هل يمكّن “نظام العتبة” أحزاب السلطة من خدمة المستعمر

هل يمكّن “نظام العتبة” أحزاب السلطة من خدمة المستعمر

       أقرّت لجنة النظام الداخلي والقوانين والحصانة والقوانين البرلمانية والقوانين الانتخابية بالبرلمان لدى اجتماعها الخميس 15 نوفمبر 2018 للتصويت على فصول مشروعي القانونين المتعلقين بتنقيح وإتمام القانون المتعلق بالانتخابات والاستفتاء اعتماد عتبة 5 بالمائة بالنسبة إلى الانتخابات التشريعية.

       ويعني اعتماد هذه النسبة أنّ القائمات التي تتحصل على أقل من 5 بالمائة لا تحتسب ضمن الحاصل الانتخابي مما يعني عمليا ان عددا من النواب ممن عُرفوا بشدة انتقادهم للحكومة وأعمالها سوف لن يكون لهم وجود في المجلس القادم فيما لو تحصلوا على نفس النتائج كما  في الانتخابات السابقة.

ويحق لنا التساؤل ما الذى حمل رئاسة الحكومة على تقديم مثل هذا التعديل , وهل لهذا الامر علاقة مع إعادة تشكيل المشهد السياسي في تونس ونحن على أبواب سنة انتخابية جديدة؟

 “نظام البقايامن اجل اقصاء التيار الإسلامي

       وللإجابة على هذا السؤال لابد من التذكير ان النظام الانتخابي قبل هذا التعديل كان قائما على احتساب ما يسمى “بنظام البقايا” وهو النظام الذي سمح بدخول عدد كبير من الأحزاب الصغيرة التي لم يتجاوز  الحجم الانتخابي للواحد منها %1 حتى انها عرفت في الأوساط الشعبية “بجماعة الصفر فاصل” , ولقد كان واضحا ان الهدف من هذا القانون الانتخابي هو منع أي حركة تنتمي الى التيار الاجتماعي والسياسي الإسلامي من الحصول على الأغلبية المطلقة للحكم , وقد نجح هذا القانون في منع “حركة النهضة” من الانفراد بالحكم رغم حصولها على قرابة 40% من الأصوات في انتخابات “المجلس التأسيسي”, كما منح هذا القانون العديد من الأحزاب ممن عرفوا بعدم امتلاكهم قواعد شعبية من الظهور الإعلامي الذي تسمح به التغطية الاعلامية الرسمية لنشاط المجلس, مما أعطى صورة إعلامية مغلوطة عن الحجم الحقيقي للتيار العلماني في تونس اعتمادا على عدد أحزابه في البرلمان.

           هذا المشهد السياسي الذي تشكل عقب انتخابات 2011 تغير كليا بعد دخول تونس في دوامة الاغتيالات السياسية والإعمال الإرهابية الاستخباراتية , وبعد انتخابات 2014 وما نتج عنها من سياسة التوافق التي قامت على أساس دعم “حركة النهضة ” لحكم “نداء تونس”  سياسيا وبرلمانيا مقابل بعض المناصب الوزارية بأقل من حجمها الانتخابي , وبعد إعلان “حركة النهضة” عن خروجها من “الإسلام السياسي” الذي عبرت عنه “بالفصل بين الدعوي والسياسي”.

إعادة التأهيل والاستعداد للوكالة

          وفي ما كان حزب “نداء تونس” يغرق في الانقسامات الداخلية  والسياحة الحزبية لنوابه في البرلمان, تميز أداء “حركة النهضة” بالانضباط التام مع سياسة الحكومة ,فقد صادق نوابها على كل القوانين التي قدمتها الحكومة ولم تبد الحركة أي نقد او امتعاض من اغراق البلاد في المديونية وفق شروط صندوق النقد الدولي , كما لم يصدر منها أي امتعاض من سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه تونس وتحديدا من توسيع اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي. ومن جهة أخرى أبدى عدد من نواب المعارضة تجاوبا مع تيار  شعبي كبير من المثقفين والخبراء الرافضين لسياسة الهيمنة والاستحواذ التي يمارسها صندوق النقد الدولي ومؤسسات الاتحاد الأوروبي , وقد ساهم هذا الامر في إيجاد  رأي عام ضد السياسة الخضوع  للإملاءات الخارجية التي تنتهجها الحكومة وحزامها السياسي المتكون من ما تبقى من “نداء تونس” مع نواب “حركة النهضة” في البرلمان.

نظام العتبة شهادة حسن سلوك من المسؤول الكبير

           لذلك ليس من المبالغة القول بان حركة النهضة أصبحت ركيزة من ركائز الحكم في تونس  بعد ان تم ترويضها و إخراجها من دائرة “الاسلام السياسي” الى فضاء “الواقعية السياسية” والتبني الكامل لنموذج الدولة الوطنية العلمانية التابعة للغرب. ولعل هذا الامر كان كافيا  ليأذن “المسئول الكبير ” بالتخلي عن “نظام البقايا” الى “نظام العتبة” لكي يتم التخلص من الأحزاب الصغيرة التي تشوش على الحكومة في تطبيق ما وعد به “يوسف الشاهد” من انجاز “اتفاق الشراكة المعمق والموسع مع الاتحاد الأوروبي ALECA” , أو تفعيل برنامج الإصلاحات الهيكلية التي أوصى بها صندوق النقد الدولي والذي يلزم الحكومة  بالتفريط في عدد من المؤسسات الحكومية تحت عنوان الاصلاح.

     وهكذا فان تبني نظام العتبة الانتخابية هو محاولة من لوبيات الحكم التابعة للاتحاد الأوروبي في تونس من اجل إعادة تشكيل المشهد السياسي و إقصاء الأحزاب التي تعارض  مصالحه وأهدافه .

     وهكذا فانه يتبين مرة أخرى ان الازمة الحقيقية في تونس ليست في اختيار النظام الرئاسي او البرلماني وليست في نوعية النظام الانتخابي بل هي ازمة تبعية وفقدان للسيادة   ووجود كافر مستعمر يتحكم في البلاد عبر عملائه ووكلائه. وإن ممارسة الامة لسلطانها لا يتأتّي  بالانتخابات المجردة بل عندما تكون هذه الأخيرة تحت إشراف أبناء الامة لا إشراف المراقبون الدوليون التابعون للمستعمر وعندما يكون الهدف منها التعبير عن اختيار الامة لمن يحكمها وفق عقيدتها وحضارتها وليس هدفها إضفاء الشرعية على وكلاء المستعمر في رعاية ومصالحه وأهدافه.

محمد مقيديش

CATEGORIES
TAGS
Share This