الجيش الأمريكي الصليبي: قدم في تونس وعَين على الجزائر

الجيش الأمريكي الصليبي: قدم في تونس وعَين على الجزائر

رست السفينة الحربية الأمريكية “يو أس أس ايرلينغتون” بميناء حلق الوادي بالضاحية الشمالية للعاصمة وذلك يوم الجمعة 22/03/2019، في إطار مزعوم من “التعاون” والتدريب المشترك بين القوات العسكرية البحرية التونسية ونظيرتها الأمريكية، وفق ما أكده قائد السفينة الأمريكي، الذي أفاد بأن السفينة سترسو بالميناء لبضعة أيام، وتحمل السفينة على متنها قوة عسكرية مدرّعة، تتكون من ناقلات جنود المارينز ومدرعات حربية ميكانيكية برمائية متطورة، وتتكون القوة العسكرية من ألف جندي، 400 منهم يتبعون قوات البحرية الأمريكية و600 من قوات المارينز التي يمكنها أن تقوم بعمليات على الأرض.

كما ينطلق يوم الاثنين 25/03/2019، التمرين العسكري المشترك “أسد إفريقيا 19″، ويتواصل إلى غاية يوم 04/04/2019، بمشاركة تشكيلات عسكرية تونسية وأمريكية وملاحظين من الجانب البريطاني، وفق ما جاء في بلاغ صادر عن وزارة الدفاع الوطني.

مرّ هذا الخبر في وسائل الإعلام كخبر عاديّ فلم يتناوله المحلّلون ولا وقف عنده الإعلام المشغول بمعارك الكراسي داخل أحزاب الحكم.

هذا خبر عدوّ محارب مقتحم، هذه سفينة حربيّة أمريكيّة تحمل جنودا من المارينز قاتلي أطفال المسلمين في العراق وأفغانستان، وما خبر مقتل 100طفل من حفظة القران الكريم بأفغانستان في 03/04/2018 عنا ببعيد، أما سجن أبو غريب وغوانتانامو فتلك “حسبة” أخرى. لكنّ الفئة السياسيّ تستقبل أكثر من ألف جندي أمريكي على التراب التونسي وتمهّد لهم بتسخير قوّات الجيش التونسي بعنوان “التعاون والتدريب” أمّا وسائل الإعلام فمصابة بعمى الألوان ترى العدوّ صديقا.

يوم كان في تونس رجال دولة:

حين كان في تونس والجزائر رجال دولة كانت الحكومة الأمريكيّة تطلب الإذن من والي دولة الخلافة في تونس ومن واليها في الجزائر، من أجل السماح لسفنها التجاريّة (لا العسكريّة) بالمرور من البحر الأبيض المتوسط. نعم حينها كانت عقلية رجال الدولة هي التي تضع قوانين الملاحة والتجارة في البحار، فترغم الغرب الكافر على السير في نظامها. أمّا اليوم فقد ابتلينا بطبقة سياسية لا تملك مثل هذه العقلية السياسية، لأنها تنكرت للمفاهيم السياسية التي تنتجها العقيدة الإسلامية، وهو ما جعلها تسير في ركاب المخططات الغربية فغشيها الذل من كل مكان.

أمريكا تضع قدما في تونس:

صار من المعلوم للجميع أن تونس وقعت تحت النّفوذ البريطاني منذ بورقيبة، وتواصل مع بن علي، وأنّ أمريكا ظلّت في إطار الصراع الدّولي على مناطق النّفوذ، تحاول الدّخول إلى شمال إفريقيا خاصّة ليبيا وتونس والجزائر، غير أنّ بريطانيا كانت تسند في الخفاء عملاءها وتحول دون الدّخول الأمريكي إلى المنطقة، فكانت تسند بن علي وتوعز إليه أن يوافق قولا على الضغوط الأمريكيّة وأن يماطلها فعلا،

وهكذا كان فظلّت تونس ميدانا بريطانيّا خالصا، أمّا بعد الثورة ومع السقوط المفاجئ لعميل بريطانيا القويّ (بن علي) وارتباك الوسط السياسيّ وضعفه وجدت أمريكا الثغرة فانقضّت تريد أن يكون لها نصيب في تونس باعتبارها أهمّ نقطة استراتيجيّة في المنطقة، ووجدت أمريكا ذرائع لتجد لنفسها موطئ قدم في تونس فتسللت عن طريق قبول السياسيين لكل ما تقدمه الولايات المتحدة الأمريكية من مساعدات مالية وعسكرية مسمومة، ومنها ما فرضته أمريكا على تونس:

  • من دخول في حلف الناتو حلف شمال الأطلسي بصفة “حليف رئيسي غير عضو”،

  • وإمضاء مذكرة التفاهم مع وزير الخارجية الأسبق جون كيري. التي تسمح للجنود الأمريكان استعمال السلاح على التراب التونسيّ وتضمن لهم الحصانة.

  • هذا إضافة إلى ما فرضته أمريكا على تونس من مشاركة في مراقبة الحدود الدّوليّة

هذا ما جعل للاستعمار الأمريكي موطئ قدم في بلادنا، إلى جانب الهيمنة البريطانيّة (ممّا ينذر بصراع خفيّ لا يدري أحد مداه).

ويذكر الجميع أنّ الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما خطب يوم 25 جانفي 2011 عن تونس ثمّ طلب من أعضاء الكونغرس أن يقفوا إجلالا لأهل تونس الذين طردوا “بن علي”. وحينها ابتهج المثقفون الحداثيون عندنا والسياسيون، وقال يومها الباجي قائد السبسي: إذا تكلّم أوباما وصفّق الكونغرس “فنحن على الطّريق الصحيح” (هكذا) وانفتح لأمريكا الطريق لتضع قدما في تونس تحت غطاء الاحتفاء بالتجربة الديمقراطية الناشئة. ولأن الأجواء كانت مفتوحة على جميع الاحتمالات أيام الثورة الأولى فان الأمريكان نزلوا بثقلهم لحيازة مكان داخل المستعمرة البريطانية تونس ومزاحمة الانجليز والفرنسيس على مناطقهم التقليدية. وقد صرح بها المنصف المرزوقي الرئيس السابق لتونس في خطاب ألقاه بمناسبة إحدى زياراته إلى أمريكا قائلا “ستكون هذه الصفقة باهظة الثمن وستحتاج تونس إلى عامين أو ثلاثة للحصول على الطائرات والمعدات العسكرية” وها نحن اليوم ندفع فاتورة باهظة لم تكتبها أيدينا.

ولا غرابة أن نرى “المارينز” قاتلي أطفال أفغانستان والعراق، اليوم في تونس يلتقطون صور “سيلفي” في شارع الثورة، ويشربون القهوة على عتبات المسرح البلدي (حيث وقف الشباب الثائر يخطب وينادي بإسقاط النّظام واسترداد الثروة من الشركات الاستعماريّة) ولا نستغرب أن يقتحموا يوما جامع الزيتونة بحثا عن مسلم لا يحمل إسلاما أمريكيا.

عين على الجزائر:

ولا يخفى على كلّ متابع حصيف أنّ الصّراع الدّولي على تونس ليس لذاتها بل لموقعها الاستراتيجي، ولقد وصفها نائب وزير التجارة الأمريكي سنة 1989 بأنّها بوّابة إفريقيا. ومعلوم أنّ الجزائر التي يهيمن عليها الأنجليز بمشاركة فرنسا، حاولت دخولها أمريكا مرّات عديدة خاصّة سنة 1988 لكنّها فشلت، وها هي أمريكا تعاود المحاولات خاصّة بعد 2011 ولا شكّ أنّ الأحداث الحاليّة تمثّل فرصة مهمّة لأمريكا لعلّها تجد موطئ قدم في الجزائر أو تشارك بنصيب مهمّ في الهيمنة، ولتحقيق ذلك كان لا بدّ لها من منصّة ثابتة تنطلق منها تتجسّس وتجمع المعلومات وينطلق منها جنودها أو طلائعها للقيام بعمليّات أو تسهيل عمليّات تمهّد لدخول الجزائر، والأدلّة على ذلك كثيرة نذكر منها أنّ أمريكا فرضت على تونس المشاركة في مراقبة الحدود الدّوليّة، ثمّ إدراج تونس كعضو غير حليف في النّاتو ليسهّل لأمريكا فتح المكاتب تحت غطاء حلف النّاتو لجمع المعلومات، ولقد أقرّ الباجي قايد السبسي بأنّ طائرات أمريكيّة دون طيّار أقلعت من مطار عسكري من بنزرت لتقوم بعمليّات تجسّس، نعم أمريكا “تخدم بينا” تستعمل جيشنا لتحقيق مصالحها وقد قالها ترامب “أمريكا أولا” ولو أدى ذلك إلى عسكرة العالم كله، وقد صرح قائد الأفريكوم في فيفري الماضي أمام لجنة الخدمات المسلحة بالكونغرس الأمريكي قائلا “تسمح شبكة قواعدنا بتنظيم القوات بطريقة توفر المرونة للعمليات وتسمح بالاستجابة السريعة للأزمات المتعلقة بالأفراد والمصالح الأمريكية دون أن توحي بعسكرة أفريكوم لإفريقيا”. وجاءت الأخبار من الصحافة الأمريكيّة أنّ جنود المارينز شاركوا القوّات التّونسيّة في عمليّة عسكريّة على الحدود الجزائرية التونسية في فيفري 2017 وقع التعتيم عليها، ولأن حبل الكذب أقصر مما يتصور الحكام فان خيانتهم تنكشف سريعا، إذ قال قائد الأفريكوم “لا يخفى على أحد أن عمليات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع التي تنفذها الطائرات بدون طيار تنطلق من تونس منذ فترة ليست بالقصيرة، طائراتنا تقلع من هناك، وهذا ليس سرا، لكننا نحترم رغبات التونسيين فيما يتعلق بدعمهم وحقيقة حفاظنا على سرية عملياتنا”.

هكذا يتبيّن أنّ موطئ القدم الأمريكي في تونس المقصود به هذه الأيّام مراقبة الجزائر عن كثب، وأنّ التدريبات بمشاركة جنود من تونس على أرض تونس يمكّن المارينز الأمريكي من خبرة يفتقدونها بأراضينا ويرفّع من جاهزيّتهم للتدخّل السريع في الجزائر إمّا مباشرة أو بالإشراف على من يدرّبونهم من أبناء تونس أو الجزائر، والذّريعة ذريعة التدخّل جاهزة: الحرب على الإرهاب.

 وهكذا يكون الخضوع العسكري في سياق ثورة الشعوب الإسلاميّة على النّظام الاستعماري وعملائه، واقتحام السفينة الحربيّة الأمريكيّة وفرض تدريبات مشتركة تآمرا على ثورة الشعوب الإسلاميّة وتمكينا للمستعمر. خاصّة بعد أن التحق شعب الجزائر بالثورة، فصار المطلوب استعماريّا كبح جماح “المارد الجزائري” إذا ما حاول الخروج من قبضة الاستعمار الغربي والعودة إلى المربع الإسلامي الأصيل.

ومن أحسن من الله حكما؟

إن القرار السياسي الصلب الذي ينظر إلى المجريات السياسية من زاوية العقيدة الإسلامية، هو القادر على الخروج بتونس والأمة الإسلامية جمعاء من براثن الوصاية الاستعمارية الغربية، لأن مثل هذه القرارات السيادية لن تخرج من أشباه حكّام يرون الحكم غنيمة وخدمة مجانيّة لدولة استعماريّة، والساسة الذين يستندون إلى عقيدة الإسلام، هم وحدهم الذين يدركون أنه من المرفوض قطعا أن تجعل للكافر وصاية على البلد في قراره وفي ثروته وفي قوته، ورعاية شؤون الناس لا تعني أن يسمح للدولة من أجل بناء قوة عسكرية أو تطويرها أن نطلب من أعداء الأمة معونات مختلفة تكون فيما بعد ورقة ضغط سياسية. والدولة حتى تكون مالكة زمام أمرها، بعيدة عن تأثير غيرها، لا بد من أن تقوم هي بصناعة سلاحها وتطويره بنفسها، ومالكة لأحدث الأسلحة وأقواها، وذلك لإرهاب كل عدو ظاهر لها وكل عدو محتمل كما قال سبحانه وتعالى (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة و من رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين منهم لا تعلمونهم الله يعلمهم) سورة الأنفال 60.

محمد السحباني

CATEGORIES
TAGS
Share This