لم تكن الدماء التي سالت يوم الجمعة الماضي في مسجدين ب نيوزيلندا سوى قطرة في بحر من دماء المسلمين سفكتها أيادي حاقدة على الإسلام وأهله، وما 49 شهيدا إلا مجرد رقم يتردد في نشرات الأخبار وعناوين الصحف من باب العلم بالشيء لا غير ويضاف إلى أرقام مجازر سابقة قام بها إما أفراد أو جيوش دول وحصادها دوما أرواح أناس ذنبهم الوحيد أن دينهم الإسلام هذا وقد استغرب الكثيرون من إقدام الإرهابي مرتكب المجزرة على تصوير جريمته ونقلها مباشرة على الانترنت، وفاتهم أن أمريكا وأشياعها من أعداء الإسلام نقلوا للعالم أجمع جميع فظاعاتهم في العراق وفلسطين وبلاد الشام وأفغانستان وغيرها من بلاد المسلمين، ويتفاخرون بقتلهم النساء والأطفال والغطاء دائما الحرب على الإرهاب، والمحزن في هذا كله أنهم يجدون الدعم والتأييد ممن هم من بني جلدتنا دون خجل أو حياء بدأ بالحكام ووصولا لحاشيتهم من الأحزاب والمنظمات والإعلام.
من كلنا “شارلي ابدو” إلى مجرد نعام
عقب الهجوم المسلح على مقر الصحيفة الفرنسية “شارلي ابدو” تجندت الآلة الموالية للغرب فكريا وسياسيا في بلاد المسلمين عامة وفي تونس خاصة لمؤازرة الصحيفة التي أساءت أكثر من مرة للرسول صل الله عليه وسلم، واعتدت بشكل وقح على عقيدة المسلمين وآذتهم في نبيهم, كما أن عملية تنفيذ الهجوم وهوية من نفذها فيها الكثير من الغموض, ما أكده تضارب روايات الشهود مع التحقيقات التي أفضت إلى إلصاق التهمة بشخصين مسلمين ترك أحدهم بطاقة تعريفه في مسرح الجريمة, وهذا ما لا نراه حتى في الأفلام الموغلة في الرداءة تأليفا وإخراجا. ومع هذا انخرط الجميع في مهاجمة الإسلام ووصفه بالمنتج للإرهاب من خلال الإدعاء بأن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية تدعوا لقتل الأبرياء وإبادتهم جميعا بمجرد أنهم ليسوا بالمسلمين، وقد بلغت الصفاقة ببعضهم إلى حد الدعوة إلى عدم تحفيظ الأطفال القرآن الكريم خشية أن يصبحوا إرهابيين، والشيء نفسه حدث اثر جريمتي متحف باردو وسوسة، بكاء وعويل، شجب واستنكار فوق الوصف، فقط لأن من ماتوا ليسوا بمسلمين ودماءهم أغلى في نظر المسبحين بحمد الغرب مساء وصباحا وفي كامل أيام الأسبوع من دماء ما يفوق المليار مسلم, لهذا كان الصمت المدوي والمخزي عما حصل في نيوزيلندا خاصة أن المكان الذي استهدفه ذلك الإرهابي وارتكب فيه جريمته النكراء يعد من أهداف أعداء الإسلام في بلادنا فهم لا يلون جهدا في المطالبة بغلق المساجد وقد حملوها وزر فشل دولتهم ويكادون يجعلون منها السبب وراء تغيير المناخ وهي من تقف وراء الانحباس الحراري ومعضلة التلوث.
محاكاة الغرب في وقاحته
في سابقة فريدة من نوعها قام الإرهابي الذي قتل 50 مسلما بدم بارد وهم يؤدون الصلاة في مسجدين، وقبل تنفيذ جريمته البشعة والنكراء أعلن عن أسباب أقدامه على ارتكاب تلك المجزرة وهو كرهه للمسلمين بصفة خاصة والمهاجرين بصفة عامة, وكان قد بعث برسالة إلى رئيسة الوزراء يعلمها فيها أنه ينوي قتل عدد من المسلمين، رغم هذا كله تجنبت وسائل الإعلام الغربية وخاصة وسائل الإعلام في أمريكا وصفه بالإرهابي, فصحيفة “نيويورك تايمز” وصفته ب “المشتبه به ” و ب”المسلح” أما صحيفة “واشنطن بوست” وصفته ب” المهاجم المسلح”, والنهج نفسه سلكته صحيفة “ول ستريت جورنال وقناة “سي إن إن ” وسائر وسائل الإعلام الأمريكية البارزة، فجميعها تجاهلت الأمر وتجنبت وصف العملية بالإرهابية ومنفذها بالإرهابي رغم اعترافه المسبق بأنه إرهابي من رأسه حتى أخمص قدميه، وكيف لمن هو أصل الإرهاب وفصله يصف هكذا عملية بالإرهابية, فالرئيس الأمريكي الحالي جعل من قتل المسلمين وطردهم على رأس أولوياته وجعله مرتكزا لحملته الانتخابية.. وعلى هذا النحو سار الإعلام في بلادنا وتعامل مع الحادثة وكأنها مناوشة بسيطة كالتي تقع يوميا بين أبناء الحي الواحد أو تلك التي تشهدها ملاعب كرة القدم تنتهي بمجرد تدخل العقلاء.
نعم هكذا تعاملوا مع زهق أرواح العشرات وهم يؤدون صلاة الجمعة، وهذه في حد ذاتها جريمة في نظرهم فلو كانوا في ملهى أو ما شابه لسمعنا نحيبهم وعويلهم فالصلاة يعتبرونها شكلا من أشكال التطرف وحفظ القرآن مجلبة للإرهاب، والحجاب نوع من أنواع العنف ضد المرأة، وكل ما يتعلق بالإسلام هو مرفوض ويجب مناهضته, لذا لا غرابة في كيفية تعاملهم مع هذه الحادثة الإرهابية فالقاتل ليس من المسلمين ومن حصدت أرواحهم يد الغدر كلهم مسلمون, وفوق هذا ماتوا وهم يؤدون صلاة الجمعة, ولهذا مقتلهم ومقتل أضعاف أضعافهم مسألة فيها نظر حسب مقاييس الغرب وأذياله من بني جلدتنا.