ملف الثروات النفطية يكشف فساد الدولة المدنية

ملف الثروات النفطية يكشف فساد الدولة المدنية

            ” جزى الله الشدائد عنا كل خير “… هكذا قال الأمام الشافعي رحمه الله لان الشدائد كشفت له عدوه من صديقه , ونحن نشكر في هذه الأيام فضائح الفساد من أجهزة الدولة العليا لأنها كشفت لنا ما دأبت الحكومة وإعلامها البنفسجي على التستر عليه  من نهب ثروات البلاد من طرف الشركات الاستعمارية المتحالفة مع حفنة من الفاسدين المقربين من الحكام.

          فالإنكار المتواصل لوجود الثروات الباطنية يفضحه تواصل عمل العشرات من الشركات البترولية, والتكتم حول كميات الإنتاج تفضحه الاخلالات الإدارية والرشاوى والتصرف في الصحاري والبحار وكأنها أملاك مستباحة مستعمرة, وليس ادل على هذا المستوى الرهيب من النهب لأموال الشعب ما أوردته وسائل الاعلام من استغلال أحد حقول النفط منذ خمس سنوات بدون رخصة من الجهات الرسمية.

         هذه هي الدولة المدنية التي بشر بها دستور 2014  والتي ذكر بهويتها “الباجي قائد السبسي” يوم 13 اوت الأخير, حين اكد بكل وضوح  ان لا علاقة لها بالقران ولكن بالدستور الوضعي فقط . هذه هي “الدولة المدنية” التي لم تكتف بإبعاد القيم والنظم الإسلامية المنظمة للمجال السياسي فقط , بل تسعى في هذه الأيام الى اخراج وإبعاد القيم الإسلامية المنظمة للمجال الاجتماعي والعائلي الخاص عبر مقترحات لجنة الحريات الفردية والمساواة. وهذا ما يعني بوضوح ان تونس أصبحت مثالا للدولة العلمانية في شكلها المتطرف المعادي للدين أي على النموذج الفرنسي المقيت المحارب لكل اشكال التدين.

من “الدولة المدنية”  الى “الأخلاق المدنية”

      وكما ان فلسفة الدولة المدنية العلمانية تعتبر ان الانسان هو محور الكون وانه هو من يضع النظام العام حسب نظرته للمصلحة بعيدا عن الدين وعن خالق الانسان والحياة , فإنها تعتبر كذلك ان الانسان وليس الدين هو الذي يحدد نوعية الاخلاق التي تميز سلوكه الفردي حسب ما يراه من مصلحة. ولذلك فكما اصبحت فكرة النفعية والمصلحية الآنية هي التي  تتحكم في النظام العام بدل الاحكام الشرعية وأصبح بذلك الربا وسياحة العري والقواعد العسكرية الأجنبية مصلحة, فان الاخلاق المصلحية وليس الاخلاق الإسلامية هي السمة الأساسية للحكام وكبار المسئولين ولكثير من الاعلاميين , فلا عجب إذا  ان نكتشف أن فضائح الرشاوى والعملات  شملت معظم الصفقات, وأن تعيين ذوي القربى من العائلة والأصهار في المناصب الحساسة هو القاعدة وليس الاستثناء, وان نهب ثروات البلاد وتمكين الشركات الاستعمارية منها وحرمان الشعب من خيراتها شمل كل القطاعات, وأن ما تم الكشف عنه مؤخرا من  رشاوى و”ساعات الرولكس” الفاخرة من الشركات البترولية المقربة من شقيق رئيس الدولة ليس إلا قمة جبل الفساد الغائر في أعماق “دولة الحداثة المدنية”. فالكل يعلم بالسياحة الحزبية لنواب البرلمان مقابل الأموال والسيارات , وبتحجير السفر الذي يلغى قبل جلسة البرلمان بعد ضمان اتجاه التصويت, وبرئيس هيئة مكافحة الفساد نفسه الذي تحوم حوله  قضايا الفساد.

التبعية للغرب هي العائق الأكبر للتحرر والنهوض 

       ورغم كل هذه المآسي التي جعلت البلاد نهبا للعصابات المحيطة بحكام البلاد ورغم فشل كل القرارات التي قدمتها الحكومة لمعالجة الواقع الاقتصادي والاجتماعي او على الأقل وقف انحداره, لا نزال نلاحظ اصرار الحكام على اتباع التوصيات القادمة لهم من الغرب  سواء في المجال السياسي الاقتصادي العام او في المجال الاجتماعي والخاص , وهو دليل على مدى التغلغل الغربي في مفاصل الدولة والتي أصبحت اشبه بدولة احتلال يقودها الوكلاء الصغار تحت اشراف السفراء.

         ولكن مهما اجتهد الوكلاء المحليون من سياسيين في الحكومة والبرلمان من اتباع الغرب وتوصياته ومهما اجتهد الاعلاميون البنفسجيون في تصوير التبعية المذلة على انها حداثة وتحضر فلا يتوقع عاقل أن  تحدث نهضة  اقتصادية ولا تعليمية  ولا غيرها ما دامت دولة الاحتلال قائمة في تونس, فالنهضة العلمية والاقتصادية لا تحصل في ظل الاحتلال الحضاري ولا بالتقليد واستيراد القوانين المناقضة لهوية الأمة بل تحصل بعد التحرر من كل اشكال التبعية وبتنظيم الحياة العامة بنظام ينبثق من هوية  الامة وعقيدتها حتى يحصل الانسجام بين الامة والدولة ويحصل الرقي  الفكري والإنتاج العلمي والصناعي والفلاحي بشكل مادي محسوس وليس بشكل افتراضي وهمي كما تروج له الحكومة.

      ( خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم) رواه مسلم

محمد مقيديش

CATEGORIES
TAGS
Share This