام الديمقراطي عن معناه في النظام الإسلامي.

         فالنظام الديمقراطي يسمح للشعب بالمشاركة في القرار السياسي عبر انتخاب نوابه في البرلمان من بين الأحزاب المشاركة, فإذا تم ذلك أصبح النائب مفوضا للتشريع باسم الشعب. فالعلاقة بين الناخب والبرلماني في النظام الديمقراطي هي علاقة تفويض مطلق غير مشروط, لذلك فكثيرا ما نجد النواب بعد الانتخابات يسنّون قوانين لا تخدم الجماهير التي انتخبتهم بل تخدم الأحزاب التي ينتمون اليها او الجهات التي تدعم الأحزاب سياسيا وماليا وإعلاميا.

النظام الإسلامي نظام وكالة مشروطة

          اما في نظام الإسلام فلا توجد سلطة تشريعية منتخبة تسن القوانين , لان القوانين هي أحكام يستنبطها العلماء والمجتهدون من النصوص الشرعية, والانتخابات في نظام الإسلام تجري لانتخاب من يطبق النظام وليس من يشرع قوانين النظام. فالسيادة للشرع والسلطان للأمة.  فالعلاقة بين المسلم وبين من الحاكم الذي ينتخبه هي علاقة وكالة مشروطة بتطبيق احكام وقوانين الشرع التفصيلية. لذلك فان مخالفة الحاكم لمضمون وشروط الوكالة يجعل عقد البيعة باطلا يستوجب الخروج عليه.

الديمقراطي استقواء الأقلية ضد الاغلبية

        كما تأكد لكل المتابعين للشأن السياسي بالبلاد أن عمليات اتخاذ القرار في الملفات الحساسة  الدولة مع الملفات الحساسة تتم داخل الغرف والدكاكين المغلقة اين تتم مراعاة المصالح الاستعمارية للدول الغربية أولا كما هو الحال مع اتفاقيات الشراكة مع الاتحاد الأوروبي وإصلاحات صندوق النقد الدولي و تجديد عقود الشركات النفطية, ثم تأتي ثانيا مراعاة مصالح الوكلاء المحليين للدول الاستعمارية من رجال الاعمال المرتبطين بالسلطة وبالغرب كما هو الحال مع قانون المصالحة الاقتصادية.

        فالدولة بأجهزتها ومقدراتها هي غنيمة للمستعمر تحت اشراف حفنة من الحكام والسياسيين المتنفّذين  ورجال الاعمال المرتبطة مصالحهم بالغرب, وبتأييد تيار علماني فاقد لأي امتداد شعبي,  ودولة عميقة غارقة في الفساد.

         أما المجالس النيابية المنتخبة وما تمخض عنها من لجان تشريعية مختصة فيتم ترويضها بالضغوط السياسية والأمنية والإغراءات المالية حتى يصبح البرلمان مجرد أداة لتقنين وتنفيذ الإرادة الأجنبية على حساب مصلحة الامة.

ديمقراطية الواجهة

       هكذا تحولت تونس التي فتح شبابها مسلسل ثورة الامة ضد الاستعباد والتخلف والتبعية لتجد نفسها في وضع واجهته مسار ديمقراطي بسلطة وبرلمان منتخب وتعددية ولكن في باطنه دولة عميقة غارقة في الفساد و التبعية,  تسير بالتعليمات وليس بالقوانين, فنجدها تطارد المدونين والصحفيين, وتجر الناس الى المحاكم لمجرد تدوينة على “الفيس بوك” وتمارس الحصار الإعلامي الموجّه و تضغط على أصحاب القاعات العمومية لمنع الندوات والمؤتمرات السياسية, كما يحصل دائما مع حزب التحرير, ومع كل من يحرك الملفات الحارقة كموضوع الثروات المنهوبة او حقيقة الاستقلال المزعوم, وتسمح  بجميع انواع الشذوذ الفكري والأخلاقي تحت عنوان الحرية وتسوغ له المبررات القانونية كما يحصل مع لجنة الحقوق والحريات.

         ما لا يدركه أعضاء اللجنة ومن وراءهم هو أن السحر سوف يتقلب على الساحر وستكون هذه اللجنة ومقترحاتها سببا في استفاقة حضارية للأمة ألإسلامية وفي زيادة وعيها على ضرورة استعادة كيانها السياسي الذي يحفظ سيادتها وحضارتها وكرامة أهلها.

محمد مقيديش

CATEGORIES
TAGS
Share This