“السبسي” و”الشاهد” يستثمران في أوجاعنا

“السبسي” و”الشاهد” يستثمران في أوجاعنا

منذ أن سلم الاستعمار “بورقيبة” البلاد وعينه رئيسا لها بالوكالة وإلى غاية هروب “بن علي” وكيل الاستعمار الثاني ظلت السلطة في تونس من ذوات الرأس الواحد الذي بيده الأمر كله, فلا كلمة تعلو على كلمة رئيس الدولة, وكل الرؤوس تنحني له خنوعا وإذلالا. ولا مجال للاعتراض على سياسته ولو كان الاعتراض نجوى لم ينتشر بين صفوف القطيع الذي هو رهن أوامر الرئيس الخادم المطيع للمسؤول الكبير، وبقى الأمر هكذا إلى أن بلغ غضب الناس حد طرد “بن علي” وإسقاط منظومة الزعيم الأوحد والقائد الملهم الذي لا يريهم إلا ما يرى, والحامي لطريقتهم المثلى, حتى وإن أهلكت الحرث والنسل وجعلت البلد ببشره وحجره رهينة لدى أعدائه.

بعد 14 جانفي تغير المشهد وسارع المستعمر وأذياله إلى غرفهم المظلمة لإنقاذ الموقف وإبعاد شبح السقوط على النظام والحيلولة دون انهياره بشكل تام, فعمدوا إلى إيهام الناس بإحداث تغيير جذري بأن صنعوا لهم عجلا له رأسان، رأس اسمه رئيس الدولة والرأس الآخر سموه رئيس الحكومة, وقالوا لهم في هذا خلاصكم ونجاتكم, خاصة وقد جعلوا من الأول رأسا بلا صلاحيات, ومنحوها جميعها للرأس الثاني وهو رئيس الحكومة فأرهبوا عقول وعيون الناس وأقتنع كثير منهم بجدوى هذا التغيير واطمأنوا للتخلص من سطوة السلطة ذات الرأس الواحد. هذا وإن بقى الحال كما هو عليه ببقاء النظام واستمراره في سوم الناس سوء العذاب سواء كانت السلطة برأس أو برأسين فقد أفرز هذا التغيير الشكلي شيئا جديدا هو اضطلاع رئيس الدولة بدور جديد لم يألفه الناس من قبل وهو دور المعارض والمنتقد لأداء الرأس الأخر للسلطة والممثل في رئيس الحكومة, وهذا ما ترجمته خطابات “الباجي قائد السبسي” الأخيرة الذي استغل عدم مباشرته للملفات الاقتصادية والاجتماعية ليزايد على غريمه في السلطة الموظف السابق بسفارة الولايات الأمريكية المتحدة بتونس ورئيس الحكومة الحالي “يوسف الشاهد” وينتقد سياسة حكومته, ففي خطابه يوم 20 مارس 2019 حمل “الباجي قائد السبسي” حكومة “يوسف الشاهد” مسؤولية تدهور الأوضاع  وتردي القدرة الشرائية للغالبية العظمى من الشعب التونسي ولم يترك اتهاما إلا وكاله للحكومة ناسيا بل متناسيا أنه هو من عينه وأن أعضاء حكومته أغلب أعضائها من حزبه المتآكل “حركة نداء تونس”, وطبعا متجاهلا وهذا الأهم أن العلة تكمن في النظام برجة أولى ثم القائمين عليه بدرجة ثانية.

ولم يكن سلخ “الباجي قائد السبيسي” لحكومة ” يوسف الشاهد” من باب الحرص على مصلحة البلاد والعباد ولا شفقة على الجياع والضياع الذين أهملت الدولة شؤونهم وسرقت قوتهم ولقمة عيشهم بحيل مختلفة, وان وفرت لهم النزر القليل منها تكون مغموسة بالذل والمهانة، بل من أجل الظفر بغنيمة السلطة مجددا, سواء له أو لحزبه. ولا يهم إي الرأسين يكون, ما يهم أن ينعم بظلال السلطة ويحظى بشرف خدمة المسؤول الكبير من أي موقع كان حتى وإن بلغ من العمر عتيا، وقد فعلها من قبل حين خاض حملته الانتخابية السابقة في بحر من الدموع ذرفها حزنا وكمدا على امرأة لم تأكل اللحم منذ ثلاثة أشهر، وفي المقابل سلك الرأس الآخر للسلطة والذي يمثله رئيس الحكومة ” يوسف الشاهد” النهج ذاته وجعل من أوجاع الناس وآلامهم مطية توصله إلى البقاء في السلطة مجددا رفقة حزبه الجديد “تحيا تونس” القائم على أنقاض حزبه القديم “نداء تونس” الذي حمله “الشاهد” ذنب رمي البلاد في أتون الفقر وسوء الأحوال وفي الوقت نفسه عدّد صولاته وجولاته في محاربة الفساد والمفسدين واعدا الشعب بانتصارات جديدة شريطة أن يبقى هو رأسا من رأسي السلطة, فالموظف السابق بالسفارة الأمريكية بتونس لم يرى فشله وفشل حكومته في رعاية شؤون الناس بل ذهب إلى أبعد من ذلك حين تأبط مكنسته مؤخرا وقاد حملة لا تبقي ولا تذر على أوكار المحتكرين والمضاربين وكل أصحاب الأفعال المشينة نصرة للفقراء ومحدودي الدخل وذودا على مقدرتهم الشرائية التي حكمت عليها سياسة حكومته بالموت الزؤام.

إن السلطة برأسيها ماضية في ما سطره المسؤول الكبير لها ولا تقدر بأي حال من الأحوال على التزحزح عنه قيد أنملة فهي مسلوبة الإرادة ومنعدمة السيادة. لا تبصر سوى مصلحة القوى الاستعمارية ودورها ينحصر في محاربة الإسلام بالوكالة عن تلك القوى ومن ثمة جعل البلاد ملكا مشاعا لها مع ترك الخيرات للأذيال مفتوحة في خوض المعارك في ما بينهم من أجل مغانم السلطة ولو أدى الأمر إلى المتاجرة والاستثمار في أوجاعنا.

حسن نوير

CATEGORIES
TAGS
Share This