تمكنت هذا الشهر رشيدة وهي أمريكية الجنسية من أصول فلسطينية، وإلهان وهي أمريكية الجنسية من أصول صومالية، من الفوز عن ولايتي ميتشيغان ومينيسوتا، لتصبحا أول مسلمتين من أصول عربية تحصلان على مقعدين في مجلس النواب خلال انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي، فما هو واقع هذا الفوز؟
يعتقد بعض المسلمين أن هذا الفوز هو هزيمة لترامب الوقح في تصريحاته عن الإسلام والمسلمين؛ بينما الحقيقة أن ترامب لا يهتم وهو ماضٍ في تنفيذ مخططاته في “شفط” أموال المسلمين وقتلهم حول العالم غير مبالٍ مطلقاً بهذا الحدث! وذلك لأن أمريكا تسيطر على أنظمة الحكم في بلاد المسلمين، فما بالكم بامرأتين لم تخرجا عن نطاق هذه السيطرة داخل أمريكا ولن تقوما بأي أمر يخالف السياسة الأمريكية لأنهما محكومتان بالدستور الأمريكي كونهما حاملات للجنسية الأمريكية وأصبحتا جزءاً من الكونجرس؛ أساس التشريع في أمريكا، أي أن فوزهما يخدم مصلحة أمريكا فقط.
كما يراه البعض تفنيداً لـ”نظرية المؤامرة” وأن أمريكا ليست عدوة للمسلمين فلقد سمحت لامرأتين مسلمتين بالدخول إلى مجلس النواب… ومرة أخرى فات هؤلاء أن السيدتين قد دخلتا بشروط المجلس وأقسمتا بقسم المجلس أن يكون ولاؤهما لأمريكا وللدستور الأمريكي الوضعي، فلم تسمح لهما أمريكا بالانخراط في المجلس إلا لتثبيت صورة معينة للإسلام في أذهان الناس؛ ذلك الإسلام الذي ترضاه أمريكا ولا يتعارض مع مصالحها الرأسمالية والاستعمارية – الإسلام المعتدل أو الإسلام المعدل أمريكيا – والذي يخالف الإسلام الصحيح جملة وتفصيلا، ولقد فعلوا ذلك تلميعاً لوجه أمريكا القبيح وليخدعوا المسلمين في أمريكا وتنفيس غضبهم بعد أن زادت الهجمات العنيفة عليهم بعد تصريحات ترامب العنصرية وجرائم الإسلاموفوبيا، فكيف لا تضمر أمريكا لهم العداوة والبغضاء وهي تقتل المسلمين وتدعم من يقتلهم في سوريا واليمن وفلسطين والعراق وأفغانستان وأوزبيكستان والسودان وغيرها من بلاد المسلمين؟!
والمؤسف أن المسلمتين قد غفلتا عن أن من تسبب في الحرب الأهلية في الصومال وشرد أهلها وجعلهم لاجئين؛ ومن يدعم يهود في فلسطين هو أمريكا في المقام الأولى. وهذا الحدث ليس دليلاً على أن النظام الغربي نظام ديمقراطي وليبرالي منفتح يستطيع تمثيل العرقيات الصغيرة ويسمح بحرية التعبير، بل إن هذا النظام هو نظام مجرم وقاتل وخبيث جعل الضحية تلجأ إلى جلادها! قمة الخداع والنفاق! وإن أرادت أمريكا إنصاف المرأة فلترعَ آلاف الأمريكيات اللاتي يمتن من العنف والمخدرات والإهمال والفقر والأمراض في بلدها المتحضر المتقدم..
على المسلمين أن يفهموا تحذير الله تعالى لهم بعدم موالاة الكفر وأهله وعدم جواز العمل بأنظمته التشريعية لأن المسلم مأمور بطاعة رب العالمين وأن الحاكمية لله رب العالمين وحده لا شريك له، ودخول الكونجرس الأمريكي والمشاركة فيه حرام ولا يجوز شرعاً لما فيه من اتباع للكفار والإقرار بتشريعاتهم الوضعية، قال تعالى: ﴿وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾. [سورة البقرة: 120]. وقال تعالى: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [سورة يوسف: 40].
وبالتالي فإن هذا الفوز ليس فرحة كبيرة وليس نصرا للإسلام والمسلمين على أمريكا لأن ما حصل لم يحصل بدون إرادة الكونجرس، بل إنه حصل ضمن الحزب الديمقراطي الأمريكي الذي يُمثل الكفر، وبالمشاركة في المنظومة الأمريكية الديمقراطية تكون المسلمتان قد خسرتا هويتهما الإسلامية ضمنياً والتي تتعارض مع مفاهيم الكفر. وإن كان يأمل هؤلاء بأن تتحسن أوضاع المسلمين داخل أمريكا وأنه بهذا الاندماج سيتحسن وجه الإسلام عند الكفار أو أن الكونجرس سيتعاطف مع قضايا المسلمين وسيحاربون الإسلاموفوبيا، فليعملوا أن ذلك لن يحدث لأن حقيقة النظام الأمريكي الذي هو نظام رأسمالي يحمل كراهية المبدأ الإسلامي كجزء من صميم عقيدته العلمانية التي تنص على فصل الدين عن الحياة وعن السياسة ويرفض أن يكون لله تعالى دخل في شؤون العباد، وأما المبدأ الإسلامي بعقيدته وأنظمته فهو الوحيد القادر على هدم المبدأ الرأسمالي. ولن تتغير السياسة الأمريكية الداخلية ولا الخارجية؛ فسياسة الإجرام والبلطجة والاستعمار ونهب الأموال التي تتبعها أمريكا تجاه المسلمين حول العالم باقية ما بقي المسلمون بدون دولة إسلامية ترعاهم وتحميهم. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [سورة آل عمران: 118].
إن فوز مسلمات في عضوية الكونجرس ما هو إلا تكتيك سياسي وإعلامي لتثبيت مفهوم الإسلام المعتدل الذي ترضى عنه أمريكا ويحقق مصالحها الداخلية والخارجية ولن يغير واقع أمريكا الحاقدة على الإسلام والمسلمين، فهو ليس نصرا للإسلام، ولا هو نصرا للمرأة المسلمة، بل هو انحدار لها في درك الرأسمالية. إن دورها الصحيح وانتصارها الحقيقي يكون بعملها لنصرة الإسلام السياسي ووصوله لسدة الحكم وتنصيب خليفة للمسلمين في دولة الخلافة الراشدة التي ستحكم بما أنزل الله والتي ستهزم أمريكا وأتباعها وتحمل الدعوة الإسلامية بالجهاد إلى العالم أجمع. فلتكن المسلمة في بلاد الغرب الكافر أو في بلاد المسلمين خير نموذج لحاملة الدعوة التي تعمل على طريقة رسول الله e لتغيير الواقع الفاسد الذي تعيشه الأمة الإسلامية بسبب هيمنة أمريكا ونفوذها الذي لم تكن لتتجرأ وتبسطه لو كان للمسلمين دولة ترعى شؤونهم وتردع أعداءهم، بدل أن تكون أداة يهدم بها الغرب الكافر الإسلام. على النساء المسلمات العمل وَفق طريقة رسول الله e بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإغاظة الكفر وأهله بالطاعة لرب العالمين والعمل لتطبيق الدستور الإسلامي والقوانين الشرعية، فهذا هو عمل المرأة السياسي في الإسلام؛ براءة من الكفر وطاعة لله ورسوله e بالبيعة الشرعية، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ﴾. [سورة الممتحنة: 12].