منذ انتخابات 2014، اكتسب نوّاب البرلمان هواية جديدة قوامها الترحال والتجوال بين الكتل النيابية، و تخف هذه الحركة أو تشتد بحسب التجاذبات السياسية التي تشهدها البلاد، و قد سرع الصراع المحموم بين الحكومة و الرئاسة من حركة التنقل و التموقع من كتلة نيابية الى اخرى.
فقد انسحبت كتلة الائتلاف الوطني الحر المحسوبة على سليم الرياحي من كتلة الإئتلاف الوطني التابعة لرئيس الحكومة يوسف الشاهد، و ذلك بعد اندماج حزب الاتحاد الوطني الحر مؤخرا في حزب نداء تونس، كجزء من مسار متقلب في مواقف مؤسسه سليم الرياحي الذي صرح قبل انتخابات 2014 بأن الحكم متجه إلى العائلة وليس للباجي قايد السبسي فقط، ولكنه انخرط في مسار تشكيل حكومة يوسف الشاهد التي انبثقت صائفة 2016 عن وثيقة قرطاج، ثم عاد مجددا ليمزق هذه الوثيقة في أفريل 2017 مصرحا أنها “قادت الدولة بأكملها إلى منزل العائلة الحاكمة ومونبليزير (مقر حركة النهضة)”. هذه التقلبات تعكس في جزء كبير منها مصالح آنية تضطر سليم الرياحي إلى تغيير مواقفه السياسية.
كما يجري حاليا الحديث عن محادثات يقودها حافظ قايد السبسي و خالد شوكات من حركة نداء تونس مع تيار المحبة (العريضة الشعبية سابقا) لمحاولة اقناعه بالاندماج مع حركة نداء تونس خاصة بعد استقالة رئيسه الهاشمي الحامدي و إعلانه الانعزال عن العمل السياسي، و يبدو أن شوكات هو العقل المدبر ومهندس هذه الفكرة علماً وأن خالد شوكات كان قيادياً في صفوف العريضة الشعبية التي يقودها الهاشمي الحامدي المقيم في لندن.
أما حزب حركة مشروع تونس فقد دخل منذ مدة في مشاورات لتشكيل كتلة موحدة، تكون الاولى بالبرلمان أمام كتلة حركة النهضة، إلا أنها اشترطت إبعاد المدير التنفيذي لـنداء تونس حافظ السبسي من إدارة الحزب، للموافقة على الانصهار في كتلة برلمانية موحدة بمجلس النواب، بحسب ما أكده القيادي بالحركة حسونة الناصفي في برناج ”هات الصحيح” على قناة نسمة يوم الخميس 4 أكتوبر 2018 ، لتنتهي هذه المشاورات بإعلان أمينها العام محسن مرزوق أن ‘الباب أغلق أمام الإنصهار مع حركة نداء تونس’، وهو الذي كان سابقا جزء منها قبل أن ينشق عنها، و قد عزى مرزوق هذا القرار لاختيار النداء طرفا سياسيا، في إشارة إلى الاتحاد الوطني الحر.
وأكد في ذات السياق، قراره بعدم الدخول في صراعات سياسية غير ضرورية، وتابع، ”التحالف مع أي كان لاسقاط الحكومة ،هو موقف تحطيــمي عدمي لكسر العظام ونحن كحركة مشروع تونس لا نتبناه”.
و ما يجدر ذكره أن “المشروع” وأمينه العام محسن مرزوق قد غيّرا موقفهما من الحكومة في عدة مناسبات ليسانداها تارة ويدعوان الى رحيلها تارة اخرى، والامر سيان بالنسبة لكتلته البرلمانية “الحرة” التي اهتزت مصداقيتها في المجلس بسبب تذبذب موقفها من الحكومة .
و اليوم يعلن حزب مشروع تونس بشكل صريح عن موافقته المشاركة في التحوير الوزاري المزمع وعن التنسيق الحاصل بين كتلته وكتلة الشاهد المسماة بكتلة الائتلاف الوطني، التي ستضع الحزب في موضع حليف لحركة النهضة، غريمه السياسي، بعد أن صرح أمينه العام محسن مرزوق تونس في حوار مع قناة الحوار التونسي يوم الخميس 25 اكنوبر 2018 بأن الصراع الايديولوجي مع حركة النهضة انتهى ولا فائدة منه.
من جهة أخرى أطلق إعلان رئيس الجمهوريّة انهاء التوافق بينه وبين حركة النهضة في 24 سبتمبر 2018 العنان لإندفاع “جناحي” التوافق للتباعد أكثر فأكثر. طلاق كان عنوانه الرئيسيّ الإختلاف حول مصير يوسف الشاهد الذّي كان قبل سنتين عنوانا للتحالف الحاكم وإن على مضض من حركة النهضة التّي اتخذت منه مسافة طيلة الأشهر التالية لتنصيبه. ليكون اندلاع الصراع بين الشاهد ونجل الرئيس منعرجا حاسما في تغيير خارطة التحالفات وقبر مسار التوافق الذّي تصدّع قبيل الأمتار الأخيرة من الموعد الانتخابي.
أما حركة النهضة فقد جددت بعد اجتماع “شورى” الحركة يومي 6 و 7 اكتوبر 2018 تمسكها بالتوافق مع الرئيس وبشراكة مشروطة مع الشاهد، وسط انتقادات وجهها بعض قياديي الحركة إلى الشيخ راشد الغنوشي يطالبونه فيها بإعادة التوافق مع رئيس الدولة و عدم الزج بالحركة في الصراع بين جناحي الحكم. و هذه الانتقادات و إن لم ترتقي إلى حالة من التمرد و الانقسام في الحركة نظرا للتماسك الايديولوجي الذي تتمتع به، فإنه يؤشر إلى وجود حالة من التململ تجاه تحول الحركة من حليف لنداء تونس الى عقبة امام تنفيذ مخططه في اسقاط الحكومة، كما يؤشر على عدم الثقة بالشاهد وهو ما دفع الحركة إلى مطالبتة بالالتزام بعدم الترشح للاتخابات الرئاسية، و قد أكّدت مصادر متطابقة أنّ اجتماعا عُقد يوم الاربعاء 24 أكتوبر 2018، بين رئيس الحكومة يوسف الشاهد ورئيس حزب النهضة راشد الغنوشي، حيث ركّز اللّقاء على التعديل الوزاري المنتظر والذي يبدو أنّه سيمثّل وفقاً لعدد من المراقبين، أوّل اختبار للتوافق الجديد بين الشاهد و النهضة.
و لن تخرج حرب التموقعات السياسية و البرلمانية عن الخطوط العريضة التي تتحكم فيها القوى الغربية و على رأسها بريطانيا و فرنسا، و لا يغدو ما يحدث سوى تنافس بين الادوات المحلية في خدمة السيد الغربي. و إذا كان يوسف الشاهد تدعمه بريطانيا و الاتحاد الاوروبي و صندوق النقد الدولي، فلأنه أحسن تسويق نفسه كخادم كفؤ للمصالح الغربية و ذلك بتعهده توقيع مشروع إتفاق التبادل الحر الشامل والمعمق بين تونس والاتحاد الأوروبي (الأليكا) قبل موفى 2019، و بالسير في الاصلاحات الكبرى وفق املاءات صندوق النقد الدولي.