كارثة أخرى نظام سوء يقتل 11 رضيعا في مستشفى بتونس العاصمة:
أفاقت تونس يوم السبت الفارط على فاجعة جديدة: 11 وليدا مات أو قتُل في مستشفى الرّابطة. وقرّرت الحكومة فتح تحقيق عاج للوقوف على الأسباب الحقيقية التي تقف وراء وفاة الولدان وتحديد المسؤوليات، مبيّنة أنّه سيتم الإعلان عن نتائج البحث إبان انتهاء التحقيق. وتعهّدت النيابة العموميّة بالمحكمة الابتدائية بتونس بالموضوع وتحوّل قاضي التحقيق قد تحوّل على عين المكان صحبة ممثل النيابة لتحديد ظروف وملابسات الحادثة، ثمّ انتقل رئيس الحكومة إلى المستشفى ليكرّر نفس الكلام، واستقال وزير الصّحّة، أمّا رئيس الجمهوريّة فدعا مجلس الأمن القومي إلى الانعقاد…
هذا الخبر كان يوم السبت، وقبله بيوم أي يوم الجمعة تكلّمت منسّقة البرنامج الوطني لمكافحة داء الكلب وأنذرت أنّ الوضع وبائي بأكثر من جهة في البلاد، ومنها ولايات بنزرت ونابل وسيدي بوزيد التي باتت تتصدّر قائمة جهات الجمهورية في عدد حالات الكلب الحيواني خلال السنوات الثلاثة الاخيرة، وأكّدت أنّ جهة وحدها سجلت خلال شهري جانفي وفيفري من سنة 2019، 26 حالة كلب حيواني وهي وضعيّة تعتبر خطرة خاصة أن كامل السنة الفارطة لم تسجّل في الجهة سوى 52 حالة.
سكوت… اللّجان تُحقّق
قل ما شئت في توصيف ما تمر به البلاد من تردٍ على المستوى السياسي والإداري والأخلاقي والصحّي والتعليمي والمعيشي والسياسيّ…، في كل يوم تزداد المصائب وتتلاحق الفواجع بل الجرائم ليتضح لكلّ ذي عينين أنّ ما يسمى بالحكومة التونسية ومعها كلّ الوسط السياسيّ في غيبة لا يحسّون ولا يشعرون وإن هم تكلّموا عن أحوال البلاد وأهلها فليبرّروا تواجدهم في مناصبهم، وإن حدثت كارثة أو مصيبة أو جريمة، فسيندّدون ويتوعّدون ثمّ ينشئون لجنة أو لجان تحقيق ليغلقوا الموضوع ويُقال فيما بعد أنّ الموضوع قيد البحث والتحقيق.
كلّ مصيبة هي مناسبة انتخابيّة:
قلّما مرّ أسبوع إلا وتحمل لنا الأخبار مصائب مثلما حصل في مستشفى الرابطة أو تنقل لنا إنذارات مثلما أطلقته منسقة البرنامج الوطني لمكافحة داء الكلب، وتمرّ الأخبار في وسائل الإعلام ويُدعى إليها نفس الوجوه ليبرّر فريق الحكم منهم الوضع وينادي إلى الصّبر والتّعاون، أمّا إن كان من فريق المعارضة فليرمي أوصاف الفشل على الفريق الحاكم، وهكذا تحوّلت كلّ مصائب بلدنا وأهلنا إلى أداة للصراع على الكراسي وللتوظيف السياسي الرخيص. وتصبح كلّ المناسبات فرصة لحملة انتخابيّة غير معلنة يثبت فيها كلّ فريق أنّه الأجدر في قيادة البلاد .
والغريب في الأمر أنّ كلّ المتصارعين على الكراسي ممن هم في الحكم أو في المعارضة أو داخل الأحزاب لا يتصارعون لاختلاف برامجهم، ذلك أنّ البرنامج المسطّر للبلاد هو برنامج واحد سطّره المستعمر: الاتّحاد الأوروبي وصندوق النقد الدّولي والبنك الدّولي، بل هم يتصارعون فيما بينهم ليثبت كلّ طرف منهم للمستعمر أنّه الأقدر من خصمه على “قيادة” البلاد (عفوا على تركيع البلاد لبرنامج المستعمرين)
وعجّت وسائل الإعلام خاصّة في هذه الأيّام بنفس الوجوه القديمة المرسكلة، ولا حديث إلا حديث الانتخابات والصراعات داخل الأحزاب والتّحالفات الممكنة والمرشّحين المحتملين للأحزاب للانتخابات القادمة.
“تونس بخير” … العذر الأشدّ قبحا من ذنب:
ولذلك فلا غرابة أن يطلّ علينا مسؤولوا الدرجة الأولى أو الثانية مع كلّ مصيبة (وما أكثر مصائبنا) بتصريحات وبيانات وتبريرات هي من قبيل العذر الأشدّ قبحا من ذنب، فيملؤون الأسماع بأنّه مهما حدث في تونس فنحن بخير وتونس النموذج الأمثل في الديمقراطيّة وانّ ما يحدث طبيعي وعلى الجميع أن يحمد ربّه أنّنا لسنا مثل البلدان الأخرى وما فيها من اقتتال ودمار وفوضى …
وتسمعهم جميعا بلسان واحد يدعون: ” انظروا إلى ليبيا و سوريا و اليمن ومصر … فنحن في تونس أحسن منهم على كلّ حال” في تهديد ضمنيّ للتونسيين أنّكم إن لم ترضوا بالموجود فالمصير سيكون مثلما حدث ويحدث عند الجيران. ولمّا صار حديث الفساد على كلّ لسان وعجزت الفئة الحاكمة عن تغطيته أو التعتيم عليه، لجأت هذه الفئة الحاكمة إلى أسلوب خبيث فاعترفت بما يقع من فساد وتقصيرا بل وجرائم ثمّ قالوا: “ماعندنا من ظلم و فساد و تقصير، و… هو طبيعي وسيزول بالدّيمقراطيّة والانتخابات، فشاركوا في الانتخابات وأعيدوا انتخابنا…
هذا شعب كريم يجوع ويموت ولكنّه لن يخضع أو يستكين
وهكذا يظنّ هؤلاء أنّ النّاس سيحمدون الله على حالهم ويستعيذون منه من حال أهل ليبيا والجزائر واليمن وسوريا وأنّهم سيقبّلون أيديهم ويشكرون حكومتهم على: أنّ عدد القتلى في بلادنا قليل أمام ما يحدث في البلاد الأخرى، وأنّ ما يحدث من القتل في تونس، فقط هو بسبب التقصير والإهمال، لا بسبب الحروب والنزاعات المسلّحة، وأنّ الخصوصية التونسية بفضل “التوافق” العبقريّ ستخرج تونس إلى برّ الأمان…. هكذا ظنّوا أن سيصدّقهم النّاس بكذبهم وفاتهم أنّ أهل تونس بدؤوا ثورة ضدّ نظام وصاية استعماريّ وأنّهم لن يقبلوه أو يرضوا به مهما حصل، صحيح أنّ كلفة الثورة غالية، وأنّ ثمن التغيير سيكون باهضا، سيكون من أرواح النّاس وقوتهم وصحّتهم، ولكنّهم لن يخضعوا أو يركعوا للتجويع أو القتل،
لقد خاب ظنّ أشباه الحكّام وأشباه السياسيين إذ ظنّوا أنّ كلامهم سينطلي.
سيواصل الشعب ثورته لأنّه ما عاد ينخدع بأقاويل السياسيين الجوفاء، وما عاد يغرّه النظام السياسي في البلاد، وكشف مناورات الغرب وخدعه ونبذ خدّام الاستعمار وعبثهم، ولن ينتظر مرّة أخرى انتخابات تطيل عمر الفساد وتعيد الوجوه القديمة من جديد بنظام قتلهم رضّعا وضيّعهم شبابا وأرهقهم شيوخا. وبدأت الجماهير تميّز دعاة التغيير الجذري الصّادقين الواعين الذين يدعون بدعوة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يدعون إلى التحرّر من المستعمر وبناء دولة حقيقيّة تعزّ البلاد وأهلها وتعيدهم سادة أعزّاء بنظام عدل ورشد خلافة راشدة على منهاج النبوّة.