احتفالا باليوم العالمي للغة العربية: علّة انحياز الحاكم العربي للغة الأجنبية في تدريس العلوم

احتفالا باليوم العالمي للغة العربية: علّة انحياز الحاكم العربي للغة الأجنبية في تدريس العلوم

مرت اليوم أكثر من سبعة عقود، على رحيل المستعمر الإنجليزي والفرنسي من المشرق والمغرب العربيين، ولا تزال مع ذلك مؤسساتنا التعليمية، تلقن المواد العلمية، إمّا باللغة الإنجليزية أو بالفرنسية، باستثناء الجمهورية العربية السورية. وقد فوجئنا خلال هذه العقود، بإقدام دول صغيرة نسبيا، لم تكن لغاتها الوطنية شيئا مذكورا، على استخدام لغاتها في ميدان العلوم، وفي مختلف مراحل التعليم، وتتفوق بها، فهل يعني هذا أن لغة الضاد، التي لم يسمح لها الحكام العرب حتى الأن باقتحام هذا الميدان، قد بلغت سن اليأس والعقم؟ بعد أن أتحفت العالم العربي والغربي بجيش من العلماء بلغة الضاد، أمثال ابن جابر وابن سينا وابن زهر وابن شاباط وابن الهيثم والرازي والخوارزمي وغيرهم ممن امتد اشعاعهم وتأثيرهم حتّى عصر النهضة الأوروبية؟

أم يعني – بكل بساطة – أن حكامنا العرب الحاليين ليسوا أحفاد الأغالبة في القيروان، ولا العباسيين في بغداد، ولا الأمويين في الأندلس، وإنما هم رهط هجين، أصيب إثر الهجمة الاستعمارية في النصف الأول من القرن العشرين بفيروس اليأس والمسخ؟

إنني لا أزعم أنني مختص في علم الوراثة، ولكن المؤشرات والقرائن تدفعنا الى ذلك دفعا، فأثناء المؤتمر العربي والدولي المهيب، الذي انعقد يوم 18 ديسمبر 2013 تحت عنوان:

” في رحاب اللغة العربية ” بقصر الجمهورية التونسية بقرطاج، والذي حضرته وفود عن كافة الدول العربية وعدد من ممثلي الدول الأجنبية، سمعنا شهادات مباشرة من قبل الخبراء في اللغات والعلوم، ومن قبل الأساتذة الجامعيين في عديد الاختصاصات العلمية، الذي دام يومين كاملين، أكدت كلها على اتهام الحاكم العربي مشرقا ومغربا، بأنه غير طبيعي في موقفه السلبي المزمن من اللغة العربي، طوال هذه العقود، وأن انحيازه المزمن لاستخدام اللغة الأجنبية ذات الخلفية اللاتينية المسيحية، في تدريس المواد العلمية، في مرحلتي التعليم الثانوي والجامعي، وخاصة في منطقة المغرب العربي، يجعله دون أدنى شك متهما، بأنه يعاني من انهيار معنوي ذاتي، أفقده إرادة التغلب على عجزه، وإرادة الثواب الى  رشده، بشأن استمراره الاستفزازي باستخدام لغة الإنجليز ولغة الفرنسيين هنا وهناك، مغتالا بكل ردة لغتنا الوطنية والقومية، بعناد لا مزيد عليه طوال هذه العقود. وحتى لا تعتبر هذه الشهادات طعنا مجانيا مغرضا في حكامنا العرب الميامين، ركز المتدخلون على تقديم أمثلة حية من الواقع الدولي المعيش، الذي يبرز مدى استهانة الحاكم العربي بلسانه ورمز انتسابه الحضاري، بإصراره على استخدام اللسان الأجنبي في تلقين المعارف، رغم تكرار المطالب والنداءات، بوضع حد لهذه التبعية، وإعطاء المجال الطبيعي والمنطقي للغتنا القومية الرسمية للقيام بوظيفتها التي أقرتها جميع الدساتير العربية.

وأول مثال تم تقديمه، كانت” إسرائيل” المتاخمة للحاكم العربي والتي أقدمت غداة 1948 على استخدام لغتها الوطنية العبرية، في جميع المؤسسات العمومية والخاصة، وفي كافة مواد التعليم الأدبية والعلمية، مع أنها كانت قبل ذلك فاقدة للتجربة والخبرة والكفاءة، ولكن إصرار الحاكم الإسرائيلي المعتز بهويته اللغوية، وإصراره على تحدي جيرانه الحكام العرب المتخلين عن أقدس ما عندهم، وأعرق أداة في العلوم وهي لغتهم العربية، جعله يفعل المستحيل لتصبح العبرية في وقت قياسي، “لغة العلم بامتياز” حتى أن ثلاث مؤسسات جامعية إسرائيلية تدرس العلوم بالعبرية طبعا، تمكنت من تبوؤ مكانها ضمن خمسمائة جامعة عالمية متفوقة.

أما المثال الثاني الذي كان أكثر إفحاما، وأشد إيلاما، للحاكم العربي المنحاز حتى اليوم للغة الأجنبية في تدريس العلوم، فهو إيران الجارة الشيعية العنيدة التي بادرت دون تردد إثر ثورتها على الشاه وخلعه في ثمانينات القرن الماضي، إلى تجسيم ثورتها باستخدام لغتها الفارسية الإيرانية ذات الحروف العربية، في جميع مؤسساتها التعليمية، وفي مختلف المواد، بما فيها أساسا العلوم والتقنيات. ومن المفارقات أن تصبح إيران مالكة لمجد سيادة الهوية باستخدام لغتها الوطنية دون غيرها، ومجد امتلاك ناصية العلوم، والوصول الى قمة الطاقة النووية، وصارت رغم أنف الحاكم العربي–محل تقدير وإكبار من قبل الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية.

وقد تمكنت أخيرا أكثر من مؤسسة جامعية علمية باللغة الفارسية في كل من طهران وقم ومشهد، أن تكون ضمن خمسمائة جامعة عالمية متفوقة، كما ذكّر الحاضرون بالدول الأخرى الفتية، حديثة العهد بالاستقلال، مثل اليابان وكوريا، اللتين بادرتا باستخدام لغتيهما الوطنيتين في كافة مفاصل الدولة وخاصة في تدريس العلوم الصحيحة، وهما اليوم في طليعة الدول المتقدمة على جميع الأصعدة.

فهل أن الحاكم العربي كان غافلا عما يجري حوله من تحديات، في مجال إقدام عديد الدول على استخدام لغاتها الوطنية دون اتكال جزئي أو كلي على غيرها؟

وبعد فما عسى أن نضيف في هذا اليوم، غير “إكبارنا” لما حصده حكامنا العرب من عجز مزمن عن تحقيق ولو الحد الأدنى من التقدم العلمي، رغم انحيازهم الخياني لاستخدام اللغة الأجنبية الدخيلة في تدريس المواد العلمية؟، وغير “تقديرنا العالي” للفشل الذريع لسياستهم الرجعية في الداخل والخارج؟ وغير انبهارنا الأعمى بانهزامهم المدوي في حروبهم الطائفية الثأرية، رغم تسخير التمويلات المهولة من مال الشعب المغلوب على أمره، لشحذ رحى هذه الحروب الإجرامية، حتى أصبحنا كأفراد وكشعوب عربية مسلمة، محل سخرية وكراهية، حيثما كنا في العالم، فهل كان فيلسوفنا المعري على خطأ، عندما قال في حكامنا العرب:

يسوسون الأمور بغير عقل               فينفذ أمرهم ويقال ساسة

فأفّ من الحياة وأفّ منّي              ومن زمن رئاسته خساسة

 

بقلم: البشير السالمي

أستاذ جامعي وعضو اتحاد الكتاب التونسيين

CATEGORIES
TAGS
Share This