مالية الدولة وميزانيتها: حين تبيح العقائد الضالّة تدمير الشعوب

مالية الدولة وميزانيتها: حين تبيح العقائد الضالّة تدمير الشعوب

         لا تزال الأحداث تكشف كل يوم فظاعة وإجرام وبهتان القائمين على النظام الديمقراطي الرأسمالي وخطره على إنسانية الإنسان، وهو النظام الذي طالما نعقت ب”بركاته ” غربان الشؤم التي لا يضيرها ما تراه من آثار السوء على البشرية جراء فرض هذا النظام عليها بقوة الحديد والنار تارة وبالخداع والدجل تارة أخرى. فهل بعد أكثر من قرنين من استعمار العالم الغربي لإفريقيا وغيرها من بلاد الله الواسعة وانتهاك كرامة شعوبها وما جره عليها من ويلات وفظاعات يكتشف اليوم ساسة إيطاليا أنه “لو لم يكن لفرنسا مستعمرات أفريقية، لكانت الدولة الاقتصادية الـ15 في العالم في حين أنها بين الأوائل بفضل ما تفعله في أفريقيا”. وليؤكد وزير داخليتها، بعد احتجاج فرنسا عما صرح به الساسة الإيطاليون، أنه “لا يعتقد أن هناك حادثا دبلوماسيا. بل أن كل ما قاله في موضوع علاقة فرنسا بإفريقيا واضطرار هجرة أبنائها إلى أوروبا، ومنها إيطاليا،  صحيح. وأن فرنسا هي واحدة من هذه الدول التي تمنع التطور وتساهم في رحيل اللاجئين لأنها تطبع عملات 14 دولة أفريقية. وإذا أرادت أوروبا اليوم أن تتحلى ببعض الشجاعة، عليها أن تتخذ قرار العمل على إزالة الاستعمار في أفريقيا”، بل أضاف أن فرنسا لا ترغب في تهدئة الأوضاع في ليبيا التي يمزقها العنف بسبب مصالحها في قطاع الطاقة.

     فهل صحا ضمير الساسة الإيطاليين الجدد وأرادوا التكفير عن جرائم أسلافهم ونظرائهم من حكام فرنسا وأوروبا وسائر العالم الغربي الرأسمالي، وهم بصدد التأسيس لعلاقة جديدة مع شعوب العالم، تقوم على إحقاق الحق وإقامة العدل؟

     أم أن سياسة الصراع على النفوذ واحتكار الأسواق الخارجية طفت من جديد في أوروبا، وهي السياسة التي جرّت عليها وعلى العالم، أواخر القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، حربين عالميتين أتت على الأخضر واليابس؟

     فهل أطلت الفاشية الإيطالية من جديد وأصبحت تطالب بنصيبها من “كعكة”  البلدان المؤهلة لأن تستعمر من جديد وهي التي لم تكن بعيدة عما تتهم به اليوم فرنسا، أم أنها تناست استعمارها لاريتريا والصومال وليبيا  وإثيوبيا ؟

     أم أن أوروبا تركت إيطاليا تتحمل وحدها تبعة سياسة استعمار الشعوب التي جرت هجرة لا يبدو أنها ستتوقف في الأمد المنظور أو أنه يمكن وضع حدّ لها، مما اضطر المغامرين الإيطاليين الجدد إلى اعتماد سياسة “عليّ وعلى أعدائي” بكشف ما لم يعد من الممكن السكوت عنه؟

      أن تكون فرنسا في مقدمة الدول أم في المركز الخامس عشر بحسب تعبير السياسي الإيطالي، فإن ذلك موقوف حسب تعبيره دائما، على ماليتها التي تنهبها من مستعمراتها الإفريقية تحديدا وهو الأمر الذي لم يعد خافيا على أحد بعد أن استطاعت فرنسا أن تكبل هذه المستعمرات باتفاقيات مذلة فرضتها في ظروف استثنائية وعلى “ساسة ” رضوا أن يقايضوا وصولهم إلى كراسي”حكم” مقابل رهن شعوبهم إلى أمد لا يعلم آخره إلا الله، باتفاقية أمضيت في ستينيات القرن المضي تجبر الدول الخاضعة للاستعمار الفرنسي مقابل حصولها على الاستقلال دفع جزية سنوية تحصل بموجبها فرنسا  على 500 مليار فرنك سنويا( هكذا)، والتي عليها وضع 85 بالمائة من احتياطاتها الأجنبية في البنك المركزي بباريس (وهكذا). هذه الحالة دفعت برئيسين سابقين من رؤساء فرنسا إلى الإقرار بأنه من دون القارة الإفريقية ستصبح فرنسا في صف دول العالم الثالث.

    هذه فرنسا رائدة “حضارة التنوير” وهذه رسالتها إلى الإنسانية، تلك الرسالة التي تشترك فيها مع كل الدول التي تتبنى نفس المبدأ، والتي لا تقل عنها إجراما وإهلاكا للحرث والنسل، وهذه مصادر ماليتها التي هي عماد مدنيّتها وأساس رقيّها التي بنيت على جماجم ضحاياها ومآسي خلق الله المستضعفين المؤسسة على عقيدة ومبدأ فصل الدين عن الحياة والذي ليس له من قيمة إلا المصلحة.

     كنا تعرضنا في أعداد سابقة من جريدتنا إلى بعض فصول مالية الدولة الإسلامية، وهي الفصول التي فرضتها وحددتها عقيدة ” لا إلاه إلا الله محمد رسول الله “، عقيدة الدين الذي ارتضاه خالق كل شيء لعباده الذين فطرهم على ما شاءت حكمته فكان هذا النظام الذي وافق تلك الفطرة وكانت مالية الكيان السياسي، دولة الخلافة، الذي فرضه الله على عباده المؤمنين منبثقة عن تلك العقيدة تعالج وتستجيب لإشباع جوعات الإنسان إشباعا كاملا يحفظ كرامة الإنسان ويضمن له الاطمئنان والأمان الذي ينشده في هذه الحياة، وكان مما ذكرناه من فصول تموُّل الدولة الإسلامية: الفئ والغنائم، الخراج والجزية والملكيات العامة بأنواعها.

ونعرض اليوم بعض الفصول الأخرى، وهي كسائر الأحكام الشرعية تعالج واقعا ماديا يعيشه الإنسان في هذه الحياة الدنيا.

   ــ 1 ــ العشور:

وهذا الباب هو حق للمسلمين يؤخذ من مال أهل الذمة إن كان مما وقع الصلح معهم على أخذه من عروض تجارتهم إذا مروا بها على الثغور،ومن مال أهل دار الحرب المارّين بها على ثغور دولة الخلافة مثل ما تأخذ دولهم من أموال تجارة المسلمين حين يمرون على ثغور الدول الكافرة. وهي أموال تؤخذ على كل أنواع التجارات: حيوانات كانت أو زروع، أو ثمار أو أي نوع من البضائع المعدة للتجارة والربح.

  ــ 2 ــ مال الغلول من الحكام وموظفي الدولة ومال الكسب غير المشروع، ومال الغرامات:

وهو كل مال يكتسبه الولاة، والعمال، وموظفو الدولة، بطريق غير مشروع، سواء أحصلوا عليه من مال الدولة ، أو من مال الناس. فإنهم لا يحل لهم إلا ما تفرضه الدولة لهم من تعويض أو راتب. فإذا أثر أن أحد المذكورين في هذا الباب ـحصل مالا من غير وجه شرعي فإنه يستصدر منه ويضم إلى مالية الدولة.

   ــ 3 ــ الرشوة:

وهي كل مال يدفع للوالي، أو العامل، أو القاضي، أو الموظف، من أجل قضاء مصلحة من مصالح الناس، يجب قضاؤها من غير دفعه،فهي مال حرام لا تحل لمن أخذها على هذا الوجه والحكم فيها أنها تستصفى ممن أخذها وتضم إلى مالية الدولة.

  ــ 4 ــ الهدايا والهبات:

وهي كل مال يقدّم إلى الولاة، أو العمال، أو القضاة، أو موظفي الدولة، على سبيل الهبة أو الهدية، وهي مثل الرشوة، لا تحل لأيّ من المذكورين في الباب، ولو لم يكن لمن أهداها أو وهبها مصلحة آنية يريد قضاءها وهذه الهبات تعتبر غلولا والحكم فيها أنها تصادر ممن أخذها وتضم إلى ملكية الدولة.

  ــ 5 ــ الأموال التي يستولى عليها بالتسلط وقوّة السلطان:

وهي الأموال التي يستولي عليها الحكام، والولاة، والعمال، أو أقاربهم، وموظفو الدولة، من أموال الدولة أو أراضيها، أو من أموال الناس، أو أراضيهم، بالقهر والتسلّط والغلبة بقوة السلطان والمنصب، فهي كسب حرام. هذه المكاسب المتأتية ظلما و عدوانا إن كانت من أموال الناس وعرف أصحابها ردت إليهم وإن لم يعرفوا وضعت في بيت المال. وذاك ما قضى به الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز في أموال بني أمية الذين اكتسبوها بقوة السلطان من أملاك الناس وأملاك الدولة فردّها إلى بيت المال.

   ــ 6 ــ السمسرة والعمولة:

وهي كل مال يكسبه الولاة والعمال وموظفو الدولة سمسرة أو عمولة من شركات أجنبية أو محلية أو أفراد مقابل عقد صفقات أو تعهدات بين الدولة وبينهم، فهو مال غلول بمقام الرشوة وجب وضعه في بيت مال المسلمين.

   ــ 7 ــ الاختلاسات:

وهي الأموال التي يختلسها الولاة والعمال وموظفو الدولة من أموال الدولة الموضوعة تحت تصرفهم لقيامهم بأعمالهم أو إشرافهم على الإنشاءات أو المشاريع… فوجب مصادرتها ووضعها في بيت المال.

   ــ 8 ــ الغرامات:

وهي من واردات بيت المال تفرضها الدولة على من ارتكب بعض الذنوب أو أتى بعض المخالفات ، كمن اختلس مالا أو حاز مالا بقوة سلطانه أو أخذ هدية لا تحل له أو أصاب رشوة فإنه تفرض عليه غرامة زيادة على ما استصدر من مال لا يحل له، أو كمن منع إعطاء زكاة ماله فإنه تؤخذ منه الزكاة غصبا وشطر ماله تعزيرا له.

   هذه بعض فصول أخرى من أبواب مالية دولة الإسلام تتجلى فيها رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده تزكية لأنفسهم وصونا للمجتمع المسلمين من الدناءات وتطهيرا له من الدنس ومحاربة للظلم فيه ومنعا لذوي السلطان من أن يأكلوا أموال الناس الباطل وحفظا للحقوق، ولنا إن شاء الله وقفات مع فصول أخرى على صفحات جريدتنا في قادم الأعداد.

عبد الرؤوف العامري

CATEGORIES
TAGS
Share This