قرقنة, ندوة سياسية بعنوان: لجنة الحريات الفردية والمساواة مثال على حرب دولة تونس على الإسلام خضوعا للاستعمار

قرقنة, ندوة سياسية بعنوان: لجنة الحريات الفردية والمساواة مثال على حرب دولة تونس على الإسلام خضوعا للاستعمار

كان من المفترض أن يعقد حزب التحرير مساء السبت 1 سبتمبر 2018 ندوة سياسية في جزيرة الصمود وقلعة النضال “قرقنة” بحضور رئيس المكتب السياسي للحزب الأستاذ عبد الرؤوف العامري، ولكن تعنت السلطة وخدمتها الواضحة للاستعمار جعلها تسارع للحيلولة دون ذلك، حيث تم الضغط على صاحب القاعة ومحاولة إقناعه بأن الندوة لم تحصل على ترخيص، مع أنها مستوفية الشروط والتراتيب الإدارية الجاري العمل بها، وبذلك تضيف السلطة في تونس إلى سجلها الحافل جريمة جديدة باسم الديمقراطية فتكمم الأفواه المنادية بتحكيم شرع الله مقابل السماح للكفار والفجار وأعوانهم من الشواذ بأن يجوسوا خلال الديار، وكأن البلاد مقاطعة فرنسية أو بريطانية، في رضوخ مذل ومهين لأوامر السادة الأوروبيين.

أما جهاز الأمن، فقد تم إقحامه كالعادة في معركة لا ناقة له فيها ولا جمل، حيث حدد حزب التحرير عدوه منذ تأسس من كونه الكافر المستعمر، وأنه لا مشكلة لديه مع أجهزة يفترض أن تكون في صف الأمة لا أداة بأيدي أعدائها، وعلى رأسها أجهزة الأمن والجيش، ولكن السلطة ماضية في الرضوخ للاستعمار مستميتة في إحداث شرخ بين الحزب وبين هذه الأجهزة عبر جعلها أداة طيعة لتنفيذ أجندات خارجية وجعل محاصرة الحزب ومنع نشاطه وعزله عن الناس على رأس سلم أولوياتها بدل مكافحة الجريمة والتصدي للإرهاب الدولي المتربص ببلادنا. ومع ذلك، فإنه لم يفت شباب حزب التحرير في قرقنة، أن يلتحموا بأهالي الجزيرة في وقفة احتجاجية تخاطب الأمن والشعب وتطالبهم بنصرة وتأييد مشروع الحزب في معركة التحرير التي يخوضها ضد الاستعمار ووكلائه.   

******

كلمة الأستاذ عبد الرؤوف العامري رئيس المكتب السياسي لحزب التحرير في تونس

لجنة الحريات الفردية والمساواة مثال على حرب دولة تونس على الإسلام خضوعا للاستعمار

وحزب التحرير يذكركم: وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُون

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه

1 ـ السياق التاريخي للحرب على شريعة الإسلام منذ الإطاحة بالخلافة

كلنا نعلم أمر اللجنة المسماة بلجنة الحريات الفردية والمساواة والتي أنشئت يوم 13 أوت 2017 بتكليف من رئيس الدولة الباجي قائد السبسي والتي قدمت له حصيلة عملها يوم 01 جوان 2018 والذي جاء تحت عنوان “تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة” وأي مطّلع منصف وهو يرى تركيبة اللجنة يدرك يقينا أنها لن تأتي بخير للعلم بالمعاداة الصريحة لهؤلاء الأعضاء لعقيدة الأمة ولشرع الرحمان ولاعتداد أفرادها بتبنيهم لأفكار فصل الدين عن الحياة وسعادتهم برضى الدوائر الغربية الاستعمارية عنهم واستعدادهم لخدمة الحضارة الغربية ومفاهيمها بل والسعي إلى إلحاق بلادنا ودمجها في هذه الحضارة ومحو أي علاقة للإسلام بها.

ورغم إلحاح السؤال عن الحاجة إلى طرح مثل هذه القضايا في ظل ما يعتمل في الساحة التونسية من أزمات وعقبات وعجز السلطة على الخروج من الأزمات التي جرتها على البلاد نتيجة سياساتها الخرقاء وتطبيقها لأحكام النظام الرأسمالي الذي يخدم في كل جزئياته الدول المسيطرة على بلادنا إلا أن ثنايا التقرير وطياته كشفت سوءاتهم وعوراتهم حين بنوا تقريرهم هذا على أمرين أساسيين:

أولا: قولهم إنّهم يواصلون مسيرة الإصلاح التي انطلقت محطاتها السياسية مع عهد الأمان الصادر في 10 سبتمبر 1857.

ثانيا: قولهم إن عملهم هذا هو محطة من محطات الاجتهاد الشرعي أي أن مهمتهم التي أناطها بهم السبسي وتقريرهم هذا عدوه اجتهادا شرعيا.

          فأما عن مسيرة الإصلاح فإن من أبرز هذه المحطات الإصلاحية التي يفخرون بها هي:

             ـ عهد الأمان الصادر في 10 سبتمبر 1857

             ـ دستور 26 أفريل 1861

             ـ دستور الاستقلال المؤرخ في أول جوان 1959

             ـ مجلة الأحوال الشخصية الصادرة في 13 أوت 1956

             ـ دستور 27 جانفي 2014

ومع عهد الأمان كانت بداية مسيرة الانحراف عن الإسلام والإعراض عنه والبعد عن أحكام الشرع وتبديلها. وهي الخطوات العملية الأولى في مسيرة التبعيّة العمياء لمفاهيم الحضارة الغربية وأفكارها وفرضها على المسلمين في بلد الزيتونة بالتضليل حينا وبالقهر أحيانا. وهي المسيرة التي انتهت بالبلاد التونسيّة أن يحكمها المستعمر بالحديد والنّار.

فبالنسبة إلى عهد الأمان، كلنا يعلم بالظروف التي حفّت بإصداره في عهد محمد باي إثر الحادثة الشنيعة لأحد الرعايا اليهود الذي نال من الدين الإسلامي فقضت المحكمة الشرعية بإعدامه، وإثر تنفيذ الحكم تدخل القناصل والسفراء الأوروبيين وخاصة سفيري بريطانيا وفرنسا لدى الباي وبطانته وآل الأمر إلى تهديد ومحاصرة أسطولي فرنسا وبريطانيا للبلاد التونسية، ليرضخ الباي ويقبل بإصدار ما سمي حينها بعهد الأمان ومن أبرز بنوده: الترخيص للأجانب بحرية الدخول والاستقرار والتجارة والملكية للعقارات والأراضي بسائر البلاد التونسية. تحت اليافطة الخبيثة أن بنوده لا تصادم القواعد الشرعية.

إلا أن رفض أكبر علماء القطر التونسي آنذاك ومنهم: شيخ الإسلام محمد بيرم الرابع، والشيخ محمد ابن الخوجة المفتي الحنفي، والشيخ أحمد بن حسين رئيس الفتوى في المذهب المالكي، والشيخ محمد البنا المفتي المالكي، لم يغير من الأمر شيئا وأصدر هذا العهد رغم رفضهم إياه.

 وأما دستور 1861، فقد تواصلت ضغوط الدول الأوروبية على السلطة في تونس بغاية إصدار دستور للبلاد يؤسس للقطع مع الأحكام الشرعية والإعداد لإدخال القوانين الغربية.  وبمجيء الصادق باي سنة 1859 للحكم سافر إلى الجزائر لمقابلة امبراطور فرنسا نابليون الثالث سنة 1860 ليطلعه على مشروع الدستور الذي يعتزم اصداره  والذي أعدّ تحت إشراف السفراء الأجانب خاصة  القنصل الفرنسي المستعرب ” ليون روش “، و الذي صدر في 21 جانفي 1861 ليطبق مفاهيم بنود “عهد الأمان”  وكان هذا الدستور هو السبب المباشر في استعمار تونس وامضاء معاهدة الحماية سنة 1881م. وقد رفض أهل تونس قاطبة هذا الدستور؛ إذ كان من أسباب ثورة علي بن غذاهم سنة 1864م رفض هذا الدستور الذي أملاه على الباي “النصارى” (فرنسا)، وكان شعار الثورة وقتها: “كفانا مجبى، ومماليك ودستورا”، وما يجب أن يذكره الجميع أنّ إبطال العمل بدستور 1861م كان من شروط الثوار لإنهاء الثورة.

وأما مجلّة الأحوال الشخصية التي اعتبرها التقرير فهي محطة جديدة في الحرب على أحكام الله، وهي كما قال فيها الشيخ محمد الصالح النيفر رحمه الله: “ليست من اجتهاد مجموعة من فقهاء المسلمين وإنما صنعت في الخارج، ووقعت الموافقة عليها في الداخل”. وقد تضمّنت بنودا كثيرة مخالفة لأحكام الإسلام القطعية. ولهذا رفضها علماء الزيتونة ومشايخها، ومنهم: محمد العزيز جعيّط شيخ الإسلام المالكي، محمد عباس شيخ الإسلام الحنفي، ومحمد البشير النيفر، وإبراهيم النيفر، ومحمد الهادي ابن القاضي، ومحمد الشاذلي ابن القاضي، وعلي بن مراد، وأحمد بن ميلاد، وعبد الوهاب الكرارطي، وعبد العزيز بن جعفر، وأحمد المهدي النيفر، ومحمد المنستيري، وعلي بالخوجة، والطيّب سيالة، ومحمد الحطاب بوشناق. إلا أن هذا الرفض لم يجد نفعا مرة أخرى فالقرار دائما يكون للسلطة السياسية.

 نأتي الآن إلى دستور 27 جانفي 2014، فالكل يعلم ظروف ووقائع نشوء هذا الدستور وما حف به ورغم الرفض الشعبي له وعدم الاهتمام به بل وصل الأمر إلى حد تمزيقه من جمهور الناس حين حاولت السلطة الرسمية الترويج له في اجتماعات عامة.

2 ـ جدية مشروع الحزب وطلب العمل له من عموم المسلمين بالانتماء والمناصرة

    أمام هذا الواقع الذي تمر به الأمة وهذا المكر الكبّار الذي يمكره الأعداء بها وهذه الخيانات التي لا تنتهي من قبل حكام استمرئوا الذل والهوان والخضوع للكفر وأهله طمعا في سلطان زائف وزائل يعمل حزب التحرير اليوم بكل جد في الأمة ومعها، بعد أن حدد قضية الأمة السياسية الأولى بأنها هي استئناف الحياة الإسلامية بإقامة دولة الإسلام: خلافة على منهاج النبوة على أساس عقيدة لا إلاه إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن العدو الرئيس للأمة هو الكافر المستعمر والذي يجب قلعه من جذوره.

   إلا أن هذه المهمة الجليلة والأمر الخطير لا يمكن أن يضطلع به الحزب وحده فإن الفرض الذي ألزم به المسلمين خاصتهم وعامتهم في قوله سبحانه وتعالى: وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (النساء/141)، يجعل في رقبة كل مسلم بالغ وعاقل رجلا كان أم امرأة فرض السعي لها والعمل على إقامتها بكل ما يستطيع، فأبواب الحزب مفتوحة لكل أبناء الأمة الصادقين المخلصين لله للعمل في صفوفه  هو على استعداد لاحتضان من ينصر  فكرته ويسعى معه لتحقيق الغاية الشريفة التي يعمل لها  وكل من يؤيده على ذلك بالتثقيف والإرشاد، وإننا في هذا الصدد لا يسعنا إلا أن ننوه بالتأييد الذي يلقاه من أهل قرقنة الكرام والمكرمات غير غريبة عنهم فتاريخهم حافل بالأمجاد والبطولات ومواقف العز فوقفتهم وصراعهم مع شركات النهب لثروات الأمة وملكياتها العامة لاتزال قائمة وماثلة للعيان ولا أقل من ذكر تصديهم للهجوم البحري الفرنسي إبان فترة الاحتلال لبلادنا وما وجودنا اليوم هنا في قرقنة إلا دليل صارخ عن مدى مساهمة هذه الجزيرة  وأهلها الميامين في السعي إلى إقامة حكم الله في الأرض وإعادة سلطان الأمة.

3 ـ معالم الصراع بكل وضوح: الاستعمار يريد وأمة الإسلام تريد.

    ـ الغرب يريد تأبيد فرض هيمنته على شعوب العالم وعلى الأمة الإسلامية تحديدا بالعمل بكل قواه وبتسخيره للخونة من أبناء الأمة على الحيلولة دون انعتاق الأمة من تسلطه باستعادة إرادتها وإقامة سلطانها وتطبيق أحكام ربها سبحانه وتعالى.

   ـ والأمة تريد فهي مصممة على اقتلاع نفوذ الكافر المستعر وقطع يده من حول رقابنا وإقامة صرح دولتنا دولة العز والمجد لتحمل الأمة رسالة ربها إلى عباده.

إلا أنه رغم الهرج والمرج الذي يفتعلونه لبعث اليأس في قلوب المسلمين فإنهم يحسون بخطر المشروع فيزيدون في كيدهم، فهم يريدون إلغاء المرجعية الإسلامية في الأحوال الشخصية حتى يطمئنوا على العلمانية في تونس، وما هي في الحقيقة إلا تتمة لما بدأه الكافر المستعمر يوم كانت جيوشه تجوس خلال الديار ثم أعانهم على ذلك المقبور بورقيبة بمجلته للأحوال الشخصية والفارّ بن علي بما أضافه من قوانين وهذا ما تعمل على إتمامه اليوم سلطة ما بعد الثورة.

       وأنتم تريدون إلغاء التشريع الوضعي واستئناف الحياة الإسلامية بتطبيق شريعة الله في خلافة راشدة على منهاج النبوة فالصراع بلغ مداه وثقوا أن الغرب الكافر المستعمر وحضارته على شفا جرف هار، وهو إلى زوال بعد أن انهارت قيمه وفقد كل قدرة على الاستجابة لانتظارات الإنسان الذي لم يبق له إلا شرع الرحمان جابرا لهمومه.

   يقول الحق تبارك وتعالى: وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِين (القصص/5)

 ويقول جل وعلا: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون. (النور/55)

م. وسام الأطرش

 

CATEGORIES
TAGS
Share This