في حوار له بثته قناة التاسعة يوم الجمعة 21 ديسمبر 2018، تحدث رئيس الحكومة يوسف الشّاهد عن الأوضاع السياسية والاجتماعية، وببعض الإطناب عن الوضع الاقتصادي، إلا أنه لم يأتي بالجديد وبدا أن الأقوال والمواقف لا تفاجئ المتلقي وتعيد على مسامعه ما تعود عليه من مختلف خطب وحوارات وتدخلات صاحب القصبة.
وقد أشار يوسف الشاهد إلى أن انتخابات 2019 لا تغريه ولا تُمثل أولوية بالنسبة له وأنه سيواصل مهامه وسيعمل على إيصال تونس إلى بر الأمان بتنظيم الانتخابات التشريعية والرئاسية في موعدها المقرر في 2019.
لا يمكن لأحد أن يصدق أن يوسف الشاهد زاهد في الحكم وأن كل همه خدمة مصلحة البلاد، حيث أصبح واضحا لكل مراقب أن الصراع بين رأسي السلطة التنفيذية إنما هو على السلطة والنفوذ وأن هذا الصراع سيتواصل إلى حدود الانتخابات القادمة.
فيوسف الشاهد لم يتمرد على ولي نعمته الباجي قايد السبسي من أجل مصلحة البلاد ومحاربة الفساد كما يحاول أن يسوق ذلك وإنما لطموحه الشخصي في الحكم، فقد سوق نفسه للقوى الغربية على أنه الأكفأ في خدمة مصالحهم وتنفيذ أوامرهم، حيث تعهد لصندوق النقد الدولي بالسير في الإصلاحات الكبرى مهما كانت النتائج والعقبات، ووعد الاتحاد الأوروبي بتوقيع إتفاق الأليكا، مع ما في ذلك من تدمير للقطاع الفلاحي وتهديد للأمن الغذائي، كما رفض إعطاء النهضة وعدا بعدم ترشحه لانتخابات 2019 بالرغم من إصرارها على ذلك، وهو ما يؤكد أن يوسف الشاهد سيواصل صراعه للوصول إلى قصر قرطاج ولو استوجب ذلك بيع البلاد للقوى الغربية.
لا ضير أن يرشح يوسف الشاهد نفسه للانتخابات القادمة إذا كان يتمتع بالشروط الشرعية ومستعد ليرعى مصالح الشعب التونسي وفق الأحكام الشرعية، إلا أنه صرح في ذات اللقاء بأنه علماني حداثي يفصل الدين عن الحياة، وبأنه امتداد للنظام القديم الذي رسخ استعمار البلاد وفرط في ثرواتها، ثم يأتي بعد ذلك ليوهم الناس أنه زاهد في الحكم بالرغم أن كل الوقائع تثبت عكس ذلك.
الطبقة السياسية التي تمسك بمقاليد الحكم في تونس تدرك أن الأمور ممسوكة من الخارج وأن من أراد أن يحكم فعليه أن يحصل على الرضا الغربي، لذلك يتنافسون فيما بينهم لإرضاء السفراء الأجانب والمؤسسات المالية، وهم لا يمارسون العمل السياسي لخدمة أمتهم وإنما لخدمة مصالح الغرب وشركاته ومؤسساته المالية، فرئيس الجمهورية أعلن مناطق الثروات على أنها مناطق عسكرية مغلقة حتى يحمي الشركات الغربية التي تنهب النفط والغاز والمعادن، ورئيس الحكومة يوسف الشاهد يسير في الإصلاحات الكبرى وعلى رأسها التفريط في المؤسسات العمومية لصالح الرأس المال الأجنبي ويعمل على تخفيض قيمة الدينار استجابة لأوامر صندوق النقد ليقع التهام ما تبقى من موارد البلاد من طرف الشركات الغربية بأسعار زهيدة، و القوى السياسية الأخرى لا تخفي علاقتها بالسفارات وتعتبر مصالح الغرب خطوط حمراء لا يجوز تجاوزها.
لن يصلح حال البلاد إلا بتغيير الطبقة السياسية، بساسة ينبعون من صميم الجمهور وينطلقون في أعمالهم السياسية من خلال مبدأ الأمة ويرعون مصالح الناس وفق المشروع الحضاري التي تنتمي إليه أمتهم و ليس من خلال المشاريع الغربية التي تورث الأمة الذل والهوان والتبعية المقيتة.